الحوش الكبير
د. عودة ابو درويش
جو 24 : الحوش الذي كنّا نسكن فيه كبير , كبير جدا , حتّى اننّا , انا والصغار من اخوتي واولاد عمومتي , كنّا نتعب ان حاولنا الركض من اولّه لآخره , ونختبأ من امهاتنا في احد اركانه , ان اردن منّا ان نقضي لهن حاجة من عند الجيران او السوق, بوابة الحوش كبيرة ايضا , وهي عبارة عن بوابتين , او باب كبير وباب صغير ,واحد لدخول الناس , والآخر لدخول الدواب , الجمال والخيول , والحمير والغنم , والباب الصغير , جزء من الباب الكبير لا ينفصل عنه , علية مطرقتان واحدة كبيرة والاخرى صغيرة , فاذا طرق الباب بالصغيرة , يفهم اهل الحوش ان بالباب امرأة , والكبيرة أنّ بالباب رجل , وعلى جوانب الحوش غرف كثيرة , كبيرة وصغيرة مبنية من الطين والتبن المعجونان بالماء , وتوضع في قوالب من الخشب حتّى تجف , ثم تبنى منها الغرف , وهي بعدد زوجات الرجال المتزوجين من اهل الدار وآبائهم وامهاتهم , ولكن واحدة من الغرف كبيرة جدا , تسمّى الديوان و يجتمع فيها اهل الدار اغلب الاحيان , ويأكلون فيها احيانا اخرى .
غرفة أمي كانت ملاصقة لغرفة جدّتي وتطل على الحوش الترابي , لها باب خشبي , يفتح بمفتاح لا يمكن ان نستطيع الاحتفاظ به في جيوب بناطلنا الحديثة , مربعة الشكل , على واجهتها التي تقابل الداخل الى الغرفة, مرآة كبيرة كنت استطيع ان أرى فيها كل تفاصيل جسمي ببساطة , عليها زخارف ورسومات يدوية , قالوا لي انّهم نقلوها من الشام بواسطة القطار ومعها ثلاث مرايا اخرى , تحت المرآة مصطبة تستمر من ركن الغرفة الى ركنها الآخر , وعلى المصطبة صندوق خشبي عليه زخارف ولكنها ملّونة , داخل الصندوق حاجيات تخص امي , وللغرفة شباكان خشبيان , عليهما حماية حديدية , لا ادري لماذا مع ان الباب كان يفتح بسهولة , على الشبّاك مصطبة عرضها كبير , بحيث تتسع لي ولآخرين معي , وكانت هذه المصطبة المكان المفضّل لي لمراقبة الاحداث التي تحدث في حوشنا الكبير , حيث اني استطيع ان ارى الزائر القادم الينا من دون ميعاد من البادية , والذي عادة يستضيفه ابي لمدة غير معلومة , ولأستمع انا لاحاديثهم عن الاحوال في البادية بلهجة كنت احاول جاهدا ان افهمها , او ان اراقب اهل الحوش وهم يغدون ويجيئون لقضاء اعمالهم..
سقف غرفة امّي وسقف جميع الغرف في الحوش مبني من دوامر حديدية عليها خشب غليظ , وقصّيب , وفوق القصّيب خلطة من التبن والطين , يعطي بناء هذه الغرف من الطين , برودة في الصيف ودفأ في الشتاء , وليس للغرف نوافذ على الشوارع , فجميع شبابيكها تطل على الحوش , وذلك للتقليل من دخول الغبار الكثيف الذي تمتاز به منطقتنا , صيفا وشتاء , ويتوسط الحوش بئر ماء , عمقه قليل ولا يتجاوز بضعة امتار , تغرف منه النسوة الماء للطبخ والشرب ورشّ ارض الغرفة والحوش , وفي ركن من الحوش حظيرة للماعز, كنّا نرعى بها في الاراضي الشرقية من الفجر الى المساء, وخم للدجاج , منه نحصل على بيضات نأكلها في الصباح ,وفي الركن الآخر طابون , تخبز فيه جدّتي كل صباح خبز لا يمكن ان انسى طعمه الرائع ابدا .
من مصطبة شبّاك غرفة امّي كنت أرى زوجات ابي , امّي وعمتي , وبناتهن اخواتي , وزوجة عمّي وبناته , وهنّ يجاهدن لكي يكون الحوش نظيفا و خاليا من روث الحلال ومن بقايا طعامنا , وبعد ان يكنسنه بالمكانس الكبيرة , يرشنّه بالماء , حتى تتلبد الارض ولا تنفث الغبار , وتجلس امي وعمتي , كل واحدة الى آلة خياطتها , تخيط الاثواب التي نكون نحن الصغار قد جلبناها من التجار , ثم نعيدها اليهم جاهزة مخاطة , وهذا العمل يأخذ منهن باقي الوقت الذي يمكن ان يرتحن فيه بعد اعداد الطعام للعدد الكبير من الناس الموجود في غرف الحوش , وبعد غسل الملابس يدويا , ونشرها على حبال الغسيل , واذا حلّ الغروب يعددن الفراش لنا , كي نخلد نحن الصغار الى الراحة بنوم عميق , ويبقين هنّ يخطن الملابس , ويغسلن الاواني , ويسهرن على راحتنا , من دون ان يتأففن او يتذّمرن لاحد , يعلمن تماما ان العمل الذي يقمن به لا يقدّر بثمن , و يا ليت نساء ايامنا هذه يستطعن ان يقمن به , او ببعضه , من دون ان يحمّلن ابنائهن وازواجهّن جميلة , لا ترقى الى جمائل نساء الحوش الكبير ابدا .
