بيان من دائرة الافتاء حول الاحتفال بالمولد النبوي
اعادت دائرة الافتاء العامة نشر الفتوى المتعلقة بجواز الاحتفاء بذكرى المولد النبوي الشريف وكيفية الاحتفال به.
وكانت دائرة الافتاء اصدرت بيانا سابقا حول الاحتفاء بذكرى المولد النبوي، أكدت فيه على جواز الاحتفال بعيد المولد النبوي بإنشاد المدائح النبوية واكرام الحاضرين بالطعام والشراب مستدلة بأحاديث نبوية شريفة.
وتاليا نص البيان:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وبعد:
فبمناسبة المولد النبوي الشريف تتقدم دائرة الإفتاء العام بأسمى آيات التهنئة والتبريك لكل المسلمين على هذه البسيطة، وتسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعيد هذه الذكرى على أمتنا الإسلامية وهي ترفل بثوب العزة والمنعة، وتنعم بالأمن والاستقرار.
إن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف الذي هو اجتماع الناس، وقراءة ما تيسر من القرآن، ورواية سيرة النبي صلى الله عليه وسلّم، وإنشاد شيء من المدائح النبوية، ثم إكرام الحاضرين بالطعام أو الشراب من غير زيادة على ذلك سُنَّة حسنة؛ لأن فيه تعظيما وتوقيرا لقدر النبي صلى الله عليه وسلّم، وإظهارا للفرح والاستبشار بمولده الشريف، وهو من السُّنن التي أشار إليها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ) رواه مسلم. وقد دل على هذا الحكم أدلة كثيرة استند إليها العلماء في مشروعية الاحتفال بهذا اليوم العظيم، منها:
أولا: قوله تعالى: (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ) إبراهيم/5 أي: بنعم الله عليهم، كما فسره ابن عباس ومجاهد وقتادة. انظر "تفسير القرطبي" (9/341)، وولادة النبي صلى الله عليه وسلم هي النعمة العظمى والمنة الكبرى على العالم كله، لا يشك مسلم في ذلك، فالاحتفال بيوم المولد هو من باب الامتثال لأمر الله تعالى بتذكر نعمه وآلائه.
ثانيا: قوله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) يونس/58، قال ابن عباس رضي الله عنهما: (فضلُ الله): العلم، و(رحمتُه): محمد صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الأنبياء/107. انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (7/667)، والاحتفال بمولد سيد الخلق صلى الله عليه وسلم مظهر من مظاهر الفرح المأمور به.
ثالثا: عن أبى قتادة الأنصاري رضي الله عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الاثنين فقال: (ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ - أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ -) رواه مسلم.
فبيان النبي صلى الله عليه وسلم أن سبب صومه يوم الاثنين هو ولادته فيه دليل على أن يوم ولادته له مزية على بقية الأيام، والمسلم يحرص على زيادة الأجر والثواب في الأيام المباركة.
رابعا: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ وَجَدَهُمْ يَصُومُونَ يَوْمًا، يَعْنِي عَاشُورَاءَ، فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، وَهُوَ يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى، وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ، فَصَامَ مُوسَى شُكْرًا لِلَّهِ، فَقَالَ: (أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ) فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. رواه البخاري.
وجه الدلالة: أن شكر الله تعالى في يوم على نعمة منّ بها، أو نقمة دفعها، مع تكرار ذلك في كل عام أمر جائز شرعا، ومن أعظم الآلاء والنعم نعمة ظهور النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم.
ولا بد أن نذكِّرَ أنفسنا وإخوتنا المسلمين بضرورة التأسي بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم في أخلاقه وشمائله، فهو القدوة والقائد، من سار على نهجه نجا، ومن تنكَّب الطريق عن هديه هلك.