jo24_banner
jo24_banner

قانون البلديات.. وصفة حكومية بإمضاء نيابي؟!

د. رلى الحروب
جو 24 : خرج مشروع قانون البلديات من مجلس النواب متجها الى الأعيان تماما كما أرادته الحكومة، حتى التعديلات المحدودة التي أدخلتها اللجنة المشتركة وقيض لها أن تنجح كانت بموافقة الحكومة، بل إن المقترحات النيابية التي كانت تنجح تحت القبة كانت تلك التي توافق عليها الحكومة، ولا أدري كيف ستخرج حكومة بهذا المستوى من المركزية في الأداء قانونا للامركزية؟! وما هي حاجتها أصلا لقانون اللامركزية ولمزيد من الهياكل المنتخبة الجوفاء التي لا تقدم ولا تؤخر، إن كانت البلديات وهي المؤسسات الأهلية بحكم تعريف القانون لم تعد قادرة على اتخاذ أي قرار بدون موافقة الوزير ومشاركة المدير التنفيذي المعين؟!!!

وإن استثنينا نصرا محدودا أدخله مجلس النواب في المادة 70 من القانون، بعد موافقة رئيس الحكومة عليه، سمح للمجالس البلدية الحالية باستكمال مدتها كاملة ( أربع سنوات) دون احتساب المدة التي عملت فيها المجالس المعينة خلافا لأحكام المادة العاشرة التي اقرها المجلس ذاته، فإن باقي القانون لا يحمل للبلديات ورؤسائها أي أخبار سارة ما عدا أنه حصَن عقارات البلدية واموالها المنقولة المخصصة لتقديم خدمات من الحجز من قبل الدائنين، ونص على اقتطاع وتحويل 50% من قيمة الرسوم والضرائب المستوفاة عن المشتقات النفطية في المملكة لصالح البلديات!!!

الوزير في هذا القانون يحق له عزل رئيس المجلس البلدي أو المحلي وأي عضو في أي منهما إن ارتكب خطأ جسيما، وعلى المتضرر اللجوء الى المحكمة الادارية للتظلم، وهذا نص لا مثيل له في أي ديموقراطية، فالأصل أن العضو المنتخب والرئيس المنتخب لا يعزله الا من انتخبوه، فسلطة الانشاء هي ذاتها يفترض ان تكون سلطة الالغاء، وفي حالات محدودة يمكن للقضاء أن يصدر مثل هذا الحكم في حال ثبوت فساد اداري او مالي او سوء ادارة او اهمال او تقصير أو خطأ جسيم عبر دعوى استكملت مراحلها القضائية، أما أن يمنح القانون الوزير المعين سلطة عزل الرئيس المنتخب فهذا خرق لقواعد الديموقراطية والتمثيل الشعبي.

والوزير المعين هو الذي يوافق على سفر رئيس البلديات المنتخب لتمثيل البلدية في المؤتمرات او لا يوافق، وهو الذي يوافق على طلب إقامة تحالف بين بلديتين أو أكثر، أما المجالس المنتخبة فهي لا تملك من امرها شيئا، إلا بتفويض من الحاكم بأمر الله، والوزير ، وليس الهيئة المستقلة للانتخاب، هو الذي يسمي العضو الذي يشغل محل عضو مستقيل او فاقد للعضوية بالعودة الى المرشح الذي فاز باعلى الاصوات وما زال محتفظا بشروط العضوية متدرجا في البحث عن ذلك البديل، حتى إن لم يجد احدا، يعين هو من يشغل مكان ذلك العضو او الرئيس بدلا من اعادة الانتخاب في الدائرة.

والوزير يحق له تعيين عضوين في كل مجلس بلدي وعضو في كل مجلس خدمات مشترك، ويحق له التنسيب لمجلس الوزراء بتعيين ربع اعضاء مجلس امانة عمان وامين عمان، والوزير هو الذي يوافق على موازنة البلدية او يرفضها، وهو الذي ينسب بحل المجلس البلدي إلى أمد غير مسمى إن شاء مجلس الوزراء بحكم المادة العاشرة من مشروع القانون، وهو الذي يعين المدير التنفيذي الذي تولى كثيرا من صلاحيات الرئيس التي كانت ممنوحة له بموجب قانون 2007، وبعض الصلاحيات التي كانت قائمة في قانون 2011، والحمد لله أن المجلس أعاد لسكان المنطقة البلدية حقهم في المطالبة باستحداث بلدية او ضمها او دمجها بعدما كانت اللجنة النيابية قد شطبت هذا الحق وحصرته بالوزير ومجلس الوزراء !!

اما الخطأ الفادح الذي ارتكبه مجلس النواب والذي قد يتسبب في تشجيع مزوري الانتخابات والمتلاعبين بها والمؤثرين في مجراها فهي ان مجلس النواب قد قام بتخفيض العقوبة على الجرائم الانتخابية من مثل حمل السلاح الناري بشكل يمثل خطرا في مراكز الاقتراع أو ادعاء الامية او انتحال شخصية او اسم الغير بقصد الاقتراع او الانتخاب اكثر من مرة او العبث بصناديق الاقتراع او الجداول الانتخابية او اوراق الاقتراع او ايذاء رئيس الانتخاب او استعمال القوة والشدة والتهديد او الخطف والحجز والاحتيال او استعمال الاكراه او الاغراء لحمل شخص على ارتكاب جريمة، حيث خفض المجلس مدة الحبس من سنة الى ستة أشهر بحدها الادنى ووضع حدا أعلى سنتين بعد ان كان نص الحكومة الحبس سنة بالحد الادنى ، كما جعل للقاضي خيارا بالحبس او الغرامة أو كليهما بعد ان كان نص الحكومة هو الحبس والغرامة، ولكنه رفع قيمة الغرامة ، وهو ما يخدم خزينة المحكمة، ولكنه لا يخدم نزاهة العملية الانتخابية!!

اما النص الذي استغرق جدلا يقارب الساعتين الا ربعا تحت القبة فهو المؤهل العلمي لرؤساء البلديات وأعضاء المجالس البلدية، وانتهى بازدواجية عجيبة، فقد أبقى المجلس في تصويته على المؤهل العلمي لرؤساء البلديات كما ورد من الحكومة ( شهادة جامعية اولى لرؤساء البلديات من الفئتين الاولى والثانية، وشهادة الثانوية العامة لرؤساء البلديات من الفئة الثالثة)، وألغى في الوقت ذاته المؤهل العلمي لأعضاء المجلس البلدي خلافا لاقتراح الحكومة، وهذا تناقض مع الذات، فلو كان المجلس قد انتصر للحريات العامة وحقوق الإنسان لكان قد ألغى المؤهل عن كل من الرئيس والأعضاء واكتفى على سبيل القياس بالقيود التي أوردها الدستور فيمن يترشح لعضوية مجلس الامة في المادة 75، ولو كان قد انتصر للكفاءة لأبقى المؤهلات للرئيس والاعضاء، علما بان قرارات المجلس البلدي تتخذها الاكثرية وليس الرئيس الذي يرجح صوته القرار فقط في حال تساوي الاصوات، وهي واحدة من المواد التي سيعيدها الأعيان الى المجلس إن صح حدسي لعدم انسجام أحكامها، وأسجل هنا أنني صوتت لصالح الغاء المؤهل العلمي للرئيس والاعضاء عملا بالمعايير الحقوقية العالمية، حتى وإن كانت وجهة النظر الأخرى لها مبرراتها الموضوعية أيضا.

استثناء اهل العقبة والبتراء من حقهم في مجلس بلدي منتخب استمر في هذا القانون ولم ننجح في الغاء هذا الاستثناء بسبب وجود قوانين خاصة بالعقبة والبتراء تقيد هذا القانون، والناخبون يذهبون لانتخاب اعضاء المجلس المحلي ولا يعلمون ايهم سيكون الرئيس لانهم لا ينتخبونه مباشرة وانما يعلن الفائز باعلى الاصوات رئيسا، هذا ولم يحمل القانون اخبارا سارة للنساء أيضا، فنسبة الـ 25% لم ترتفع لـ 30% كما أملنا، وتم الغاء المقعد المخصص للنساء في المجالس المحلية في حال لم تترشح اي سيدة في منطقة البلدية.

هذا غيض من فيض، والخلاصة أن هذا القانون قد يكون تنظيميا من وجهة نظر الحكومة، ولكنه مقيد لإرادة المجالس المنتخبة والناخبين من وجهة نظر ديموقراطية، وإن كانت البلديات المستقرة منذ زمن بعيد في نظامنا السياسي تعاني من روح المركزية المفرطة هذه، فكيف لنا أن نقتنع بأن هذه الحكومة مؤهلة للإتيان بقانون ديموقراطي للحكم المحلي اللامركزي؟!!
تابعو الأردن 24 على google news