غرفة أمي كانت ملاصقة لغرفة جدّتي وتطل على الحوش الترابي , لها باب خشبي , يفتح بمفتاح لا يمكن ان نستطيع الاحتفاظ به في جيوب بناطلنا الحديثة , مربعة الشكل , على واجهتها التي تقابل الداخل الى الغرفة, مرآة كبيرة كنت استطيع ان أرى فيها كل تفاصيل جسمي ببساطة , عليها زخارف ورسومات يدوية , قالوا لي انّهم نقلوها من الشام بواسطة القطار ومعها ثلاث مرايا اخرى , تحت المرآة مصطبة تستمر من ركن الغرفة الى ركنها الآخر , وعلى المصطبة صندوق خشبي عليه زخارف ولكنها ملّونة , داخل الصندوق حاجيات تخص امي , وللغرفة شباكان خشبيان , عليهما حماية حديدية , لا ادري لماذا مع ان الباب كان يفتح بسهولة , على الشبّاك مصطبة عرضها كبير , بحيث تتسع لي ولآخرين معي , وكانت هذه المصطبة المكان المفضّل لي لمراقبة الاحداث التي تحدث في حوشنا الكبير , حيث اني استطيع ان ارى الزائر القادم الينا من دون ميعاد من البادية , والذي عادة يستضيفه ابي لمدة غير معلومة , ولأستمع انا لاحاديثهم عن الاحوال في البادية بلهجة كنت احاول جاهدا ان افهمها , او ان اراقب اهل الحوش وهم يغدون ويجيئون لقضاء اعمالهم..
سقف غرفة امّي وسقف جميع الغرف في الحوش مبني من دوامر حديدية عليها خشب غليظ , وقصّيب , وفوق القصّيب خلطة من التبن والطين , يعطي بناء هذه الغرف من الطين , برودة في الصيف ودفأ في الشتاء , وليس للغرف نوافذ على الشوارع , فجميع شبابيكها تطل على الحوش , وذلك للتقليل من دخول الغبار الكثيف الذي تمتاز به منطقتنا , صيفا وشتاء , ويتوسط الحوش بئر ماء , عمقه قليل ولا يتجاوز بضعة امتار , تغرف منه النسوة الماء للطبخ والشرب ورشّ ارض الغرفة والحوش , وفي ركن من الحوش حظيرة للماعز, كنّا نرعى بها في الاراضي الشرقية من الفجر الى المساء, وخم للدجاج , منه نحصل على بيضات نأكلها في الصباح ,وفي الركن الآخر طابون , تخبز فيه جدّتي كل صباح خبز لا يمكن ان انسى طعمه الرائع ابدا .
من مصطبة شبّاك غرفة امّي كنت أرى زوجات ابي , امّي وعمتي , وبناتهن اخواتي , وزوجة عمّي وبناته , وهنّ يجاهدن لكي يكون الحوش نظيفا و خاليا من روث الحلال ومن بقايا طعامنا , وبعد ان يكنسنه بالمكانس الكبيرة , يرشنّه بالماء , حتى تتلبد الارض ولا تنفث الغبار , وتجلس امي وعمتي , كل واحدة الى آلة خياطتها , تخيط الاثواب التي نكون نحن الصغار قد جلبناها من التجار , ثم نعيدها اليهم جاهزة مخاطة , وهذا العمل يأخذ منهن باقي الوقت الذي يمكن ان يرتحن فيه بعد اعداد الطعام للعدد الكبير من الناس الموجود في غرف الحوش , وبعد غسل الملابس يدويا , ونشرها على حبال الغسيل , واذا حلّ الغروب يعددن الفراش لنا , كي نخلد نحن الصغار الى الراحة بنوم عميق , ويبقين هنّ يخطن الملابس , ويغسلن الاواني , ويسهرن على راحتنا , من دون ان يتأففن او يتذّمرن لاحد , يعلمن تماما ان العمل الذي يقمن به لا يقدّر بثمن , و يا ليت نساء ايامنا هذه يستطعن ان يقمن به , او ببعضه , من دون ان يحمّلن ابنائهن وازواجهّن جميلة , لا ترقى الى جمائل نساء الحوش الكبير ابدا .