2024-07-30 - الثلاثاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

" انتفاضة السكاكين " منعطف نوعي وحاد في تاريخ المقاومة الفلسطينية

 انتفاضة السكاكين  منعطف نوعي وحاد في تاريخ المقاومة الفلسطينية
جو 24 : اخلاص القاضي - في سابقة نوعية بتاريخ المقاومة الفلسطينية انطلقت منذ قرابة الشهر "انتفاضة السكاكين" التي نجحت بشكل لافت في بث الرعب في قلوب الإسرائيليين والدولة العبرية, لتشكل تلك "الانتفاضة النوعية" منعطفا متواترا ومختلفا لمنظومة وتكتيك المقاومة الفلسطينية عبر استخدام "السلاح الأبيض" انتقاما من الاقتحامات الإسرائيلية المتكررة للمسجد الأقصى المبارك.

وتأتي تلك الطعنات التي تستهدف اليهود في الأماكن العامة رفضا للاحتلال وما خلفه من قتل ودمار وانتهاك للحقوق والمقدسات, ولتشكل بدورها و "حدتها" ضربة قاضية لمفهوم "استقرار إسرائيل" القائم على الاغتصاب والقضم.

وحتى وإن نفذت "انتفاضة السكاكين" عبر أفراد بدافع وطني مقاوم, إلا انها بدت في محصلتها عملا جماعيا قد يبدو منظما ضمنيا ليعكس الذاكرة الجمعية الرافضة بالمطلق للمحتل الاسرائيلي المغتصب وممارساته القمعية, الأمر الذي نجح بنشر نظرية الرعب, سيما وأن "السلاح الأبيض" متوفر ومتاح بكل بيت فيما إرادة المقاومة الفلسطينية تتصاعد يوما بعد آخر.

ويكمن الرعب الإسرائيلي من "سكاكين الفلسطينيين" بأنها "تطعن" دون سابق إنذار, ولا يمكن توقع توقيتها أو الفئة المستهدفة من اليهود منها, ولا يمكن التحذير منها "بصفارة إنذار" مثلا, على غرار طريقة تعاطي اسرائيل مع أي هجوم صاروخي عليها, الأمر الذي قاد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع موشيه يعالون إلى الاعتراف بصعوبة مواجهة هذه الضربات, وبأنها "تهديد حقيقي" لا تملك معه السلطات الاسرائيلية أي قدرة على صده أو استحداث أي استراتيجية او تكتيك لردع أي طعنات مستقبلية, حيث انعكس ذلك على انسحابهما المبطن من أي نية للتصعيد, أو التشجيع على أي اقتحام للاماكن المقدسة, ما يدل في حقيقة الأمر على نجاح "سياسة الطعن" في كبح جماح آلة القمع الاسرائيلية الى حد ما.

وإزاء الاعتراف الاسرائيلي بصعوبة مسلسل الطعنات الذي يبدو أنه طويل ومستمر وطال العديد من الاماكن العامة في فلسطين , ومع عجز الأمن الإسرائيلي عن السيطرة على الأوضاع الراهنة، ساءت الحالة النفسية للإسرائيليين بشكل غير مسبوق, وفقا لتقارير عدة نشرتها صحف اسرائيلية معترفة بلجوء الاسرائيليين الى الاختباء في المنازل, وسط موجات حادة من الاكتئاب, نتيجة فعل "مقاوم" متوقع في أي لحظة ضد المستوطنين وقوات الاحتلال , حيث اشارت تقارير صحفية إسرائيلية الى ان الانتفاضة الفلسطينية الحالية قد تكون الأقل من حيث قوتها بين الانتفاضات التي سبقتها لكنها خلقت وضعا جديدا, في ظل استعداد 3 أو 4 او 5 فلسطينيين في اليوم الواحد لحمل سكاكين وقتل اسرائيليين وتقبل فكرة الموت, الأمر الذي غيّر الوضع من جذوره وزرع الخوف في الشوارع والمواصلات العامة والمراكز التجارية وأدى إلى انتشار غير مسبوق للشرطة والجيش في الشوارع والأسواق, ما يشكل استنزافا أيضا للسلطات الأمنية التي من المفترض أنها على أهبة الاستعداد لمواجهة أي "طعنة جديدة".

