عن التدخل التركي في المسألة السورية
ياسر الزعاترة
جو 24 : قبل أيام شن رئيس الوزراء التركي أردوغان هجوما عنيفا على معارضي سياسته في سوريا، واتهم بعضهم بأنهم “بعثيون” يرفعون صور بشار الأسد في اعتصاماتهم، ودافع عن تلك السياسة مع هجوم حاد على النظام السوري ورئيسه.
لم يتدخل أردوغان في المسألة السورية بسهولة، إذ تردد كثيرا قبل أن يتخذ موقفه الحاسم لصالح الثورة، فقد جاء الربيع العربي، وتبعا له الثورة السورية بينما كانت العلاقات السورية التركية في أحسن أحوالها منذ عقود طويلة في ظل سياسة “صفر مشاكل” التي ابتدعها وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو، وتطورت العلاقة التجارية والسياسية على نحو لافت، بينما تدفق الناس على جانبي الحدود بشكل استثنائي، وبقدر كبير من الرضا والفرح.
عندما اندلعت الثورة السورية تردد أردوغان كثيرا في حسم موقفه، ليس فقط لاعتبارات تتعلق بالعلاقات التجارية الواسعة بين الطرفين، ومعها العلاقة السياسية الحميمة، بل أيضا لأن حسابات الداخل التركي كانت حاضرة أيضا.
في تركيا ثمة حضور لافت للطائفة العلوية يختلف الناس حول نسبتها من مجموع السكان، وهي في معظمها تميل إلى المعارضة أكثر من الحزب الحاكم ذي الجذور الإسلامية، فيما لا يؤيد الجيش تدخلا عسكريا في الشأن السوري، وإن قال البعض إنه يؤيد، وأقله لا يمانع.
في الشهور الأولى حاولت تركيا الدخول على خط الأزمة واستثمار العلاقة الخاصة مع بشار الأسد على أمل إيجاد حل سياسي من خلال إصلاح سياسي يقنع الشارع السوري مع وقف للعنف ضد المحتجين، وكانت الوعود تنهال من دمشق على الدبلوماسيين الأتراك، لكنها ما تلبث أن تطحن تحدت جنازير الدبابات التي تجوب الشوارع وتقتل الناس، في وقت لم تكن هناك أية مظاهر عسكرية في الثورة.
يوما إثر آخر بدأ الموقف التركي يندد بالمجازر، وأخذ يبتعد عن حليفه السابق، وصولا إلى حسم الموقف. ولا شك أن حضور الشارع العربي والإسلامي في القضية كان كبيرا، إذ توالت المناشدات من القوى السياسية العربي لأردوغان باتخاذ موقف ما يجري. ولما كان الرجل قد حاز مكانة كبيرة بين المسلمين خلال المرحلة السابقة بسبب جملة من المواقف حيال القضية الفلسطينية، فلم يشأ أن يضيعها، لاسيما أنه لمس اصرارا من الشعب السوري على الانتصار. مع ضرورة الإشارة هنا إلى أن سياسة العدالة والتنمية قد ذهبت خلال السنوات الماضية نحو تعزيز علاقاتها العربية والإسلامية بعد يأسها من الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي.
اليوم، وفي حين لا يجد كثير من قادة المعارضة السورية حرجا في الإشادة بالموقف التركي، فإن كثيرين في الشارع السوري والعربي والإسلامي، وبينهم سياسيون وكتابا لا يتوقفون عن هجاء الموقف التركي الذي لا يرقى إلى مستوى طموحهم فيما خصَّ نصرة الشعب السوري الذي يتعرض لمجازر يومية، لاسيما بعد أن تحولت الثورة إلى صراع مسلح مع جيش النظام وشبيحته.
والحال الذي لا ينكره سوى العقلاء هو أن تركيا تقدم الكثير للثورة السورية؛ لا أعني فقط استيعاب بعض اللاجئين، بل استيعاب نشطاء الثورة والكثير من فعالياتها مع دعم لوجستي واضح، إلى جانب السماح بتدفق المقاتلين المؤيدين، وكذلك المال والسلاح.
كل ذلك لا يبدو كافيا بنظر البعض، وهو ربما لا يكفي بالفعل لمنح الثورة فرصة الحسم السريع، وإن أمكن الحديث بكل بساطة عن انتصار حتمي في نهاية المطاف، لكن ذلك لا يأتي لأن أردوغان لا يريد لبشار الأسد أن يسقط، بل لأنه يخشى من تجاوز الموقف لما تحتمله موازين القوى الداخلية والخارجية.
في الداخل لا يبدو أردوغان قادرا على تجاهل حقيقة أن 49 في المئة فقط يؤيدون سياسته في تركيا رغم أنها لم تصل حد التدخل العسكري (13 في المئة يعارضون والباقي بين بين)، فضلا عن وجود العلويين المؤيدين لبشار الأسد لأسباب طائفية، كما لا يمكنه تجاهل المشكلة الكردية التي يحركها النظام السوري عبر دعم حزب العمال الكردستاني.
الذي لا يقل أهمية عن ذلك كله هو ما يتعلق بالموقف الأمريكي والغربي (تركيا عضو في الناتو) الذي يرفض رفع مستوى التسليح والدعم للثورة السوري، بدعوى الخوف من وقوع الأسلحة بيد متطرفين، رغم أن ذلك إنما يتم بسبب المطالب الإسرائيلية المعنية بإطالة الصراع لتدمير سوريا وإشغالها بنفسها لعقود.
لذلك كله لا يمكن القول إن ما يقدمه حزب العدالة والتنمية يُعد قليلا إذا ما أخذت العوامل الداخلية والخارجية بنظر الاعتبار، لكن ذلك كله لا يبرر أبدا الإبقاء على الوضع القائم، إذ لا بد من تنسيق تركي مع داعمي الثورة العرب من أجل تمرد مشترك على الشروط الأمريكية، وصولا إلى دعم أكبر وتسليح أقوى يمنح الثوار فرصة الحسم السريع قبل أن يدمر بشار الأسد البلد برمته.
(الدستور)
لم يتدخل أردوغان في المسألة السورية بسهولة، إذ تردد كثيرا قبل أن يتخذ موقفه الحاسم لصالح الثورة، فقد جاء الربيع العربي، وتبعا له الثورة السورية بينما كانت العلاقات السورية التركية في أحسن أحوالها منذ عقود طويلة في ظل سياسة “صفر مشاكل” التي ابتدعها وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو، وتطورت العلاقة التجارية والسياسية على نحو لافت، بينما تدفق الناس على جانبي الحدود بشكل استثنائي، وبقدر كبير من الرضا والفرح.
عندما اندلعت الثورة السورية تردد أردوغان كثيرا في حسم موقفه، ليس فقط لاعتبارات تتعلق بالعلاقات التجارية الواسعة بين الطرفين، ومعها العلاقة السياسية الحميمة، بل أيضا لأن حسابات الداخل التركي كانت حاضرة أيضا.
في تركيا ثمة حضور لافت للطائفة العلوية يختلف الناس حول نسبتها من مجموع السكان، وهي في معظمها تميل إلى المعارضة أكثر من الحزب الحاكم ذي الجذور الإسلامية، فيما لا يؤيد الجيش تدخلا عسكريا في الشأن السوري، وإن قال البعض إنه يؤيد، وأقله لا يمانع.
في الشهور الأولى حاولت تركيا الدخول على خط الأزمة واستثمار العلاقة الخاصة مع بشار الأسد على أمل إيجاد حل سياسي من خلال إصلاح سياسي يقنع الشارع السوري مع وقف للعنف ضد المحتجين، وكانت الوعود تنهال من دمشق على الدبلوماسيين الأتراك، لكنها ما تلبث أن تطحن تحدت جنازير الدبابات التي تجوب الشوارع وتقتل الناس، في وقت لم تكن هناك أية مظاهر عسكرية في الثورة.
