الاحتلال خائف على السلطة وعباس يناكفه ببقائها!!
ياسر الزعاترة
جو 24 : جديد عباس هو قديمه. ومع أننا لا نتوقع منه أي تغيير كما أكدنا مرارا وتكرارا، لأن الثورية لا تظهر بعد الثمانين في العادة، إلا أننا نضطر للانتظار والمتابعة مع كل وعيد أو تهديد ومع كل “قنبلة موعودة”، أو خطاب جديد. بمناسبة أعياد الميلاد، وُعدنا بخطاب من السيد الرئيس، وبدأت التكهنات حول الخطاب من قبل من يحبون أن يذكّروا الناس بنظرية وهمية خلاصتها أن لهذا الشعب قيادة عظيمة ستقوده إلى تحقيق الإنجاز التاريخي ممثلا في الدولة الفلسطينية المستقلة وكاملة السيادة على الأراضي المحتلة عام 67، وعاصمتها القدس الشرقية، وقد يضيف البعض من باب الحب والتفاؤل؛ حق العودة والإفراج عن الأسرى، مع العلم أن الحركة التي يقودها السيد الرئيس تأسست في الأصل لكي تحرر الأراضي المحتلة عام 48، حيث لم يكن الباقي الذي يحلمون به الآن قد خضع للاحتلال بعد!! لم يفاجئنا محمود عباس بشيء هذه المرة، وكما المرات السابقة، لكنه أضحكنا حين كان أبرز ما في خطابه هو الحديث عن السلطة كإنجاز للشعب الفلسطيني (كذلك في أكثر الخطابات)، مضيفا القول بأن عليهم (المحتلون طبعا) ألاّ يحلموا بانهيارها، لكأن الشعب لم يتابع تصريحات نتنياهو وكثير من المسؤولين الصهاينة وهم يبدون القلق الحقيقي وليس المفتعل من احتمال انهيار السلطة، لا لشيء، إلا لكونها سلطة صُممت لخدمة الاحتلال، وهي كانت ولا تزال وفية للمهمة التي أسست من أجلها، بل إنها في عهد محمود عباس تسجل وفاءً منقطع النظير تستحق معه، وقيادتها الكثير من الثناء من قبل قادة العدو، وكما من رعاه الأمريكان والغربيين. نفتح قوسا كي نشير إلى ما نقلته صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية يوم الخميس، أي في اليوم التالي لخطاب عباس، عن مصادر أمنية إسرائيلية بقولها إنه وبناء على تعليمات مباشرة وصارمة من رئيس السلطة محمود عباس، فقد طرأ انخفاض كبيرعلى مستوى “التحريض” في وسائل الإعلام الفلسطينية،لا سيما التابعة للسلطة والخاضعة لتأثيراتها. أما الأهم، بحسب الصحيفة فهو قيام الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة بالتمركز في مناطق الاحتكاك التقليدية بين المتظاهرين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي ومنع الاحتكاكات عبر استخدام القوة. لكن الخطوة الأهم حسب الصحيفة هي إصدار تعليمات لاستئناف شن حملات اعتقال في صفوف أعضاء حركة حماس في أرجاء الضفة الغربية. هذا هو الأهم في خطاب الرجل، أعني التأكيد على بقاء السلطة، فلا تهديد ولا وعيد هذه المرة، مع أن جوهر التهديدات السابقة بحل السلطة تعكس بمفهوم المفارقة إقرارا بأن بقاءها يخدم مصلحة المحتلين. الثوابت الأخرى لمحمود عباس، والتي بات يعرفها الجميع كانت حاضرة أيضا في الخطاب، فالتعويل هو على المفاوضات، وليس على الكفاح المسلح، والهبة الجماهيرية (يكره كلمة انتفاضة، وهو أعلن مرارا أنها لن تندلع ما دام على قيد الحياة)، هي إنذار للإسرائيليين، وهذا هو التهديد الكبير الذي حمله الخطاب، لكنه يغدو بلا معنى حين يعلم الجميع حجم الجهد الذي تبذله سلطته في ملاحقتها. الثابت التقليدي الثالث، وربما الأخير في خطابات عباس، وحضر هنا أيضا؛ يتمثل في هجاء حركة حماس، والحديث عن الحكومة والانتخابات، وحيث يعلم الجميع أن عباس لا يفهم من المصالحة إلا مصطلح الانتخابات، وبالطبع لأن لديه هاجسا مقيما يتمثل في استعادة شرعية فقدها في العام 2006، وهو يعتقد أن بوسعه استعادتها ولو بأي نسبة بالتحالف مع آخرين (اتهم حماس برفض الانتخابات فأنكرت ذلك بالطبع). هجاء حماس منذ عامين أصبح لازمة، وكذلك تبرير حصار المصريين لقطاع غزة، ليس فقط بسبب المناكفة الحزبية التقليدية، بل أيضا من أجل تقديم فروض الولاء للسيسي على أمل إبعاده عن دحلان، وهو برر له، أي للسيسي حصار القطاع، كما فعل من قبل. الخلاصة أن جديد عباس هو قديمه، ومعه تعيش القضية في تيه مقيم منذ 2004، وستبقى كذلك إلى أن يتدخل القدر، مع أننا لا نعول كثيرا على الخليفة الذي ستأتي به ظروف خارجية وتوازنات معروفة لا تعبر غالبا عن مصالح الشعب والقضية، ولن يتغير الموقف سوى بتصعيد الشعب لانتفاضته وقلب الطاولة في وجه الجميع، ودفع فتح وجميع الفصائل إلى التوحد في الميدان على مسار جديد يمكنه تحقيق إنجاز للشعب وقضيته.
(الدستور)
(الدستور)