ولعبت مواقع التواصل الاجتماعي الدور الأكبر في تصعيد مستويات الرعب في نفوس الإسرائيليين, حيث نقلت فيديوهات، عدة عمليات طعن متكررة, وكان أكثرها تأثيرا, فيديو لسيدة فلسطينية كانت تفتعل حوارا مع حارس إسرائيلي في عملية استدراج له ريثما تخرج "السكين" من حقيبة يدها وتقدم على طعنه في الوقت الذي فر هو منها, فيما تابعت هي لحاقه وطعنه, إلا أن رجال الأمن الإسرائيليين تمكنوا منها وقتلوها, في مشهد يلخص خوف الإسرائيلي من أي فلسطيني يتحرك على الأرض, حيث يعد كل واحد منهم بالنسبة للإسرائيليين المذعورين مشروع "طعنة" تستهدف إسرائيليا في تطور غير مسبوق لصور المقاومة.

وتعجز السلطات الاسرائيلية عن التعامل مع هذه الانتفاضة النوعية, وجل ما يمكن ان تقوم به هو احباط عملية الطعن للنهاية, بعد ان يكون الهدف قد اصيب ولو بجروح, ويأتي دور السلطات في قتل منفذ العملية ان استطاع ذلك, غير ان المصير المحتوم لمنفذي العملية - وهو الموت على ايدي السلطات - لم يشكل رادعا للغير ممن اقدموا على طعن يهود آخرين, فيما يشبه العملية الانتحارية التي يعرف منفذ الهجوم أنه لن ينجو منه, وهذه العقلية الفلسطينية الانتحارية - الجديدة نوعيا - ضاعفت من الرعب والخوف.

عوامل عدة أسهمت في تصاعد حالة المقاومة الفردية "الطعن بالسكاكين" رأسها الاحتلال بحد ذاته والاقتحامات المتكررة للأماكن المقدسة وانسداد أي أفق للسلام الحقيقي على أسس الشرعية الدولية, ناهيك عن الصمت الدولي عما يحدث في فلسطين والتغاضي عن الممارسات الاسرائيلية التعسفية بحق الشعب الفلسطيني.

ورغم كل ما يقال عن أي خطوات ما زالت رمزية لصالح الشعب الفلسطيني مثل نيل الدولة الفلسطينية الاعتراف الدولي ورفع العلم الفلسطيني على الأمم المتحدة، إلا أن تلك الأمور لم تغير من واقع الاحتلال وإجراءاته القمعية حتى تصاعدت حدة الاحتجاجات والمواجهات الفلسطينية تعبيرا عن حالة الغضب الشعبي العارم الذي وصل لغالبية مدن الضفة الغربية والقدس المحتلة والخط الأخضر في ظل واقع سياسي فلسطيني عاجز أيضا عن إيجاد أي حل لسياسة القمع الإسرائيلية ما يترك سيناريوهات تطورات الاوضاع مفتوحة على كل الاحتمالات.

بيد أن الأمر الجلي لغاية الآن هو أن "انتفاضة السكاكين" مستمرة وسط رعب إسرائيلي غير مسبوق, وعجز عن مواجهة الامر أو السيطرة عليه, وقد تمتد موجة الانتفاضة أو قد تخبو, ولكن لا نهاية لها – طالما بقي الاحتلال – حيث لا قدرة للإسرائيليين على توقع توقيت حدوثها خاصة أن الفلسطينيين في الضفة الغربية مازالوا يذهبون كعمال إلى الأراضي المحتلة وما زالت التجارة على حالها ولم يتغير شيء, الأمر الذي من المفترض ان يدفع بإسرائيل إلى إعادة النظر بعملية السلام برمتها والعودة الى طاولة المفاوضات واحقاق الحقوق الفلسطينية على أساس الشرعية الدولية والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على ترابه الوطني وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
تابعو الأردن 24 على google news