ما بعد هجمات باريس ليس كما قبلها
ياسر الزعاترة
جو 24 : من الصعب القول إن هجمات باريس هي نسخة فرنسية من 11 سبتمبر، فلا الهجمات كانت بمستوى هجمات سبتمبر، ولا فرنسا بقوة الولايات المتحدة عام 2001، لكن المؤكد أن الكثير من التداعيات ستترتب على الهجمات التي كان لها دوي هائل ترددت أصداؤه في كل أرجاء الأرض.
كانت الولايات المتحدة التي ضربها تنظيم القاعدة في 11 سبتمبر هي عدوه الأبرز، وهي «رأس الكفر» بحسب أدبياته، بل في قاموس الغالبية الساحقة من المسلمين، بخاصة في تلك الأثناء، لكن فرنسا ليست كذلك، حتى بالنسبة لتنظيم الدولة ذاته. وإذا قيل إن الهجمات كانت ردا على مشاركة فرنسا في التحالف الدولة ضد التنظيم أو الدولة، فإن واقع الحال أن مشاركتها كانت هامشية، تماما مثل مشاركة معظم الدول باستثناء الولايات المتحدة (وروسيا لاحقا) التي تتكفل بالجزء الأكبر من نشاط التحالف، فضلا عن قيادته.
واقع الحال أن ما دفع تنظيم الدولة نحو استهداف فرنسا لا يتعلق بحضورها في التحالف الدولي، بل بالقدرة على تنفيذ عملية متميزة داخل أراضيها، ولو ملك التنظيم قدرة على تنفيذ هجمات من هذا النوع في الولايات المتحدة لفضل ذلك بكل تأكيد، لكن الأخيرة دفعت عشرات المليارات منذ 2001 ولغاية الآن من أجل الحيلولة دون ذلك، وكل المحاولات التي بذلها تنظيم القاعدة منذ ذلك التاريخ لتنفيذ هجمات باءت بالفشل.
بالنسبة إلينا، يتعلق الرفض للهجمات ، بالقضية المبدأية المتعلقة برفض قتل مدنيين غير محاربين من قبل أناس يعيشون أكثرهم في البلد ويحملون جنسيته، وقد اعتبر أسامة بن لادن في رسائله (وثائق أبوت أباد) أن تنفيذ عملية من قبل شاب يحمل الجنسية الأمريكية (شاهزاد) ، وأقسم قسم الولاء لأمريكا «غدرا»، مضيفا أن «الغدر في ديننا لا يجوز»، لكن تنظيم الدولة له مرجعيته الفقهية التي ترى ذلك جائزا كرد على عدوان يطال بدوره أطفالا ونساءً، حتى لو قيل إن ذلك ليس مقصودا.
في البعد السياسي، ومن زاوية مصالح التنظيم ذاته، يمكن القول إن الهجمات خاطئة تبعا لكونها ستضاعف من الحملة الدولية ضده، وهنا يرد أنصاره بأن ذلك واقع في كل الأحوال، لكن الحقيقة أن تقليل الأعداء هو جزء من أدوات الحروب والسياسة، أما قصة الاستدراج للتدخل البري والإثخان في العدو، فلا تصلح مع من يقولون إنهم دولة، وإن صلحت سابقا في حالة تنظيم مثل القاعدة الذي كان يرى أن استدراج أمريكا لأجل استنزافها وإضعافها هو هدف بحد ذاته.
الآن يمكن القول إن تدخلا بريا ما لم يعد مستبعدا، ولو على نحو محدود بالتعاون مع قوىً على الأرض، ربما تكرارا لتجربة الصحوات في العراق، لكن إشكالية ذلك تتعلق بالثمن والقناعة، وهنا تنهض مشكلة الحل في سوريا والعراق، ودور الروس في إنجاز ذلك.
يأتي هنا البعد الأهم في هجمات باريس ممثلا في إمكانية أن يدفع نحو تسوية أسرع للملفات العالقة في المنطقة، بقوة دفع روسية غربية، وربما عربية تركية إذا كان العرض معقولا، وإذا ما ذهب بوتين الخائف من كلفة التورط وطول الحرب في هذا الاتجاه، فلن تملك إيران غير تجرع كأس السم، والقبول بالتسوية، ولا شك أن قدرة السعودية وتركيا وقطر، كداعمين للثورة على عقد تسوية مع روسيا تبدو أفضل منها في حالة إيران، لكن الأخيرة تبقى الطرف الأهم وليس روسيا في نهاية المطاف.
هذا في البعد السياسي الأشمل، لكن هجمات باريس ستترك آثارا أخرى لا يمكن تجاهلها، يتعلق بعضها بوضع الجاليات المسلمة في الغرب التي ستتأثر، بخاصة في فرنسا بالهجمات، وهنا يمكن استدعاء أجواء ما بعد 11 سبتمبر، والتي شملت العالم أجمع، من حيث حركة الأموال والعمل الخيري، ومن حيث الهجمة على المناهج والأفكار، بخاصة أن في الدول العربية أناس جاهزون لربط الهجمات بالأفكار، في منطق سقيم لا علاقة له بالواقع الذي يؤكد أن العنف ليس نتاج الأفكار، وإن توسلتها في الترويج والحشد، بل نتاج ظروف موضوعية لا يتوقف إلا بزوالها، وهنا في الوضع الراهن، يتعلق الأمر بظروف موضوعية في سوريا والعراق واليمن، أو بعدوان إيران على غالبية الأمة إذا شئنا دقة التعبير.
