jo24_banner
jo24_banner

دجال قريتنا

سامية أنور دنون
جو 24 : تفقدت حقيبتي الممزقة أبحث عن ما معي من قليل المال، عددتهم فاذا هم بالكاد بضعة دنانير، توجهت إلى محطة الباص وبعد الوقوف طويلا ركبت الباص.
جلست بمحاذاة النافذة، وفي الطريق وقف الباص على مسافة طويله من الإشارة المضاءة باللون الأحمر، فأخذت عيناي تنظر إلى ما تستطيع رؤيته مما حولنا من سيارات وأشخاص وأشياء أخرى، فوقعت عيناي على رجل يقود السيارة بمحاذاة الباص، دققت أكثر في ملامح هذا الرجل ولا أدري كيف اختارته عيناي لتحدق به أكثر من غيره ممن كانوا على مرمى بصري، كأني أعرف ملامحه، كأن تفاصيل وجهه مألوفه لدي، نعم اني أعرفه، أنه هو.

كانت إشارة المرور شديدة الازدحام وكان الضوء الأخضر ينير وينطفأ أكثر من مره ولا تزال بعيده عنا، مما أضطرني إلى أن أظل أحدق فيه، التفت هو أيضا حوله، يمينا وشمالا، ولأن المسافه بيننا كانت قريبة جدا كاد أن يراني، فأشحت بوجهي مسرعة للاتجاه المعاكس، لا أرغب برؤيته أكثر، وكأني استهجنت عليه رؤيتي، أو استحرقت على نفسي مشاهدته، وظل وجهي طوال الوقت ملتزما الأتجاه الآخر خوفا مما قلت، كنت استجدي الاشاره الضوئيه للسماح لنا بالمرور لعل وجهه يزول عن انظاري، وما أن تعدى الباص تلك ألاشاره حتى تنفست الصعداء، أدرت وجهي للاتجاه الآخر فأذا به قد غرب بعيدا، ومع أنه قد زال عن بصري ألا أن تفاصيله ظلت بمخيلتي تأبى الزوال.

ظل يومي كله أسود وحزين، ومزاجي سيء وكئيب، هو الذي حطم حياتي ونثرها رذاذا، لقد تغير كثيرا عن ما كان عليه، يبدو عليه جليا طيب العيش، وقد كان يومها حافي القدمين، أنه دجال الحي.

كان عمري قد أقترب من الثلاثين، ولم يطرق باب بيتنا رجل يطلب يدي، تزوجت كل بنات عمي وخالي وخالتي وجيراني وحتى جيران جيراني، بقيت أنا فقط دون زواج، كان يشفق علي كل قريب وبعيد، حتى أصبحت حديث قريتنا، فقالوا عني ملموسه، ولن أتوقف كثيرا عند لفظ ملموسه، إذ أنه لفظ دارج في مجتمع كمجتمعي، جن جنون أمي العجوزة التي كانت كثيرا ما تردد قول (كسرت ظهري حسرة جميله) ، طبعا الحسره التي كسرت ظهرها هو عدم زواجي، وطبعا جميله هي أنا، انا التي لم يكن لي حظ من أسمي، فقد كنت فقيرة المال الجمال.

أعيش أنا وأمي وحدنا في البيت بعد موت والدي، ولم يكن يزورنا إلا قله من الناس، فمن الذي يهمه أمرنا فأحدانا عجوز والثانيه عانس ملموسه؟
وفي يوما جاء إلى بيتنا وعلى غير العادة زائر غريب لا يعرفنا ولا نعرفه، سأل أن كان هذا بيت جميله فأجبته نعم قال لي شريف القريه يطلبك للحضور لديه، لم أسمع من قبل بشريف القرية، فسألته من يكون؟ فأجاب انه من يشفي العليل، ويقرب البعيد، بأذن الله وظل يعيد بأذن الله، ليلبس نفسه ثوب التقوى والورع، أخبرت أمي عن الزائر وحديثه، فطارت فرحا وقالت لي: أنه ابن الاسكافي الذي يقول عنه أهل القريه أنه صاحب خطوه ، وطلبت مني أن البي طلبه عل الله يصنع خيرا على يديه، ولأن أمي عجوز لا تقوى على المشي كان لا بد أن أذهب وحدي.

