jo24_banner
jo24_banner

ما وراء الغضب الإسرائيلي الظاهـر على حرق عائلة دوابشة

ياسر الزعاترة
جو 24 : لا جديد في إجرام المستوطنين في الضفة الغربية، فهو ماضٍ منذ حط غراب الاحتلال عليها قبل ما يقرب من خمسة عقود، وإذا كانت السنوات الأكثر أمنا للاحتلال طوال تاريخه، وهي سنوات محمود عباس (منذ 2004) قد شهدت بحسب إحصائية للسلطة 11 ألف انتهاك من قبلهم بحق الفلسطينيين، فلك أن تتصور سيرتهم برمتها.
لا خلاف على أن جريمة حرق الرضيع كانت من البشاعة بحيث يمكنها استفزاز أي إنسان، مهما كان منسوب الإنسانية متدنيا لديه، لكن المؤكد أن هذ الجدل العنيف في المستوى السياسي والإعلامي الصهيوني لم يكن يعكس حنانا على الفلسطينيين، بقدر ما ينطوي على أبعاد أخرى، لا سيما حين جاءت الجريمة بعد جريمة أخرى للمستوطنين المتدينين بحق مسيرة لـ”المثليين”، أودت بحياة مراهقة طعنا بالسكاكين وجرح خمسة سواها.
كل هذا الضجيج الذي تابعناه في الكيان الصهيوني لم يسفر سوى عن اعتقال ثلاثة أشخاص “اعتقالا إداريا”، ليومين اثنين لا أكثر، بينما يُعتقل بذات الطريقة 400 فلسطيني لم ينفذوا أي عمل مسلح ولا غير مسلح، ولا يُعتقلون إلا على خلفية دعمهم لرؤية المقاومة في الضفة الغربية.
ثمة ما هو داخلي في الضجة يتعلق بالمجتمع الصهيوني نفسه، بخاصة بعد جريمة مسيرة المثليين، ذلك أننا إزاء مجتمع أخذ ينقسم إلى صنفين؛ صنف موغل في العلمانية والاستهلاك، وصنف آخر يذهب بعيدا في تطرفه وانحيازه للشريعة اليهودية، ومن هنا كان الأول يحتج دفاعا عن نفسه، وليس عن الفلسطينيين، بدليل تهليله هو نفسه لقتل الفلسطينيين بقنابل الطائرات والصواريخ في قطاع غزةة، وحيث قتل المئات من الأطفال أيضا، بطريقة لا تقل بشاعة عن الطريقة التي قتل بها علي دوابشة ووالده، ومن الطبيعي والحالة هذه أن يعبر المستوى السياسي أيضا، أو بعضه عن مصالح هذه الفئة ورؤيتها للمجتمع.
تسوّق دولة الاحتلال نفسها في العالم بوصفها واحة الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهي معنية رغم كل جرائمها باستمرار هذه اللعبة، ومن هذا المنطلق تأتي الإجراءات التي اتخذت بحق المستوطنين، ودوع التماسيح والاعتذارات التي صدرت بعد جريمة أسرة دوابشة.
لكن البعد الأهم من ذلك في اعتقادي هو المتمثل في الهستيريا التي تصيب الكيان الصهيوني من فكرة اندلاع انتفاضة في الضفة الغربية، والتي يمكن أن تصيب الكيان في مقتل؛ اقتصاديا وأمنيا في آن، ولذلك يجري استرضاء الفلسطينيين، والسلطة بشكل أهم ببعض الاعتذارات والإجراءات، ويتصل نتنياهو بعباس، بينما يُغدق قادة الأمن الثناء عليه، ويقرون بأنه هو لا غيره من يمنع الانتفاضة.
على هذه الخلفية تتكاثر الاعتقالات في صفوف الفلسطينيين، ويصل عدد المعتقلين مستوىً لم يصله إلا خلال انتفاضة الأقصى، وما ذلك إلا من أجل الحيلولة دون تفجر الانتفاضة، بينما يجري من جهة أخرى منح بعض التسهيلات لقادة السلطة، وكذلك للفلسطينيين في الضفة الغربية، بحيث يسمح له لهم مثلا بالصلاة في الأقصى يوم الجمعة.
بدوره لا يكف عباس عن تقديم استحقاقات التعاون الأمني، بمطاردة شبح الانتفاضة، وإغلاق كل النوافذ التي يتسلل منها فكرها وبرنامجها نحو الوعي الفلسطيني.
والخلاصة أن الضجة ضد جرائم المستوطنين هي في شق منها استجابة للأبعاد التي ذكرنا، لكن الأهم هو الخوف من أن تؤدي إلى اندلاع الانتفاضة، ما يعني أن رد الشعب الفلسطيني على ذلك كله هو بإطلاق انتفاضته المباركة، ورفض برنامج محمود عباس الذي يكرّس واقع النزاع كنزاع حدودي لا أكثر مع دولة احتلال تتمتع بالأمن، من دون أن تقدم للفلسطينيين أكثر من بعض أسباب الحياة، ولقيادتهم العتيدة الكثير من التسهيلات.. وللأحباب من حولها بطبيعة الحال!!


(الدستور)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير