توريث اسم الجد والجدة: مرغوب من الآباء ومبغوض من الأمهات
يكبر الصغير، وتكبر الصغيرة؛ عندها يدرك كل منهما معنى اسمه، ويستشعر جمالياته، أو قبحه، ولكن هناك من سمِّيَ على اسم جده أو جدته بأسماء ثقيلة، فنراه يحمل المسؤولية إلى أهله، الذين انصاعوا لرغبات الأب أو الأم، أو لمفاهيم التوصية أو النذر.
الثلاثيني معتز، كاد يصيب زوجته بانهيار عصبي، نتيجة إصراره على تسمية ابنه الأول باسم جده "جلعود"، وظلت الزوجة المغلوبة على أمرها خلال فترة الحمل تقنع زوجها بتغيير الاسم دون جدوى.
وصلت الأمور بين الزوجين إلى مرحلة كادا فيها أن يعلنا انفصالهما، بعد الخلاف الكبير على الأمر، إلا أن إصرار الزوج وقناعته أن ذلك أقل واجب يفعله مع والده، ولا يجوز أن يمتنع عنه.
ويصف حالة زوجته، التي انهارت عندما علمت بالقرار بقوله: "ظنت هي في بادئ الأمر أنني أمزح معها، إلا أنني كنت أقصد تماما ما أقول، فقد اعتدنا تسمية الابن الأول باسم الأب، وحاولت التفكير مرارا، لكن دون جدوى إلى جانب أن ما فعلته معي زوجتي من تصرفات لمنعي من تسميته، زاد من تشبثي في الاسم".
ويؤكد أن والده أيضا حاول مرات كثيرة منعه من تلك الرغبة، لكنه رفض، حتى وصلت الأمور إلى تدخلات من بعض أفراد العائلة، ليتم الاتفاق أخيرا على تسمية المولود في شهادة الميلاد "جلعود"، وأن ينادوه باسم ثان.
أصبح اختيار الأسماء للمواليد الجدد يأخذ وقتا طويلا هذه الأيام، وبات الأمر يشغل بال الأبوين طوال فترة الحمل التي يقضيانها في البحث عن اسم جميل وفريد من نوعه، ويحمل معاني وقيما، خصوصاً في ظل ما هو موجود حالياً من أسماء جديدة.
ما يزال البعض يتمسكون تماماً بعادة تسمية الطفل على اسم والد أو والدة الزوج، أو العكس، وهو الأمر الذي يخلق مشاكل بين الزوجين، لما قد يحمل الاسم من ثقل في المعنى، أم صعوبة في النطق، أو غير ملائم للزمن الحالي.
ياسمين توترت العلاقة فيها بينها وبين زوجها، الذي أراد تسمية ابنها الاول على اسم والده "عطا"، وهو الأمر الذي خيب آمالها، بعد أن كانت تأمل أن تختار أسماء لأولادها حتى من قبل أن تتزوج، بما يلائمها.
وتقول:"اخترت لابني الأول اسم سيف منذ صغري، فكيف أسميه الآن عطا"، معتقدة أنها بهذا الاسم تجني على ابنها، وتظلمه بتلك الطريقة بين عائلته وأصدقائه وكل من حوله.
وتؤكد محبتها لوالد زوجها، لكنها ترى أن فرض الاسم فيه ظلم للطفل، معتبرة أن تسميته ليس تعبيرا عن الحب فهناك كثير من الطرق الأخرى التي يمكن أن نحترم فيها الكبار. وتبين أن زوجها مصر على الاسم وهي تقوم بالدعاء يوميا حتى يغير رأيه، لأنها لا تريد أي مشاكل معه.
الاختصاصي الاجتماعي الأسري مفيد سرحان، يرى أن الاسم عنوان، ودليل للإنسان، وهو ما يميزه ويعرف به، ووسيلة مخاطبة، فمن خلاله يتم تمييز شخص عن آخر، وهو حق وأول هدية يقدمهاالآباء للأبناء.