(الدستور)
كانت الولايات المتحدة التي ضربها تنظيم القاعدة في 11 سبتمبر هي عدوه الأبرز، وهي «رأس الكفر» بحسب أدبياته، بل في قاموس الغالبية الساحقة من المسلمين، بخاصة في تلك الأثناء، لكن فرنسا ليست كذلك، حتى بالنسبة لتنظيم الدولة ذاته. وإذا قيل إن الهجمات كانت ردا على مشاركة فرنسا في التحالف الدولة ضد التنظيم أو الدولة، فإن واقع الحال أن مشاركتها كانت هامشية، تماما مثل مشاركة معظم الدول باستثناء الولايات المتحدة (وروسيا لاحقا) التي تتكفل بالجزء الأكبر من نشاط التحالف، فضلا عن قيادته.
واقع الحال أن ما دفع تنظيم الدولة نحو استهداف فرنسا لا يتعلق بحضورها في التحالف الدولي، بل بالقدرة على تنفيذ عملية متميزة داخل أراضيها، ولو ملك التنظيم قدرة على تنفيذ هجمات من هذا النوع في الولايات المتحدة لفضل ذلك بكل تأكيد، لكن الأخيرة دفعت عشرات المليارات منذ 2001 ولغاية الآن من أجل الحيلولة دون ذلك، وكل المحاولات التي بذلها تنظيم القاعدة منذ ذلك التاريخ لتنفيذ هجمات باءت بالفشل.
بالنسبة إلينا، يتعلق الرفض للهجمات ، بالقضية المبدأية المتعلقة برفض قتل مدنيين غير محاربين من قبل أناس يعيشون أكثرهم في البلد ويحملون جنسيته، وقد اعتبر أسامة بن لادن في رسائله (وثائق أبوت أباد) أن تنفيذ عملية من قبل شاب يحمل الجنسية الأمريكية (شاهزاد) ، وأقسم قسم الولاء لأمريكا «غدرا»، مضيفا أن «الغدر في ديننا لا يجوز»، لكن تنظيم الدولة له مرجعيته الفقهية التي ترى ذلك جائزا كرد على عدوان يطال بدوره أطفالا ونساءً، حتى لو قيل إن ذلك ليس مقصودا.
في البعد السياسي، ومن زاوية مصالح التنظيم ذاته، يمكن القول إن الهجمات خاطئة تبعا لكونها ستضاعف من الحملة الدولية ضده، وهنا يرد أنصاره بأن ذلك واقع في كل الأحوال، لكن الحقيقة أن تقليل الأعداء هو جزء من أدوات الحروب والسياسة، أما قصة الاستدراج للتدخل البري والإثخان في العدو، فلا تصلح مع من يقولون إنهم دولة، وإن صلحت سابقا في حالة تنظيم مثل القاعدة الذي كان يرى أن استدراج أمريكا لأجل استنزافها وإضعافها هو هدف بحد ذاته.
الآن يمكن القول إن تدخلا بريا ما لم يعد مستبعدا، ولو على نحو محدود بالتعاون مع قوىً على الأرض، ربما تكرارا لتجربة الصحوات في العراق، لكن إشكالية ذلك تتعلق بالثمن والقناعة، وهنا تنهض مشكلة الحل في سوريا والعراق، ودور الروس في إنجاز ذلك.
يأتي هنا البعد الأهم في هجمات باريس ممثلا في إمكانية أن يدفع نحو تسوية أسرع للملفات العالقة في المنطقة، بقوة دفع روسية غربية، وربما عربية تركية إذا كان العرض معقولا، وإذا ما ذهب بوتين الخائف من كلفة التورط وطول الحرب في هذا الاتجاه، فلن تملك إيران غير تجرع كأس السم، والقبول بالتسوية، ولا شك أن قدرة السعودية وتركيا وقطر، كداعمين للثورة على عقد تسوية مع روسيا تبدو أفضل منها في حالة إيران، لكن الأخيرة تبقى الطرف الأهم وليس روسيا في نهاية المطاف.
هذا في البعد السياسي الأشمل، لكن هجمات باريس ستترك آثارا أخرى لا يمكن تجاهلها، يتعلق بعضها بوضع الجاليات المسلمة في الغرب التي ستتأثر، بخاصة في فرنسا بالهجمات، وهنا يمكن استدعاء أجواء ما بعد 11 سبتمبر، والتي شملت العالم أجمع، من حيث حركة الأموال والعمل الخيري، ومن حيث الهجمة على المناهج والأفكار، بخاصة أن في الدول العربية أناس جاهزون لربط الهجمات بالأفكار، في منطق سقيم لا علاقة له بالواقع الذي يؤكد أن العنف ليس نتاج الأفكار، وإن توسلتها في الترويج والحشد، بل نتاج ظروف موضوعية لا يتوقف إلا بزوالها، وهنا في الوضع الراهن، يتعلق الأمر بظروف موضوعية في سوريا والعراق واليمن، أو بعدوان إيران على غالبية الأمة إذا شئنا دقة التعبير.
(الدستور)