ما الذي يجمع بوتين مع دونالد ترامب؟
ياسر الزعاترة
جو 24 : في ذروة الهجوم الأميركي والغربي من مختلف الأوساط السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية على مرشح الرئاسة الأميركي دونالد ترامب، جاءه المديح الجميل من الرئيس الروسي بوتين، الذي اعتبره “المرّشح الأفضل دون منازع في السباق الرئاسي”. بوتين وصف ترامب بأنه “رجل لامع وموهوب من دون أدنى شك”، مضيفا: “لقد قال ترامب إنه يأمل بمستوى جديد من العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا، فكيف لا نرحب بهذا؟ أكيد سنرحب به”. ترامب بدوره رد التحية بمثلها، حيث قال، إن “تلقي مجاملات من رجل يحظى باحترام في وطنه، وفي الخارج أيضا هو دائما شرف كبير”، مضيفا، “عندي شعور دائم بأنه يجب على الولايات المتحدة وروسيا التعاون في مكافحة الإرهاب وإحلال السلام، ناهيك عن التجارة وغيرها من الفوائد التي نحصل عليها من الاحترام المتبادل”. كان بوسع بوتين أن يؤجل هذا المديح لترامب ريثما تنجلي ضجة الهجوم على تصريحاته المناهضة للمسلمين، وكان الأفضل أن يفعل ذلك إذا تم النظر إلى الأمر من الزوايا السياسية والدبلوماسية، لكن المشاعر الحقيقية ما لبثت أن فرضت نفسها هنا، فقال الرجل ما قال، مع العلم أننا نتحدث عن زعيم لديه 14 في المئة من سكان بلاده من المسلمين، ويستحقون منه أن يجاملهم، فلا يكيل المديح لرجل يهجوهم، فضلا عن فضائه الإسلامي في آسيا الوسطى، وحتى لو لم نضف إلى ذلك كله مشاعر مليار وربع المليار من المسلمين (تجاوزنا عن الشيعة الذي يراه أغلبهم حليفا عظيما تبعا للولي الفقيه في إيران، مع شديد الأسف بالطبع). نعم، كان بوسعه أن لا يفعل ذلك، لا سيما أن أحدا لا يقول: إن فرص ترامب في أن يغدو رئيسا كبيرة، حتى لو حصل على ترشيح الحزب الجمهوري، مع أن وجود تلك الفرصة لا تضطر بوتين إلى هذا الموقف المحرج، لكن واقع الحال أن مشاعره غلبته، ولم يكن بوسعه غير الاحتفال برجل التقى معه في مسألة أساسية هي الحرب على المسلمين، فضلا عن اللقاء في مواقف أخرى تتعلق بسوريا وما تسمى الحرب على الإرهاب. من الصعب على المحلل السياسي أن يتجاوز الأبعاد الشخصية للزعماء في صناعة السياسة، لا سيما في الدول الدكتاتورية، أو الأخرى ذات الديمقراطية الهشة، كما روسيا، بينما يتراجع الأمر في الديمقراطيات الراسخة التي تتحدد فيها السياسية غالبا من قبل مؤسسات الدولة العميقة، فيما يتراجع التأثير الشخصي للزعماء، بخاصة أن الاستراتيجيات الكبرى هي موضع اتفاق غالبا ولا تخضع لأهواء الزعماء المنتخبين. في روسيا نحن إزاء دولة من العالم الثالث في ما يتعلق بنمط الحكم، فالرجل هو دكتاتور من الناحية العملية، حتى لو جاء عبر آليات ديمقراطية، ومن يراه كيف يسحق معارضية، فضلا عن اللعبة التي صاغها مع دميته ميدفيدف يدرك ذلك. البعد الشخصي الذي نتحدث عنه هنا يتعلق بمشاعر بوتين حيال المسلمين، بخاصة الغالبية السنيّة منهم، وهي مشاعر لم يعد بالإمكان إخفاءها، بل هي حاضرة في مجمل سياساته حيال المنطقة، وتحالفه ضد أي أحد يكره الإسلاميين، بصرف النظر عن الموقف منه، ونتذكر مثلا موقفه من الثورة المصرية رغم أنها كانت ضد “عميل أمريكي” وفق التصنيف المعروف، فضلا عن تونس، بل حتى القذافي الذي كان عشية الإطاحة به ذهب نحو تفاهمات واسعة مع أميركا والغرب. هذا الرجل (أعني بوتين) لديه عقدة مرضية حيال الإسلام والمسلمين، وهي توجه سياساته على نحو ربما يتفوق على المصالح الاستراتيجية بمفهومها التقليدي، ومن يرَ كيف تتناقض هذه السياسة مع مصالح روسيا الداخلية، وفي حديقتها الخلفية، وفي العلاقة مع غالبية الأمة الإسلامية يدرك ذلك، وليس صحيحا أن قاعدة عسكرية في سوريا، بل حتى سيطرة على كل البلد تساوي العلاقة مع غالبية المسلمين، فضلا عن أن يكون ذلك محض وهم، لأن سوريا لن تكون له ولا لإيران مهما طالت الحرب. هذا رجل مصاب بهذا الهوس ضد المسلمين، معطوفا على غرور القوة والغطرسة، وهو أقرب إلى شخصية بوش، والأخير أقرب إلى ترامب، ومن هنا كان اللقاء، لكن النتيجة ربما تتقارب، فكما فشل بوش عندما أعلنها حربا صليبية علينا، سيفشل الأخير بعدما أعلنها حربا صليبية أيضا، ولكن براية أرثوذكسية، وليس بروتستانتية كما بوش.
(الدستور)
(الدستور)