لذلك فمن الضروري، وفق سرحان، أن يحسن الآباء تسمية أطفالها، لأن لذلك أثرا نفسيا كبيرا على الابن وبعض الأبناء يعانون بعد فترة من أسمائهم، خصوصا إذا كانت صعبة اللفظ، أو معانيها غير موجودة، وقد يتعرض لانتقاد واستهزاء وتعليقات من الاشخاص.
وعلى العكس من ذلك، ففي حال كان الاسم جميلا فإنه يعطي البهجة والسرور على صاحبه، و"الاسم على المسمى"، مبيناً أنه لا مبرر من حيث المبدأ لاختيار اسم غير مناسب من الأهل.
ويشير إلى أنه في العرف والعادات، الاحتفاظ باسم الوالد والوالدة، وتلك الرغبة تكون عند الزوجين، مبينا أنه من حيث المبدأ لا مانع من ذلك، إذا كان الاسم جميلا ومرغوبا فيه، وفي حال كان عكس ذلك، سيترك أثرا نفسيا على الطفل نفسه.
وينصح سرحان الأهل بالابتعاد عن الأسماء التي لا تحمل أي معنى، وعدم اختيار اسم صعب اللفظ والابتعاد عن الاسماء التي تجوز للمذكر والمؤنث سوية.
تطمح جمانة أحمد، أن تسمي ابنتها "جود"، إلا أن زوجها ولخجله وحبه لوالدته، خصوصا بعد وفاة والده اختار أن يسمي ابنته "فضة" تعبيرا عن حبه لها، ما شكَّل لها حالة من الاستياء وجعلها تعيش لفترات بصورة عصيبة أثناء الحمل، وخلق لديها حالة من النفور من والدته.
وتقول:"كيف أسمي ابنتي الأولى فضة، خصوصاً بعد هذا الكم من الاسماء الجديدة، والمعاني الحلوة لتكون ابنتها تحمل هذا الاسم الثقيل، وغير المناسب للوقت الحالي".
زادت المشاكل بين الزوجين بعد الولادة وتسمية الطفلة "فضة"، ما جعل الزوجة تغضب لفترة طويلة، وقد أدى ذلك لأن تنادي ابنتها بأسماء دلع كثيرة، دون أن تناديها باسمها، وبالوقت ذاته شكل ذلك لديها الإصرار على تغيير اسم ابنتها مهما طال الزمن.
يقول الاختصاصي الأسري أحمد عبدالله، إن الفكرة في الموضوع، هي حب الرجل لتسمية المولود الأول باسم والده أو والدته، كنوع من امتداد العلاقة، إلى جانب أنه تكون هناك رغبة معلنة أو غير معلنة من قبل الأجداد لذلك.
ويرى أن الأصل أن يتم الاتفاق بين الزوجين، وأن يحددا ما يناسبهما من دون تدخل الآخرين، مؤكدا أهمية وجود الشراكة والعقل الجمعي في الأسرة وليس العقل الفردي.
وينصح عبدالله الزوجة بأن تتحدث مع الزوج من باب التفاهم، وإذا لم ينفع ذلك، تترك أحد أفراد العائلة ليتحدث مع زوجها، لافتا الى أن الزوج إذا أصر على ذلك فلا داعي لعمل أي مشكلة.
وفي ذلك يرى الاختصاصي النفسي د.أحمد الشيخ أن اسم الطفل سيلاحقه طول العمر عدا عن أنه الواجهة الأولى لشخصيته والانطباع الأول مرتبط به.
بالتالي فان هؤلاء الأشخاص يبذلون مجهودا كبيرا من أجل اثبات عكس ذلك، مبينا أن هناك كثيرا من الممارسات التي قد تمارس من قبل طلاب المدارس نتيجة الاسم.
ويشير إلى أن كل شخص يعتز ويفتخر بأهله ولكن ذلك لا يرتبط بالضرورة بالاسم الذي يحمله كنوع من المكافأة، لذلك لا بد من بذل مجهود ولو قليل للبحث عن أسماء تعبر عن الهوية وتكون لائقة.
ويضيف أن الآباء يتحملون مسؤولية اختيار الاسم كاملة كونها تشكل هويته عبر حياته ولا يمكن ظلمهم لتلبية احتياجات معينة. الغد