حول ما جرى في الكويت وتونس
ياسر الزعاترة
جو 24 : لا يجب التردد أبدا في القول إن ما جرى في الكويت وتونس كان إجراما بكل ما في الكلمة من معنى، ولن تسعفه أية مبررات مهما كانت، فضلا عن أن تكون مبررات واهية لا يسعفها عقل ولا منطق سياسي. نعلم أن من نفذوا تلك العمليات، بما فيها العملية في فرنسا، وهي تندرج في ذات الإطار أيضا، لن يستمعوا إلينا، فلهم فقهاؤهم بكل تأكيد، وهم يستمعون إليهم حتى لو وقف العالم كله ضدهم. ومن يرى أن منظري السلفية الجهادية، بمن فيهم أيمن الظواهري قد غيروا وبدلوا وأصبحوا “صحوات”، فلن يُستغرب منه أن يرفض ما عداهم من العلماء. تبدأ القضية من مسألة سبب القتال، ذلك أن الكفر عند جماهير علماء الأمة في القديم والحديث ليس الكفر، وإنما العدوان “وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا”. نقول ذلك لأننا نعلم رأيهم المتداول في الشيعة، فضلا عن الآخرين الذين قتلوا في تونس وفرنسا. أما السبب السياسي المتداول، من حيث مشاركة الكويت وفرنسا والدول التي ينتمي إليها السياح في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، فليس مبررا لاستهداف مسجد لم يتخذ قرار المشاركة في التحالف (حتى لو أيده رواده أو بعضهم)، تماما كما أن أولئك السياح لا صلة لهم بالأمر، وربما لم يسمعوا من الأصل بتلك المشاركة، فضلا عن أنهم قوم دخلوا البلاد بعقد أمان. نضيع الوقت في البحث عن المبررات، ومن ثم الرد عليها، لكننا نذكّر عسى أن تنفع الذكرى، ونذكّر، وهذا هو الأهم، بالصورة السلبية عن الإسلام والمسلمين التي تتركها هكذا أعمال، ويبدو أن هذا البعد لم يعد مهما بالنسبة للبعض أيضا (برأيه أنه لا يغير الكثير)، كما نذكر بضرورة إعمال قاعدة المصالح والمفاسد في كل ما يتعلق بالسياسة والعمل العام، مع أن هذه الأخيرة خلافية أيضا. من فجّر نفسه في المسجد، ومن قُتل لكي يقتل أبرياء في تونس، ومن على هذه الشاكلة؛ لا شك أنه مخلص لفكرته، لكنه وقع أسير رؤية خاطئة، تحفزها ظروف موضوعية هي السبب الأهم قبل الأفكار، لأن الأفكار المتشددة كانت وما تزال موجودة في بطون الكتب عند كل المذاهب، وما ترتكبه المليشيات الشيعية من فظاعات في سوريا والعراق ليس بلا فتاوى بكل تأكيد، سواءً أعلنت أم لم تعلن. انتهينا من إدانة الجرائم، والرد على منطقها على أمل وقفها، كي لا يقول إحد أننا نبرر، إذ لا شيء يبررها بحال، لكن ذلك لا يعفينا أبدا من تتبع الظاهرة والحديث عن أسبابها، لأن الأمانة تقتضي ذلك، لا سيما أننا مقتنعون بأنه من دون غياب الظروف الموضوعية التي أنتجتها، فإن ستتواصل بهذا القدر أو ذاك، مهما بالغنا وغيرنا في الوعظ. قلنا ونكرر دائما إن العنف المسلح ليس ظاهرة فكرية، وإن ما تفعله الأفكار هو توفير المبررات والدوافع، وما ينتجه هو ظروف موضوعية حقيقية، وليست خيالية، ما تلبث أن توفر لها مددا من الشبان وحاضنة شعبية. اليوم، وفي هذه الموجة من السلاح والتفجير تحديدا، يمكن القول إن إيران هي سببها الأكبر؟ كيف؟ بعد اندلاع الربيع العربي، اقتنع الناس أن السلمية يمكن أن تفعل الكثير، ولم يؤثر السياق الليبي على هذه القناعة، وكتب أسامة بن لادن ما يشبه النعي لفكرة حمل السلاح، وطالب أتباعه بالعمل في الدعوة، والانسجام مع الحكومات التي تنشأ بعد الربيع العربي، فيما كانت القاعدة في العراق (الدولة الإسلامية) قد أصبحت مجرد تنظيم سري مسلح مطارد بعد أن قاتلتها الصحوات، بينما كان العرب السنة قد ذهبوا نحو المسار السياسي. ما أحيا الظاهرة من جديد، وفي مقدمتها تنظيم الدولة هي: أولا طائفية المالكي وإقصائه للعرب السنّة، وهذه دعمتها ووجهتها إيران، وثانيا، دموية بشار الأسد ردا على ثورة سلمية، وثالثها ما جرى في اليمن، بدعم أقلية اعتدت على الشعب بالتعاون مع طاغية ثار الناس ضده. والأسوأ من ذلك كله أن إيران ورّطت الشيعة العرب بتأييد هذا الجنون، فزاد الشرخ في علاقتهم بجوارهم، وجرى تدمير التعايش. لقد أصبحت الغالبية السنّية في وضع صعب، وبدأت تتحدث عن نفسها كطائفة مهانة، وهي لم تكن كذلك في يوم من الأيام، حيث كانت الأمة التي تحتضن الجميع، وهؤلاء الشبان هم تعبير عن هذا الشعور. هذه هي الحقيقة التي تنبغي مواجهتها، ما يعني أن هذه الفوضى لن تتوقف قبل أن يتوقف العدوان الإيراني، لكن ذلك كله لا يعني التسامح مع تجلياتها السيئة (هناك مقاومة مشروعة وجهاد صائب)، تماما كما لا ينبغي السكوت على جرائم الطرف الآخر، بأنظمته ومليشياته. وحتى تتعب إيران من هذا النزيف وتتجرّع كأس السم وتأتي إلى تسوية معقولة، فسيبقى الوضع على بؤسه الراهن. وربنا يستر. الدستور