من أسفار سيدة قوس قزح!
حلمي الأسمر
واليوم ونحن نتنسم بواكير أنفاس الخريف، زارتني مايا!
****
أللَّيْلَةَ زَارَتْنِي مَايَا، كَانَتْ تَحْمِلُ فِي كَفٍّ، جُثَّةَ حُلْمٍ مَلْفُوفٍ بِبَقَايَا... مِنْ وَرَقِ الأَشْجَارِ الخَضْرَاءِ، وَأَزْهَارٍ حَمْرَاء وَبَيْضَاء وَسَوْدَاء!
فِي الكَفِّ الآخَرِ، كَانَتْ تَحَمُّلَ جُثَّتِهَا... كَانَتْ، بَاسِمَةً، مُشْرِقَةً، كالقديسة فِي لَيْلَةِ جَلَوْتِهَا، ضَحِكَتْ لِي، وَبَكَتْ، قَالَتْ: ضَمِّدَ لِي جُرْحِي الأَخْضَر، مَرِّرْ كَفَّيْكَ عَلَى عَيْنِيَّ، تَرْتَدُّ إِلَيَّ حَيَاتِي، وَأَقُومُ إِلَيْكَ، وَنَعْدُو، بِجَنَاحَيْ مَلْكَيْنِ، نَمْلَأُ سَلَّتِنَا بِثِمَارِ الغَيْمِ، وَنَأْكُلُ تُفَّاحَةَ آَدَمَ، كِي نَهْبُطُ فِي أَرْضٍ لَمْ تَخْلُقْ بَعْد!
أللَّيْلَةَ زَارَتْنِي مَايَا، أَخَذَتْنِي بِيَدِي، وَأرَتْنِي كُوخًا كُنَّا نَنْوِي أَنْ نَبْنِيَه عَلَى أَطْرَافِ الكَوْنِ.. أَرَتْنِي دَالِيَّةً، تَتَدَلَّى مِنْهَا أَحْلَامُ خَجْلى، نازفة بِرَحِيق الصهد!.
أللَّيْلَةَ زَارَتْنِي مَايَا... فَتَحْتْ لِي صُنْدُوقَ العُرْسِ المَخْبُوء بسابع حلم، خَلْفَ حُدُود اللاحد.. وَقَالَتْ: هَذَا فُسْتَانٌ مِنْ هَمْسِ حِكَايَاتٍ أَلَجِنَ حَاكَتُهُ فَرَاشَاتٌ عَذْرَاءَ، وَهَذِي قبلات فِي حِرْزٍ مَكْنُونٍ مِنْ وَرَقِ الوَرْدِ...
هَذَا قِنْدِيلٌ، سَيُضِيءُ وَإِنْ لَمْ تَمْسَسْهُ شِفَاهُ الوَجْدِ!.
هَذَا، مَكْتُوبٌ، لَمْ يُقْرَأُ، لَفَّتْهُ صَبَايَا مِنْ حَوْرِ عَيْنٍ دَاخِلَ زُوّادة قِدِّيسٍ، هَذَا حِضْنٌ، مِنْ رِيشِ عَصَافِيرِ الحُبِّ، وَهَذِي زفرات صَلَبَتْهَا غَيْبُوبَةُ وَعد!.
هَذَا، مشروب لم يعصر، بعد،
وهذا، منديل لاح كفجر دفنته جنيات شريرات في المَهْد!
الليلة زارتني مايا، نسجت من خيط الليل الهاذي طرحتها، ورمتني في بطن الحوت، لنعقد فرحتنا، في عتم البحر، ليشهد زفتنا حيتان وادعة.. في غيبوبة برد!
الليلة زارتني مايا
كانت، سبحان الملكوت الأعْلى، قنديلا من حَبق مَكْنونٍ، وَرحيقٍ مختوم، يَحْبسُه وَغْدْ!
(الدستور)