يوما إثر آخر بدأ الموقف التركي يندد بالمجازر، وأخذ يبتعد عن حليفه السابق، وصولا إلى حسم الموقف. ولا شك أن حضور الشارع العربي والإسلامي في القضية كان كبيرا، إذ توالت المناشدات من القوى السياسية العربي لأردوغان باتخاذ موقف ما يجري. ولما كان الرجل قد حاز مكانة كبيرة بين المسلمين خلال المرحلة السابقة بسبب جملة من المواقف حيال القضية الفلسطينية، فلم يشأ أن يضيعها، لاسيما أنه لمس اصرارا من الشعب السوري على الانتصار. مع ضرورة الإشارة هنا إلى أن سياسة العدالة والتنمية قد ذهبت خلال السنوات الماضية نحو تعزيز علاقاتها العربية والإسلامية بعد يأسها من الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي.
اليوم، وفي حين لا يجد كثير من قادة المعارضة السورية حرجا في الإشادة بالموقف التركي، فإن كثيرين في الشارع السوري والعربي والإسلامي، وبينهم سياسيون وكتابا لا يتوقفون عن هجاء الموقف التركي الذي لا يرقى إلى مستوى طموحهم فيما خصَّ نصرة الشعب السوري الذي يتعرض لمجازر يومية، لاسيما بعد أن تحولت الثورة إلى صراع مسلح مع جيش النظام وشبيحته.
والحال الذي لا ينكره سوى العقلاء هو أن تركيا تقدم الكثير للثورة السورية؛ لا أعني فقط استيعاب بعض اللاجئين، بل استيعاب نشطاء الثورة والكثير من فعالياتها مع دعم لوجستي واضح، إلى جانب السماح بتدفق المقاتلين المؤيدين، وكذلك المال والسلاح.
كل ذلك لا يبدو كافيا بنظر البعض، وهو ربما لا يكفي بالفعل لمنح الثورة فرصة الحسم السريع، وإن أمكن الحديث بكل بساطة عن انتصار حتمي في نهاية المطاف، لكن ذلك لا يأتي لأن أردوغان لا يريد لبشار الأسد أن يسقط، بل لأنه يخشى من تجاوز الموقف لما تحتمله موازين القوى الداخلية والخارجية.
في الداخل لا يبدو أردوغان قادرا على تجاهل حقيقة أن 49 في المئة فقط يؤيدون سياسته في تركيا رغم أنها لم تصل حد التدخل العسكري (13 في المئة يعارضون والباقي بين بين)، فضلا عن وجود العلويين المؤيدين لبشار الأسد لأسباب طائفية، كما لا يمكنه تجاهل المشكلة الكردية التي يحركها النظام السوري عبر دعم حزب العمال الكردستاني.
الذي لا يقل أهمية عن ذلك كله هو ما يتعلق بالموقف الأمريكي والغربي (تركيا عضو في الناتو) الذي يرفض رفع مستوى التسليح والدعم للثورة السوري، بدعوى الخوف من وقوع الأسلحة بيد متطرفين، رغم أن ذلك إنما يتم بسبب المطالب الإسرائيلية المعنية بإطالة الصراع لتدمير سوريا وإشغالها بنفسها لعقود.
لذلك كله لا يمكن القول إن ما يقدمه حزب العدالة والتنمية يُعد قليلا إذا ما أخذت العوامل الداخلية والخارجية بنظر الاعتبار، لكن ذلك كله لا يبرر أبدا الإبقاء على الوضع القائم، إذ لا بد من تنسيق تركي مع داعمي الثورة العرب من أجل تمرد مشترك على الشروط الأمريكية، وصولا إلى دعم أكبر وتسليح أقوى يمنح الثوار فرصة الحسم السريع قبل أن يدمر بشار الأسد البلد برمته.
(الدستور)