الجنرال يعود إلى عمله الحقيقي
ياسر ابو هلاله
جو 24 : بعد الترحيب بالقرار الذي تأخر كثيرا، بطرد سفير نظام بشار الأسد، لا بد من التذكير بحقائق لا تسقط بالتقادم. فهذا السفير لم يكن يوما من الأيام له علاقة بالدبلوماسية؛ إذ لا هو ابن وزارة خارجية تدرج في السلك، ولا هو خريج معهد محترم في العلاقات الدولية، ولا شغل منصبا سياسيا. هو جنرال دموي له تاريخ في قتل الشعب السوري واللبناني، من خلال المواقع العسكرية والأمنية التي تبوأها. وهو أيضا كان في جهاز المخابرات الذي اختفى فيه عشرات الأردنيين، ولا يعرف لهم مصير.
فوق دمويته وشراكته الإجرامية، اشتهر سليمان بمزايا جعلته مكروها حتى داخل أركان نظام الأسد؛ ففساده وفساد نجله زادا عن حدهما. كما أخذ عليه عدد من أركان النظام أنه يمثل الخط الأميركي الذي كان مؤيدا للتسوية مع إسرائيل ورفع علمها في دمشق. وينقل أحد محاوريه أنه قال له: "حافظ الأسد لن يقبل، ولو أعيدت الجولان، رفع علم إسرائيل في دمشق"، فرد عليه: "السلام سلام كامل بفتح سفارات". والموقف المشهود المشهور هو مقاله في "السفير" الذي دعا فيه بعيد الحرب على العراق إلى القبول بشروط وزير الخارجية الأميركي كولن باول.
لكن كل التاريخ السيئ تم تحويله إلى فضائل بفضل آخر مسؤولية تولاها الجنرال في المخابرات العامة؛ إذ تولى فرع الأمن الداخلي فيها (دمشق وما حولها)، والذي اختص بالتواصل مع "المثقفين" و"الفنانين" و"الصحفيين"، ناهيك عن طبقة النيوليبرالية التي تمددت في عهد بشار الأسد، معطوفا على ذلك علاقته المبكرة ببشار، وهو الذي كان من أوائل المبشرين بولاية عهده بعد وفاة باسل الأسد.
وكان السفير محظوظا أنه جاء إلى الأردن في مرحلة علاقات دافئة على مستوى شعبي ورسمي. فسورية كانت قد ابتعدت عن عهد المجازر؛ سواء حماة أو تل الزعتر، وبدا في سورية هامش تسامح معقول مع المعارضة. والأهم من ذلك أنها مثلت داعما لخط المواجهة مع الأميركيين في العراق، ومع الإسرائيليين من خلال دعم حزب الله و"حماس" وغيرهما من حركات المقاومة. لكن مع الثورة السورية، انقلب المزاج العام بشكل حاد، وشهدت سفارة النظام مظاهرات احتجاج كالسفارة الإسرائيلية، وقتل أكثر من مئتي أردني في مواجهات مع النظام السوري. وقد تعامل السفير مع المزاج الشعبي والرسمي بشكل عنتري، لا تتصرف بمثله دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن، وبخفة لا تليق بدبلوماسي، وسط حفاوة من قلة أوهموه أن الشعب الأردني يقف خلفه.
طرد السفير وفشلت دعوة الاعتصام تضامنا معه، إذ لم يلب الدعوة أحد، وغادر الدرك بسلام مقر السفارة. نهاية تليق بشخص وُضع في الموقع الخطأ. وهو سيعود إلى عمله الحقيقي جنرال أمنيا وعسكريا في مرحلة تتحول فيها سورية إلى ساحة حرب أهلية. لكن أطرف ما قيل في التضامن معه المقارنة مع السفير الإسرائيلي؛ وهذا يعكس موقفا دقيقا للشبيحة. مؤيدو الثورة السورية هم من يؤيدون الثورة الفسطينية، ويرفضون وجود سفارة إسرائيلية في عمان، لكنهم يطالبون بطرد سليمان وبقاء السفارة السورية وتسليمها لممثلي الشعب السوري لا لقتلته.
الغد
فوق دمويته وشراكته الإجرامية، اشتهر سليمان بمزايا جعلته مكروها حتى داخل أركان نظام الأسد؛ ففساده وفساد نجله زادا عن حدهما. كما أخذ عليه عدد من أركان النظام أنه يمثل الخط الأميركي الذي كان مؤيدا للتسوية مع إسرائيل ورفع علمها في دمشق. وينقل أحد محاوريه أنه قال له: "حافظ الأسد لن يقبل، ولو أعيدت الجولان، رفع علم إسرائيل في دمشق"، فرد عليه: "السلام سلام كامل بفتح سفارات". والموقف المشهود المشهور هو مقاله في "السفير" الذي دعا فيه بعيد الحرب على العراق إلى القبول بشروط وزير الخارجية الأميركي كولن باول.
لكن كل التاريخ السيئ تم تحويله إلى فضائل بفضل آخر مسؤولية تولاها الجنرال في المخابرات العامة؛ إذ تولى فرع الأمن الداخلي فيها (دمشق وما حولها)، والذي اختص بالتواصل مع "المثقفين" و"الفنانين" و"الصحفيين"، ناهيك عن طبقة النيوليبرالية التي تمددت في عهد بشار الأسد، معطوفا على ذلك علاقته المبكرة ببشار، وهو الذي كان من أوائل المبشرين بولاية عهده بعد وفاة باسل الأسد.
وكان السفير محظوظا أنه جاء إلى الأردن في مرحلة علاقات دافئة على مستوى شعبي ورسمي. فسورية كانت قد ابتعدت عن عهد المجازر؛ سواء حماة أو تل الزعتر، وبدا في سورية هامش تسامح معقول مع المعارضة. والأهم من ذلك أنها مثلت داعما لخط المواجهة مع الأميركيين في العراق، ومع الإسرائيليين من خلال دعم حزب الله و"حماس" وغيرهما من حركات المقاومة. لكن مع الثورة السورية، انقلب المزاج العام بشكل حاد، وشهدت سفارة النظام مظاهرات احتجاج كالسفارة الإسرائيلية، وقتل أكثر من مئتي أردني في مواجهات مع النظام السوري. وقد تعامل السفير مع المزاج الشعبي والرسمي بشكل عنتري، لا تتصرف بمثله دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن، وبخفة لا تليق بدبلوماسي، وسط حفاوة من قلة أوهموه أن الشعب الأردني يقف خلفه.
طرد السفير وفشلت دعوة الاعتصام تضامنا معه، إذ لم يلب الدعوة أحد، وغادر الدرك بسلام مقر السفارة. نهاية تليق بشخص وُضع في الموقع الخطأ. وهو سيعود إلى عمله الحقيقي جنرال أمنيا وعسكريا في مرحلة تتحول فيها سورية إلى ساحة حرب أهلية. لكن أطرف ما قيل في التضامن معه المقارنة مع السفير الإسرائيلي؛ وهذا يعكس موقفا دقيقا للشبيحة. مؤيدو الثورة السورية هم من يؤيدون الثورة الفسطينية، ويرفضون وجود سفارة إسرائيلية في عمان، لكنهم يطالبون بطرد سليمان وبقاء السفارة السورية وتسليمها لممثلي الشعب السوري لا لقتلته.
الغد