حل منطقي.. مسيرة خمسة آلاف؟
ياسر ابو هلاله
جو 24 : لا تتوقف الدولة عندنا عن تقديم خدمات مجانية للإخوان المسلمين. إذ إن الإخوان نجحوا في إيصال رسالتهم قبل أن تنطلق المسيرة؛ فرقم الخمسين ألفا أُخذ جدا، ولو ادعى أي حزب آخر أنه سيحضر مسيرة من 500 شخص لاتهم بالمبالغة. وانخرطت البلاد في سجالات سياسية عن المسيرة وأهدافها وتوقيتها وتأثيرها على الانتخابات المقبلة. لو كنت مكان الدولة الأردنية، لرحبت بالمسيرة، ولقلت إن عدد المعارضين أكبر من ذلك بكثير، والحكومات الديمقراطية تحكم بأكثرية خمسين في المئة لا تسع وتسعين.
في إطار الخدمات المجانية، اشتغلت آليات التحريض الثقيلة، والتحشيد المضاد. وفي ظل أي استقطاب، فإن المعارضة تكسب؛ فإن كان "نصف الناس أعداء لمن ولي الأحكام هذا إن عدل"، فإن الغاضب من زوجته، ومن فواتير الاتصالات والمحروقات ورسوم المدارس والجامعات، وأزمات السير، والجو المغبر، والاعتداء على الأقصى، وسكوت العالم على جرائم بشار الأسد، وهزيمة فريق كرة القدم الذي يشجعه.. ومن أسباب لا حصر لها، سيجد في المعارضة تعبيرا سياسيا عن غضبه. والمعارضة الآن هنا هي الإخوان، ولو كان هناك في أميركا لكانت الحزب الجمهوري، ولو كان في الصين لكانت "الديلاي لاما"، ولو كانت في الأردن أيام زمان لكانت الحزب الوطني الاشتراكي.
انتهت إلى غير رجعة السلطوية المطلقة التي تعتقد أن المعارضة خيانة. توجد بقايا منها ينظر إليها العالم كمحميات طبيعية لكائنات توشك على الانقراض. ومن المحير فعلا، ولا أصدق عيني عندما أقرأ كلاما داثرا دارسا يتحدث عن الدولة وكأنها حمى العشيرة، وشيخ العشيرة؛ لغة تفتقد لنكهة الفولكلور، وتنتمي إلى حفل "هولوين" غرائبي عجائبي. إذ أفهم أن يتحزم ابنك بشبرية وابنتك تحمل مغزلا في إطار حفل مدرسي، لكن أن يفعلاها باعتبارها نمط حياة، فهذا يتطلب تدخلا علاجيا.
أتمنى أن يكون حفل "هولوين" ساخرا، ويوم السبت نتندر بما حصل الجمعة. أما إن أخذت اللغة التحريضية جدا، فلا أعلم حقيقة ماذا سنخبر يوم السبت، خصوصا إذا ما ربطت بسياقات عنفية كالتي حصلت في 24 آذار والمفرق وساحة النخيل وغيرها. وأصحاب اللغة الداثرة يعدوننا بنسخ مكبرة من تلك السياقات، مع أنها على صغرها ما نزال إلى اليوم ندفع ثمنها، ونحاول التخفيف من آثارها. والإخوان يعتبرون أنفسهم رابحين أيا كانت طريقة تعامل الدولة معها. والحدث سيكون في إطار حشد إعلامي يغطيه 50 ألف صحفي؛ فكل حامل هاتف جوال صحفي قادر على التصوير والبث. وسيصدق العالم والناس هنا رواية صور الجوال أكثر من مؤتمرات صحفية تتهم مندسين بإثارة الفتن.
نحتاج طرقا أكثر إبداعية وسلمية للتعبير عن الغضب؛ فالخشية كل الخشية أن يتحول التعبير إلى عنف ودموية. موسيقى الراب كانت شكلا من أشكال احتجاج الأفارقة في أميركا. هل نتوقع من الإخوان إبداعا كهذا يستوحي من ثقافتنا المحلية (الدحية مثلا!)؟ وإن تمت المسيرة على خير، فإن التثاؤب والملل سيسطران على الشبيبة التي ستستمع إلى خطابات أكثر من 50 حراكا يلقون كلمات متشابهة. في الأردن لا توجد معارضة خطرة ذات ديناميكية عالية ترهق الدولة، المعارضة تشكو الملل والرتابة والضجر، وطريق المسجد الحسيني-ساحة النخيل فقدت بهجتها.
المشكلة فعلا بالعدد؛ كيف يمكن التحكم بإيقاع 50 ألفا؟ لو خفض العدد إلى خمسة آلاف، هل تنتهي المشكلة؟ ربما، وقد يكون ذلك من خلال شرطة السير التي تعيد الحافلات القادمة من الزرقاء وإربد، وتخفف الازدحام بإغلاق الطرق إلى وسط البلد، وتنشر فرقا موسيقية تشتت الاهتمام، وغير ذلك من وسائل غير عنفية. لكن الدولة أيضا تفتقر إلى الإبداع وليس المعارضة.
(الغد)
في إطار الخدمات المجانية، اشتغلت آليات التحريض الثقيلة، والتحشيد المضاد. وفي ظل أي استقطاب، فإن المعارضة تكسب؛ فإن كان "نصف الناس أعداء لمن ولي الأحكام هذا إن عدل"، فإن الغاضب من زوجته، ومن فواتير الاتصالات والمحروقات ورسوم المدارس والجامعات، وأزمات السير، والجو المغبر، والاعتداء على الأقصى، وسكوت العالم على جرائم بشار الأسد، وهزيمة فريق كرة القدم الذي يشجعه.. ومن أسباب لا حصر لها، سيجد في المعارضة تعبيرا سياسيا عن غضبه. والمعارضة الآن هنا هي الإخوان، ولو كان هناك في أميركا لكانت الحزب الجمهوري، ولو كان في الصين لكانت "الديلاي لاما"، ولو كانت في الأردن أيام زمان لكانت الحزب الوطني الاشتراكي.
انتهت إلى غير رجعة السلطوية المطلقة التي تعتقد أن المعارضة خيانة. توجد بقايا منها ينظر إليها العالم كمحميات طبيعية لكائنات توشك على الانقراض. ومن المحير فعلا، ولا أصدق عيني عندما أقرأ كلاما داثرا دارسا يتحدث عن الدولة وكأنها حمى العشيرة، وشيخ العشيرة؛ لغة تفتقد لنكهة الفولكلور، وتنتمي إلى حفل "هولوين" غرائبي عجائبي. إذ أفهم أن يتحزم ابنك بشبرية وابنتك تحمل مغزلا في إطار حفل مدرسي، لكن أن يفعلاها باعتبارها نمط حياة، فهذا يتطلب تدخلا علاجيا.
أتمنى أن يكون حفل "هولوين" ساخرا، ويوم السبت نتندر بما حصل الجمعة. أما إن أخذت اللغة التحريضية جدا، فلا أعلم حقيقة ماذا سنخبر يوم السبت، خصوصا إذا ما ربطت بسياقات عنفية كالتي حصلت في 24 آذار والمفرق وساحة النخيل وغيرها. وأصحاب اللغة الداثرة يعدوننا بنسخ مكبرة من تلك السياقات، مع أنها على صغرها ما نزال إلى اليوم ندفع ثمنها، ونحاول التخفيف من آثارها. والإخوان يعتبرون أنفسهم رابحين أيا كانت طريقة تعامل الدولة معها. والحدث سيكون في إطار حشد إعلامي يغطيه 50 ألف صحفي؛ فكل حامل هاتف جوال صحفي قادر على التصوير والبث. وسيصدق العالم والناس هنا رواية صور الجوال أكثر من مؤتمرات صحفية تتهم مندسين بإثارة الفتن.
نحتاج طرقا أكثر إبداعية وسلمية للتعبير عن الغضب؛ فالخشية كل الخشية أن يتحول التعبير إلى عنف ودموية. موسيقى الراب كانت شكلا من أشكال احتجاج الأفارقة في أميركا. هل نتوقع من الإخوان إبداعا كهذا يستوحي من ثقافتنا المحلية (الدحية مثلا!)؟ وإن تمت المسيرة على خير، فإن التثاؤب والملل سيسطران على الشبيبة التي ستستمع إلى خطابات أكثر من 50 حراكا يلقون كلمات متشابهة. في الأردن لا توجد معارضة خطرة ذات ديناميكية عالية ترهق الدولة، المعارضة تشكو الملل والرتابة والضجر، وطريق المسجد الحسيني-ساحة النخيل فقدت بهجتها.
المشكلة فعلا بالعدد؛ كيف يمكن التحكم بإيقاع 50 ألفا؟ لو خفض العدد إلى خمسة آلاف، هل تنتهي المشكلة؟ ربما، وقد يكون ذلك من خلال شرطة السير التي تعيد الحافلات القادمة من الزرقاء وإربد، وتخفف الازدحام بإغلاق الطرق إلى وسط البلد، وتنشر فرقا موسيقية تشتت الاهتمام، وغير ذلك من وسائل غير عنفية. لكن الدولة أيضا تفتقر إلى الإبداع وليس المعارضة.
(الغد)