ينتفضون لفيلم سيئ
يسلم الناس بأن المقاطع التي عرضت على اليوتيوب لفيلم "براءة المسلمين" سيئة ورديئة، وحتى الآن لم يعرف كاتب سيناريو الفيلم الذي تقع نسخته الأصلية على ساعتين، رغم أن "راديو سوا" أجرى مقابلة مع شخص يتكلم العربية باللهجة المصرية ادعى أنه كاتب السيناريو رافضاً الإفصاح عن اسمه أو مكان إقامته، وتنصل الفنانون المغمورون من الفيلم وقالوا بأنهم "ضللوا" وإن النص الأصلي لم يكن مثل الذي عرض!.
ما يحير ويقلق.. لماذا يثير فيلم رديء نصاً وإخراجاً وإنتاجاً هذا العنف والتوتر ويخطف الأضواء عن كل الأحداث الأساسية، ويصبح مادة أساسية للانتخابات الأميركية، ونقطة للمزايدة في العالم العربي والدول الإسلامية؟.
حقوقيا علينا أن نشير بأن الشرعة الدولية لحقوق الإنسان تدين الحض على الكراهية والعنصرية، وعلى هذا الأساس نبني موقفنا من هذا الفيلم، ومن كل فيلم أو عمل يحاول إذكاء الكراهية بين الناس والأديان.
ومن المهم التأكيد، والتذكير، بأن منظومة القوانين والقيم وخاصة ما يتعلق بحرية التعبير في أميركا والغرب مختلفة تماماً عن العالم العربي والإسلامي، وواهم كل من يعتقد بأن الرئيس الأميركي أوباما أو حكومته يستطيع أن يمنع أياً كان من إنتاج فيلم مسيء، وكل ما يمكن أن فعله أن تذهب إلى القضاء لمساءلة من ترى أنه أساء لك أو لمشاعرك الدينية، أو أن تتظاهر سلمياً لتعبر عن موقفك مما يتسبب في بث الكراهية والتعصب ضدك وضد الدين الذي تؤمن به.
ما حدث منذ بث هذا الفيلم المسيء في العالم العربي ليس انتصاراً للإسلام، بل عمل معاد لقيم التسامح، فأي ذنب يبرر قتل السفير الأميركي في بنغازي والدبلوماسيين الآخرين، ولماذا تقتحم وتنهب سفارة أميركا في صنعاء، ولماذا تهاجم سفارة الولايات المتحدة في القاهرة ويسقط خلال العنف كل هؤلاء المصابين، ولماذا تتحرك السلفية الجهادية في عمان الآن وتنادي باسم بن لادن؟!.
ظاهرة الانتفاضة الشعبية العربية بعد هذا الفيلم الذي لا يعرف به أحد، تحتاج إلى دراسة سياسية وسيكلوجية لإنسان عربي مقهور، يشاهد كل يوم المئات في سورية يقتلون ويبقى صامتا، ويرى بأم عينه الربيع العربي يختطف منه ولا يحرك ساكنا.
اليوم يعيد هذا الفيلم البائس عقارب الساعة إلى الوراء، وتخلط الأوراق، ويساهم في التعمية على الأحداث المفصلية ويدخلنا في الهوامش، وسأزعم أن هناك من يحاول الاستفادة من الفيلم لترتيب المنطقة من جديد!.
بعد الفيلم خرجت أعلام القاعدة في الكويت ودول أخرى، وعادت أجواء الاستقطاب التي سادت بعد أحداث سبتمبر 2001، وها هو المرشح الجمهوري رومني يقول "هناك ضرورة لاستعادة هيبة أميركا والدفاع عن سيادتها".
ويتعمق الشرخ الطائفي في مصر مثلاً، حيث تحاصر جماعات متطرفة بيوت عائلات قبطية لأنهم يزعمون بأن بعضهم عمل "Share" للفيلم على حسابه بالـ"فيسبوك".
ونتوقع بعد الفيلم أيضاً أن يراجع الغرب دعمه لثورات الربيع العربي، إذا كان جمهوره سيقول له بأن هذه الثورات أنتجت قوى سياسية متطرفة تستهدف سفاراتنا ومصالحنا وشعوبنا!.
والأهم أن الحماس لدعم التغيير والإصلاح في باقي بلدان العالم العربي سيتجمد، فالعالم الغربي لا يريد مفاجآت جديدة كالتي حدثت ضد السفارة الأميركية في بنغازي، ونظام يعرفه ويعرف ديكتاتوريته وشموليته، أفضل برأيه خدمة لمصالحه من نظام جديد حتى لو كان ديمقراطياً، ولكن يعاديه ويستهدف وجوده.
فيلم رديء لا يقدم شيئاً يعيدنا إلى المربع الأول، وهو الامتحان لجماعات الإسلام السياسي التي تولت مقاليد السلطة بعد الربيع العربي وخاصة في مصر وتونس، كيف ستدير المشهد، وما هو سلم الأولويات لديها؟!.
حزين على شعوب عربية يستفزها فيلم رديء فتنتفض بعنف في الاتجاه الخاطئ، وتصمت على كرامتها التي تنتهك يومياً!.
(الغد)