ذهبت إلى شريف القريه ولا أدري متى أصبح أبن الاسكافي شريف للقريه، أخد يسأل ويسأل حتى قال: أنا سأحل عقدتك بأذن الله طبعا، ولكن على شرط، فقلت: هات شرطك، قال: أعطيني بيتك وما تملكين من أرض حوله، فسألته وأين نعيش أنا وأمي العجوز قال: ستتزوجين رجل غني، له مقال وقدر، وبالطبع ستعيش أمك معك ولن تحتاجي ذلك البيت الحقير، فهبيه لي. فقلت: أنتظر حتى يتحقق ما تعدني به، إلا أنه رفض وقال: لن أحل عقدتك حتى أخذ بيتك أولا.
رحبت أمي بما أخبرتها، غير مباليه بالمنزل الذي يأوينا، فهي تحلم بتزويجي من أي رجل فكيف لو كان غني وصاحب مقام، وكأنها تؤمن أن ما قاله سيكون حتما.
قبلنا طلبه وحضرت أليه لفك عقدتي، فقال لي الليله وليس غير الليله، تقصين شعرك وتضعينه في الكيس من خيش وتربيطينه، ثم تتزينين وتتعطرين وتلبسين أفضل ما عندك من ثياب، وتخرجي من بيتك ليلا لتدفني الشعر تحت شجرة البلوط العتيقه، "وهي شجره معروفه في قريتنا" كل هذا سرا دون أن يعلم بأمرك أحدا ولا حتى امك.

جاء الليل فقصصت شعري وفعلت ما طلب مني خرجت ليلا، وأمي نائمه لا تعلم بما أصنع وتوجهت نحو شجرة البلوط وما أن دفنت شعري المقصوص تحتها حتى أحسست بشخص يقف خلفي، من أنت وماذا تريد؟ فقال لي أنتي من جئتي الي ولست أنا، انه الزائر الغريب الذي زارنا سابقا، قال لي أنا من سيتزوجك، انا من أرسلني لك شريف المدينه، أيقنت ساعتها بعظم مصيبتي، ولكن كيف السبيل؟ فأنا وهو في خلاء القرية والليل حالك، ماذا صنعت بنفسي، المصيبه عظيمه والوقت ليس وقت عتاب، هددته بكشف أمره هو والدجال، وهددني بالفضيحه، صرخت بكل ما أعطاني الله من قوه فأغلق فمي بكل ما أتاه الله من عزيمه ولما أيقن أني اخترت الموت على العار، قرر التخلص مني، فأشعل فيي النيران، احترق ثوبي ووصلت النار إلى جسدي، ولكني مع فرط إصراري على الهرب لم أحس بألم النيران وهي تأكل جزء من جسدي، ركضت سريعا حتى وقعت على الأرض مرارا فانطفأت النار، لكني بقيت أركض حتى وصلت بيتي واذا بأمي لا زالت نائمه فسقطت على الارض مغشيا علي.

استيقظت في اليوم التالي واذا بأهل القرية يملؤون البيت، وما أن استدركت ما بقي لي من حواس وتفكير، حتى علمت أن الجميع حضر ليشاهد الملموسه التي احرقها الجن لسوء أخلاقها، كما أشاع الدجال في القريه، لقد أستبق الأمر قبل أن أفضحه، والدليل على أدائه هي حالتي التي كنت عليها، شعر مقصوص، وجسد محروق، وآثار ما وضعت من مساحيق التجميل لا زالت على وجهي، لم يكن عندي شيء من قوى حتى أشرح ما اصابني، ولن يصدقني أحد أن انا شرحت، نظرت إلى امي العجوز انذاك، فأذا هي بأسوأ حال، لطم، وبكاء وعويل، لم يفكر أحد من الناس في اسعافي أو علاجي فكلهم يخافون الاقتراب مني بل ويشمتون بعقاب الله المنصف لي على سوء خلقي.

رحل أهل القرية وبقيت مع أمي والفاجعة الشنعاء ثالثنا، وما أن حل ليل ذلك اليوم حتى كانت قد زهقت روح أمي وفارقت الحياه.
تحققت مقولة أمي التي طالما رددتها(كسرت ظهري حسرة جميله)، ماتت حسرة على ابنتها، عانس، ملموسه، محروقه، مجنونه، والأدهى سيئة السمعة، وما كنت أبدا أحدا منهم.

أي مصاب أصابنا، كيف حاك دجال قريتنا ابن الاسكافي هذه المكيده التي ما خطرت يوما ببال شيطان؟ لماذا أنا دونا عن الجميع اختارني ضحية مكيدته؟ وأنا لا أملك شيء" نعم اختارني لأني لا أملك شيئا"، أنا الفريسة السهلة، هكذا خسرت كل شيء حتى بيتي الحقير لم يتركه لي فقد أخذه مني مسبقا.

دفنوا أهل القرية أمي على استحياء، ولولا الحياء ما دفنوها، فقررت الهرب بكل أوجاعي وخيباتي وانكساراتي وكان أهونها على نفسي ألم الحرق الذي التهم جسدي كله، تركت القرية ليلا لا شيء معي، وكان آخر ما تركته قبر أمي في تلك القرية الملعونة، بلا عوده.
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير