2025-07-23 - الأربعاء
25°C
صافي
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

بالفيديو - جِنيّة لا تبتسم

بالفيديو  جِنيّة لا تبتسم
جو 24 :

كتبَت الروائية الرومانية هرتا مولر كمنفية من نفسها المسحوقة، إلى نفسها الأخرى الباحثة في مشاهد الروح الإنسانية عن لطفٍ يبدّد شيئا من الخوف.

أنجزَت لهذه الغاية روايات لم تبخل في الإلتفافات اللغوية الجسورة القادرة وحدها على الإفصاح عن الحميم والمسكوت عنه، من دون المغامرة في فقء دمل الذاكرة المُلتهبة، على نحو مُتسرّع. كلما حاول القارىء أن يقشر طبقة من لغة مولر الإنثوية والشاعرية، بات اللغز أكثر عمقاً وأقل ثرثرة.

في رواية "الملاك الجائع" أفصَحَت مولر المُكللة بـ "نوبل" الآداب انها تكاد لا تبكي، ليس لأنها أكثر جبروتاً من الآخرين بل لأنها أكثر ضعفا. تقول ان الآخرين جسورون لأنهم من لحم وعظام فحسب، فتصير المشاعر عندهم مرادف الشجاعة. تزيد "أنا جبانة. (..) حين أسمح لنفسي بأي شعور، أختار الجزء الموجع وألفّه بحكاية لا تبكي، حكاية لا تُفكر مليّا بالحنين إلى الوطن".

الوطن والبيت والملاذ كلها أسماء رومانيا، بلاد أنبَتت مولر وأبناء وبنات آخرين سحقهم الظلم السياسي، وناديا كومانيتشي من بينهم. حجزت لاعبة الجمباز الأولمبية كومانيتشي لنفسها مكانا على حدة في السجلات الرياضية حين حققت إنجازا في تاريخ الرياضة إبان الألعاب الأولمبية في مونتريال في منتصف سبعينات القرن العشرين، حاصدة علامة عشرة، غير المسبوقة. لكنها حكت أيضا تجربة جيل إختبر المعيش عينه في بلاد فرضت على الجميع في حقبة من تاريخها، ووفق مولر، أن يسيروا ويأكلوا ويناموا ويحبّوا وهم خائفون.

لهذه الأسباب ليس "الشيوعية الصغيرة التي لم تكن تبتسم" مجرد عنوان لكتاب من تأليف لولا لافون صدر بالفرنسية لدى "أكت سود" وبالقشتالية لدى "أناغراما" ويروي كومانيتشي الفتاة التي أدهشت الأوساط المحترفة في سنها المبكرة وهُزالتها المفرطة وقامتها القصيرة. أربعة عشر عاما وأربعون كيلوغراما ومترا وخمسة وأربعين سنتمترا، أرقام ثلاثة تتراءى كاختزال لصبيّة كسرت جميع الأرقام المكرورة، لكنها عرفت حياة بشرية موشّحة بالأسود والرمادي والزهري أيضا، حياة حجبتها فكرة الكمال.

نقرأ في شأن اللحظة الأولمبية الأثيرة في مونتريال في 1976 "كم يبلغ عمرُها، تسأل عضوة لجنة التحكيم المُدرّب قبالتها، وهي غير مصدقة. يجعلها رقم أربعة عشرة، ترتجف. والحال ان ما قامت به الفتاة للتو يثير الذهول فعلا ويتخطى الأرقام والكلمات والصور. لا يتعلّق الموضوع بما نستطيع فهمه. لا يسع أحدهم أن يفسّر ما جرى الآن. تلقي الفتاة بالجاذبية خلف كتفها، بينما يتّخذ جسدها الضئيل مكانا له في الهواء حيث يتدحرج".

في مطلع "الشيوعية الصغيرة التي لم تكن تبتسم" ثمة إشارة تفيد بأن النصّ لا يدّعي إجراء استعادة تاريخية لحياة ناديا كومانيتشي التي أتمت سيرتها الذاتية في كتاب اقترضت إسمه من ريلكه ودعته "رسالة إلى لاعب جمباز ناشىء". ففي حين احترم الكتاب التواريخ والأماكن والحوادث وفى أيضا للحظات الصمت التاريخية وصمت الشخصيات الرئيسية، فضلاً عن جمعه للنظريات والنسخ المختلفة "المنوطة بعالم انتهى". والحال ان عالم كومانيتشي في ظلّ حكم تشاوتشيسكو، شكّل تمرينا على الصمود اليومي حيث سادت نصيحة بعدم إخبار "الحكاية نفسها وبالطريقة نفسها لما يزيد على شخصين".

الحوارات التي تجمع الراوية الغربية بالرياضية في الكتاب هي قطعٌ من التخييل الخالص تاليا. تشكل طريقة لإعادة النظر في النسخ الرسمية لحياة فردية ومناسبة "لمنح الصوت لفيلم صامت شكّلته سيرة ناديا كومانيتشي بين عامي 1969 و1990".
نقرأ في احدى لحظات الكتاب عن احدى عالمات الاجتماع تفسر لماذا صار الجمباز في وقت قياسي رياضة أساسية بالنسبة للسلطة في رومانيا "لاعبات الجمباز يأكلن القليل ويحصدن المال الوفير وهنّ فتيّات إلى حدّ يمنعهن من ابداء الرأي حول ما يجري في بلادهن فلا يطلبن اللجوء السياسي تاليا على هامش مشاركتهن بأي مسابقة تجري في الغرب".

في النص يدلّل على كومانيتشي من طريق "الجنية الشيوعية الصغيرة" أو الجنية الشيوعية الصغيرة التي لا تبتسم"، غير ان الكتاب لا يتراءى مرتبطا بناديا فحسب، ينوب عن مواطنيها كذلك، عن كل واحد منهم "غادر البلاد مطفئا النور عند خروجه" وفق الحكاية المتداولة آنذاك.

 

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير