أطفال فلسطين.. زينتها وصمودها
جو 24 : بثينة حمدان- ببساطة، لم تدرج منظمة الأمم المتحدة جيش الاحتلال الاسرائيلي ضمن قائمة الدول التي ترتكب انتهاكات ضد الأطفال في مناطق النزاعات المسلحة، فسقط قرار الرفض مظلياً من السماء على أرض فلسطين من دون أن يجد له مكاناً في بلد مملوء بالانتهاكات الاسرائيلية، وذلك رغم توصية الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالأطفال والنزاعات المسلحة ليلى زروقي، بضرورة إدراجه في لائحة قتلة الأطفال الفلسطينيين واعتداءاته حتى على المدارس.
مهما حاول الفلسطينيون الابتعاد بأطفالهم عن كل ما له علاقة بالاحتلال، إلا أنه واقع وموجود. فحين تعود ابنتي سلمى (4 سنوات) من الروضة لتقول لي مستهجنة: «صاحبتي تالة راحت على البحر عند الاسرائيليين! صح الاسرائيليون بوقفونا عالحاجز وبزهقونا».
لم أحدث ابنتي عن الاحتلال، ولا أحب أن ترى صوراً مزعجة، في محاولة شاقة لتنمو بشكل سليم، لكننا بعد يوم رحلة طويل وقفنا على الحاجز، وهي كانت تسأل ونحن نوضح لها الأسباب. بل وتعلمت مقاطعة البضائع الاسرائيلية.
القصة تصبح معقدة حين أشرح لها أن صديقتها ذهبت إلى بحر يافا وليس إلى الاسرائيليين.
الخوف من أصوات العسكر
وفي قرية النبي صالح التي تتعرض يومياً لاقتحام الجنود لها ليل نهار، وتظاهرات يومية وأسبوعية من السكان، حدثتني منال التميمي كيف حاول اهل البلدة وخاصة في اوقات التظاهرات، حماية الأطفال بوضعهم في أحد المنازل بعيداً عن الاشتباك مع الجنود، لكن مع الوقت صار ينتاب الأطفال الخوف من الأصوات التي يسمعونها، خاصة وأن الاسرائيليين يتعمدون ضرب كل بيوت القرية بالقنابل الصوتية وقنابل الغاز واقتحام المنازل، مما حمل أهالي القرية على اتخاذ قرارا بإشراك الأطفال في فعاليات القرية السلمية.. كي يتعلموا الشجاعة، بدلاً من الخوف والاختباء. معادلة صعبة وقاسية، لكنها نتيجة حتمية لوضع غير منطقي.
زينة تحلم بألا تكبر!
زينة (12 عاماً) تعيش في رأس العامود بالقدس، كانت تبلغ اثني عشر يوماً حين اعتقل والدها مجد أبو المنتصر، حكم عليه بواحد وعشرين عاماً. من شرفة منزلها أشارت إلى البيوت التي استولى عليها المستوطنون وكيف حاول والدها والكثير من أهالي الحي التصدي لهم، لكن النتيجة أن اعتقل المعتصمون وبنيت المستوطنة. كانت زينة تفهم كل هذا، وحين يداهمها الحنين لوالدها تقلب رسائله لها، وتتأمل صورتها الوحيدة معه في أولى ساعات ولادتها.
لقد تعلمت زينة العزف على العود، وهي تعلم جيداً أن والدها يحب الاستماع إلى الموسيقى، وتتذكره كلما عزفت. وحين تلقي برأسها على وسادة النوم تمر أمامها مشاهد عديدة تحاول تركيبها فتكون هي ووالدها في المشهد معاً، ومشاهد زيارته في السجن في غرفة معزولة عن الأسير، ولا يتاح لها سماع صوته إلا عبر هاتف.
ولديها أيضاً صور عيد ميلاده الذي تحييه هي وأمها وأعمامها في غيابه، ولوحة رسمتها زينة وهي في الرابعة من عمرها، تظهر فيها زرافة وبجانبها سجن، فالزرافة برقبتها الطويلة -بنظر الصغيرة- تستطيع أن تطل على السجن وتطمئنها على والدها.
تقول زينة إنها لا تتمنى أن تكبر مثل جميع الأطفال، وذلك كي يتسنى لها أن تعيش لحظة واحدة يحملها فيها والدها ويلاعبها لأنها لم تشعر بهذا على الاطلاق.
تيمة فتيحة (13 عاماً) تعيش في قرية سلوان، قضاء القدس، تشير إلى أن المنازل العلوية في حي البستان هي للمستوطنين قاموا بالاستيلاء عليها، والسفلية ما زالت للمواطنين المقدسيين. تسير بين البيوت وتتعرض لمضايقات المستوطنين، فمرة وهي عائدة من الدكان القريب من منزلها أصيبت بحجر المستوطنين. في الحي توجد خيمة اعتصام دائمة ضد قرارات الاستيطان، فكل بيوت الحي مهددة بالهدم، لأن سلطات الاحتلال ترغب ببناء حدائق دينية.
وتقول أن هجمات المستوطنين كثيرة وشملت حتى مسجد عين سوان في شهر رمضان وأنهم يحملون أسلحتهم، بينما يحمل أهالي الحي الحجارة للدفاع عن أنفسهم.
بلغة أغاني راب
تستطيع تيمة أن تعبر عن كل هذا وأن تقودك في جولة سياسية عن المكان وكل ما يحدث فيه تحت الاحتلال، بل وأن تقول كل هذا بلغة أغاني راب، فهي فنانة في فرقة راب فلسطينية مكونة من سبعة أطفال، يستعدون لإطلاق ألبومهم الأول.
عمل الأطفال تحت الاحتلال.. {طبيعي»
أراهم عند إشارات المرور يبيعون المحارم أو اللبان أو التوفي. مشهد يتكرر في فلسطين ودول العالم النامي عموماً، لكن العمل هنا ضرورة لكسب لقمة العيش، حيث تزداد عمالة الأطفال في مخيمات اللاجئين، وكلما ازدادت نسبة الفقر، وفي العائلات التي فقدت معيلها شهيداً أو أسيراً أو جريحاً. أحياناً يقتصر عمل الأطفال في العطلة الصيفية وقد يستمر العمل طوال فترة ما بعد دوام المدرسة.
ومعظم آبائنا كانوا قد عملوا خلال فترة المدرسة، فقد نمت طفولتهم بعد الهجرة القسرية، في ظروف قاسية، وتشير الإحصاءات إلى وجود 65 ألف عامل من الفئة العمرية (7 -14 سنة) وأكثر من 102 ألف طفل يعملون دون سن الثامنة عشرة سنة في أعمال مختلفة، بدءا من الانتشار في الشوارع على المفترقات ووصولاً إلى الورش والمصانع والمنشآت الاقتصادية المختلفة.
أحلام أبناء القائد سعدات
كانت صمود تقلب رسائل والدها أحمد سعدات (63 عاماً) أمين عام الجبهة الشعبية والذي اعتقل على خلفية تبني الجبهة لقتل وزير السياحة الاسرائيلي، إلا أنه حكم عليه بالسجن ثلاثين عاماً لتهم أخرى تتعلق بانتمائه السياسي.
صمود لا تستطيع أن تفكر بمدة حكم والدها ولديها أمل أن يخرج في صفقة تبادل. وقالت إنها منذ صغرها كثيراً ما تتخيل والدها في سجن مظلم وحده، فتبكي، ولكن رسالة من أبيها تكفي لرفع معنوياتها إلى السماء، لا سيما حين يدعوها بأنها زهرة حياته.
لم يعش أي من أبناء سعدات فترة طبيعية مع والدهم الذي عاش معتقلاً أو مطارداً. صمود مثلاً ولدت عام 1986 وسميت بهذا الاسم لأن والدها صمد مئة يوم في المعتقل، وحين أفرج عنه بعد سنوات جاء المهنئون إلى البيت، وبعد مغادرتهم كانت صمود تسأل عن سبب بقاء هذا الرجل - والدها - في بيتهم.. الأمر الذي شكّل تحدياً لوالدها كي يتقرب منها بالبقاء وقتاً أطول معها يلاعبها ويحملها على ظهره.
الأسرى الأطفال
وقف أصدقاء الأسير خالد الشيخ (15 سنة) وأساتذته وعائلته معتصمين مطالبين بإطلاق سراحه وهو الذي اعتقل فترة انعقاد امتحانات نصف السنة الدراسية. وفي المحكمة شاهدته العائلة مكبل اليدين والقدمين رغم سنه الصغير وقد بدت على وجهه آثار الضرب. تأجلت محاكمته مرات عدة وضاعت السنة الدراسية والتهمة هي «إلقاء الحجارة»، فيما أرسل والده حسام الشيخ نداء استغاثة إلى العالم قلقاً على صحة ابنه، مطالباً بإطلاق سراحه والسماح له بالعلاج، كونه يعاني من فقر دم حاد وحرمان من الدواء، حتى أن العائلة ممنوعة من زيارة ابنها منذ اعتقاله في 25 ديسمبر الماضي.
أصبحت ملاك «الأسرى»
فجأة ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بقصة أسرها وهي ابنة الرابعة عشرة من عمرها، فيما كانت عائدة من مدرستها، وفي المحكمة بدت الجميلة أحلام شاحبة، تشعر بالبرد، حاولت والدتها إيصال معطف ليدفئها فلم تستطع. خارت قواها، انعدمت معاني الأبوة والأمومة، لم تستطيعا فعل شيء أمام قوة السجان الإسرائيلي.. إلى أن نطق الحكم بسجنها مدة شهرين مع غرامة مالية قيمتها ستة آلاف شيكل.
انهارت دموع الطفلة مكبلة اليدين والقدمين، تجمد المشهد ولم يكتمل باحتضان والديها الممنوعين من الاقتراب. بعد شهرين خرجت ملاك تركض من بوابة السجن لتجد عائلتها والكثير من المتضامنين معها، وعدسات الكاميرات ترى ماذا فعلت التجربة بأحلام؟ لقد أصبحت الطفلة بطلة ونجمة اللقاءات الصحافية. ورغم ضجيج الإعلام، فإنها ما زالت تقوم بهوايتها وهي قطف الزهور.
أطفال خلف القصف
تحت القصف وأزيز الرصاص والقذائف، تشاهد نورا من نافذة بيتها صور النيران وتغلق آذانها كي لا تسمع الانفجارات التي أخذت أصدقاءها وأقرباءها ومسحت مدرسة الموسيقى التي تتعلم فيها على آلة العود. نورا خسرت بيتها في نهاية القصف، عادت إلى المكان لتبحث عن ألعابها، تعيش في خيمة ريثما يجدون بيتاً من بيوت أموال «إعادة إعمار غزة».
تذهب إلى مدرستها بقلم ودفتر من التبرعات، تخاف الليل الذي يقتحمها بصور مرعبة، لا شيء يدفئها حتى والداها اللذان كانا لسنوات ميزان الأمان والاستقرار في حياتها، ولكن بعد هدم البيت لم يعودا كذلك، انضمت إلى آلاف المضطربين نفسياً والذين يحتاجون إلى دعم نفسي كي يستمروا.
الأطفال الشهداء
خلال العدوان الأخير على قطاع غزة كان %68 من الضحايا أطفالا، حيث قتلت قوات الاحتلال 547 طفلاً سقطوا خلال خمسين يوماً من العدوان. واعتبرت مؤسسات حقوق الطفل يوم 20 يوليو الأكثر دموية، حيث قتل 59 نصفهم من حي واحد هو الشجاعية. الناجون من الحرب يدفعون الثمن أيضاً، حيث يعاني ألف طفل من عجز دائم أو بتر أحد الأطراف، فها هو الطفل محمد بارود (12 عاماً) فقد قدميه، وقتل أحد عشر شخصاً من جيرانه، وهذا عدا ما يعانيه الأطفال والمجتمع بأسره في غزة من آثار نفسية.
القبس
مهما حاول الفلسطينيون الابتعاد بأطفالهم عن كل ما له علاقة بالاحتلال، إلا أنه واقع وموجود. فحين تعود ابنتي سلمى (4 سنوات) من الروضة لتقول لي مستهجنة: «صاحبتي تالة راحت على البحر عند الاسرائيليين! صح الاسرائيليون بوقفونا عالحاجز وبزهقونا».
لم أحدث ابنتي عن الاحتلال، ولا أحب أن ترى صوراً مزعجة، في محاولة شاقة لتنمو بشكل سليم، لكننا بعد يوم رحلة طويل وقفنا على الحاجز، وهي كانت تسأل ونحن نوضح لها الأسباب. بل وتعلمت مقاطعة البضائع الاسرائيلية.
القصة تصبح معقدة حين أشرح لها أن صديقتها ذهبت إلى بحر يافا وليس إلى الاسرائيليين.
الخوف من أصوات العسكر
وفي قرية النبي صالح التي تتعرض يومياً لاقتحام الجنود لها ليل نهار، وتظاهرات يومية وأسبوعية من السكان، حدثتني منال التميمي كيف حاول اهل البلدة وخاصة في اوقات التظاهرات، حماية الأطفال بوضعهم في أحد المنازل بعيداً عن الاشتباك مع الجنود، لكن مع الوقت صار ينتاب الأطفال الخوف من الأصوات التي يسمعونها، خاصة وأن الاسرائيليين يتعمدون ضرب كل بيوت القرية بالقنابل الصوتية وقنابل الغاز واقتحام المنازل، مما حمل أهالي القرية على اتخاذ قرارا بإشراك الأطفال في فعاليات القرية السلمية.. كي يتعلموا الشجاعة، بدلاً من الخوف والاختباء. معادلة صعبة وقاسية، لكنها نتيجة حتمية لوضع غير منطقي.
زينة تحلم بألا تكبر!
زينة (12 عاماً) تعيش في رأس العامود بالقدس، كانت تبلغ اثني عشر يوماً حين اعتقل والدها مجد أبو المنتصر، حكم عليه بواحد وعشرين عاماً. من شرفة منزلها أشارت إلى البيوت التي استولى عليها المستوطنون وكيف حاول والدها والكثير من أهالي الحي التصدي لهم، لكن النتيجة أن اعتقل المعتصمون وبنيت المستوطنة. كانت زينة تفهم كل هذا، وحين يداهمها الحنين لوالدها تقلب رسائله لها، وتتأمل صورتها الوحيدة معه في أولى ساعات ولادتها.
لقد تعلمت زينة العزف على العود، وهي تعلم جيداً أن والدها يحب الاستماع إلى الموسيقى، وتتذكره كلما عزفت. وحين تلقي برأسها على وسادة النوم تمر أمامها مشاهد عديدة تحاول تركيبها فتكون هي ووالدها في المشهد معاً، ومشاهد زيارته في السجن في غرفة معزولة عن الأسير، ولا يتاح لها سماع صوته إلا عبر هاتف.
ولديها أيضاً صور عيد ميلاده الذي تحييه هي وأمها وأعمامها في غيابه، ولوحة رسمتها زينة وهي في الرابعة من عمرها، تظهر فيها زرافة وبجانبها سجن، فالزرافة برقبتها الطويلة -بنظر الصغيرة- تستطيع أن تطل على السجن وتطمئنها على والدها.
تقول زينة إنها لا تتمنى أن تكبر مثل جميع الأطفال، وذلك كي يتسنى لها أن تعيش لحظة واحدة يحملها فيها والدها ويلاعبها لأنها لم تشعر بهذا على الاطلاق.
تيمة فتيحة (13 عاماً) تعيش في قرية سلوان، قضاء القدس، تشير إلى أن المنازل العلوية في حي البستان هي للمستوطنين قاموا بالاستيلاء عليها، والسفلية ما زالت للمواطنين المقدسيين. تسير بين البيوت وتتعرض لمضايقات المستوطنين، فمرة وهي عائدة من الدكان القريب من منزلها أصيبت بحجر المستوطنين. في الحي توجد خيمة اعتصام دائمة ضد قرارات الاستيطان، فكل بيوت الحي مهددة بالهدم، لأن سلطات الاحتلال ترغب ببناء حدائق دينية.
وتقول أن هجمات المستوطنين كثيرة وشملت حتى مسجد عين سوان في شهر رمضان وأنهم يحملون أسلحتهم، بينما يحمل أهالي الحي الحجارة للدفاع عن أنفسهم.
بلغة أغاني راب
تستطيع تيمة أن تعبر عن كل هذا وأن تقودك في جولة سياسية عن المكان وكل ما يحدث فيه تحت الاحتلال، بل وأن تقول كل هذا بلغة أغاني راب، فهي فنانة في فرقة راب فلسطينية مكونة من سبعة أطفال، يستعدون لإطلاق ألبومهم الأول.
عمل الأطفال تحت الاحتلال.. {طبيعي»
أراهم عند إشارات المرور يبيعون المحارم أو اللبان أو التوفي. مشهد يتكرر في فلسطين ودول العالم النامي عموماً، لكن العمل هنا ضرورة لكسب لقمة العيش، حيث تزداد عمالة الأطفال في مخيمات اللاجئين، وكلما ازدادت نسبة الفقر، وفي العائلات التي فقدت معيلها شهيداً أو أسيراً أو جريحاً. أحياناً يقتصر عمل الأطفال في العطلة الصيفية وقد يستمر العمل طوال فترة ما بعد دوام المدرسة.
ومعظم آبائنا كانوا قد عملوا خلال فترة المدرسة، فقد نمت طفولتهم بعد الهجرة القسرية، في ظروف قاسية، وتشير الإحصاءات إلى وجود 65 ألف عامل من الفئة العمرية (7 -14 سنة) وأكثر من 102 ألف طفل يعملون دون سن الثامنة عشرة سنة في أعمال مختلفة، بدءا من الانتشار في الشوارع على المفترقات ووصولاً إلى الورش والمصانع والمنشآت الاقتصادية المختلفة.
أحلام أبناء القائد سعدات
كانت صمود تقلب رسائل والدها أحمد سعدات (63 عاماً) أمين عام الجبهة الشعبية والذي اعتقل على خلفية تبني الجبهة لقتل وزير السياحة الاسرائيلي، إلا أنه حكم عليه بالسجن ثلاثين عاماً لتهم أخرى تتعلق بانتمائه السياسي.
صمود لا تستطيع أن تفكر بمدة حكم والدها ولديها أمل أن يخرج في صفقة تبادل. وقالت إنها منذ صغرها كثيراً ما تتخيل والدها في سجن مظلم وحده، فتبكي، ولكن رسالة من أبيها تكفي لرفع معنوياتها إلى السماء، لا سيما حين يدعوها بأنها زهرة حياته.
لم يعش أي من أبناء سعدات فترة طبيعية مع والدهم الذي عاش معتقلاً أو مطارداً. صمود مثلاً ولدت عام 1986 وسميت بهذا الاسم لأن والدها صمد مئة يوم في المعتقل، وحين أفرج عنه بعد سنوات جاء المهنئون إلى البيت، وبعد مغادرتهم كانت صمود تسأل عن سبب بقاء هذا الرجل - والدها - في بيتهم.. الأمر الذي شكّل تحدياً لوالدها كي يتقرب منها بالبقاء وقتاً أطول معها يلاعبها ويحملها على ظهره.
الأسرى الأطفال
وقف أصدقاء الأسير خالد الشيخ (15 سنة) وأساتذته وعائلته معتصمين مطالبين بإطلاق سراحه وهو الذي اعتقل فترة انعقاد امتحانات نصف السنة الدراسية. وفي المحكمة شاهدته العائلة مكبل اليدين والقدمين رغم سنه الصغير وقد بدت على وجهه آثار الضرب. تأجلت محاكمته مرات عدة وضاعت السنة الدراسية والتهمة هي «إلقاء الحجارة»، فيما أرسل والده حسام الشيخ نداء استغاثة إلى العالم قلقاً على صحة ابنه، مطالباً بإطلاق سراحه والسماح له بالعلاج، كونه يعاني من فقر دم حاد وحرمان من الدواء، حتى أن العائلة ممنوعة من زيارة ابنها منذ اعتقاله في 25 ديسمبر الماضي.
أصبحت ملاك «الأسرى»
فجأة ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بقصة أسرها وهي ابنة الرابعة عشرة من عمرها، فيما كانت عائدة من مدرستها، وفي المحكمة بدت الجميلة أحلام شاحبة، تشعر بالبرد، حاولت والدتها إيصال معطف ليدفئها فلم تستطع. خارت قواها، انعدمت معاني الأبوة والأمومة، لم تستطيعا فعل شيء أمام قوة السجان الإسرائيلي.. إلى أن نطق الحكم بسجنها مدة شهرين مع غرامة مالية قيمتها ستة آلاف شيكل.
انهارت دموع الطفلة مكبلة اليدين والقدمين، تجمد المشهد ولم يكتمل باحتضان والديها الممنوعين من الاقتراب. بعد شهرين خرجت ملاك تركض من بوابة السجن لتجد عائلتها والكثير من المتضامنين معها، وعدسات الكاميرات ترى ماذا فعلت التجربة بأحلام؟ لقد أصبحت الطفلة بطلة ونجمة اللقاءات الصحافية. ورغم ضجيج الإعلام، فإنها ما زالت تقوم بهوايتها وهي قطف الزهور.
أطفال خلف القصف
تحت القصف وأزيز الرصاص والقذائف، تشاهد نورا من نافذة بيتها صور النيران وتغلق آذانها كي لا تسمع الانفجارات التي أخذت أصدقاءها وأقرباءها ومسحت مدرسة الموسيقى التي تتعلم فيها على آلة العود. نورا خسرت بيتها في نهاية القصف، عادت إلى المكان لتبحث عن ألعابها، تعيش في خيمة ريثما يجدون بيتاً من بيوت أموال «إعادة إعمار غزة».
تذهب إلى مدرستها بقلم ودفتر من التبرعات، تخاف الليل الذي يقتحمها بصور مرعبة، لا شيء يدفئها حتى والداها اللذان كانا لسنوات ميزان الأمان والاستقرار في حياتها، ولكن بعد هدم البيت لم يعودا كذلك، انضمت إلى آلاف المضطربين نفسياً والذين يحتاجون إلى دعم نفسي كي يستمروا.
الأطفال الشهداء
خلال العدوان الأخير على قطاع غزة كان %68 من الضحايا أطفالا، حيث قتلت قوات الاحتلال 547 طفلاً سقطوا خلال خمسين يوماً من العدوان. واعتبرت مؤسسات حقوق الطفل يوم 20 يوليو الأكثر دموية، حيث قتل 59 نصفهم من حي واحد هو الشجاعية. الناجون من الحرب يدفعون الثمن أيضاً، حيث يعاني ألف طفل من عجز دائم أو بتر أحد الأطراف، فها هو الطفل محمد بارود (12 عاماً) فقد قدميه، وقتل أحد عشر شخصاً من جيرانه، وهذا عدا ما يعانيه الأطفال والمجتمع بأسره في غزة من آثار نفسية.
القبس