تداعيات رفع العقوبات عن إيران على المنطقة
ياسر الزعاترة
جو 24 : أخيرا دخل اتفاق النووي حيز التنفيذ، وتم الإعلان عن رفع العقوبات المتعلقة به، ما يعيد طرح السؤال حول تداعيات ذلك على المنطقة في ظل هذه الفوضى التي تجتاحها وتشعل فيها حريقا استثنائيا لم يُعرف منذ عقود طويلة، وفي ظل هذا الصراع المحتدم بين مشروع التوسع الإيراني، وبين بعض الدولة العربية التي قررت التصدي له بهذا الشكل أو ذاك، مع سؤال تأثيره على الصراع مع المشروع الصهيوني الذي كان المستفيد الأكبر من حريق المنطقة الراهن، ونزع السلاح النووي الإيراني جزء من ذلك، وقبله الكيماوي السوري.
ليس مهما الحديث عن السلاح النووي هنا، وقد كان هو الهدف، وليس الطاقة السلمية كما يدرك الجميع، لكن إيران أبقت على قدرتها على امتلاك ذلك السلاح (ربما بزمن أطول) إذا قررت التحدي من جديد وتحمل التبعات (لا يُعتقد أنها ستفعل قريبا وتكرر دفع الثمن الباهظ).
البعد الذي لا ينبغي تجاهله قبل الحديث عن التداعيات هو أن إيران تعيش منذ حوالي خمسة أعوام صراعا دمويا مع الشارع العربي والإسلامي، أو لنقل للدقة مع الغالبية من الأمة الإسلامية، وهو صراع كان يتجلى في العراق، ثم امتد لسوريا، ووصل إلى اليمن.
ولا شك أن هذا الصراع كلّف ويكلّف المنطقة دمارا واسعا، فضلا عن ضربه للربيع العربي مع أسباب أخرى تتعلق بمواقف أنظمة الثورة المضادة العربية، لكنه كان أكثر كلفة على إيران نفسها، لأننا نتحدث عن دولة، وإن كانت كبيرة وتمتلك إمكانات ضخمة، إلا أنها كانت تعاني من عقوبات قاسية مضت عليها سنوات طويلة، جاءت بدورها بعد عقوبات من نوع آخر لم ترفع أصلا بعد الثورة، وخاصة ما يتعلق بالأموال المجمدة في الولايات المتحدة، والتي لا يرتبط بعضها بالبرنامج النووي، بل بتهم أخرى تتعلق بدعم ما يسمى الإرهاب بحسب التعريف الغربي.
في سوريا دفعت إيران أكثر من 40 مليار دولار حتى الآن بحسب أقل التقديرات، ولا يزال النزيف مستمرا، فيما لم يعد بوسع العراق أن يتحمل عنها جزءا من الكلفة في ظل النزيف الذي يعانيه، وجاءت اليمن لتزيد من عمق النزيف وبؤسه.
الجانب الآخر في المشهد هو المتعلق بالداخل الإيراني الذي أنهكته العقوبات، وحيث ذهب الجمهور لانتخاب روحاني على أمل تحسين وضعه الاقتصادي، ويأمل بالتأكيد في أن يجني حصاد اتفاق النووي تحسنا على هذا الصعيد. وما لا يقل أهمية هنا هو أن صراعا حقيقيا يدور في إيران بين الإصلاحيين والمحافظين، وإن لم يظهر كثيرا فيما يتعلق بالملف الخارجي الذي يمسك به المرشد الأعلى أكثر من الحكومة، وفي ظل حرص من روحاني على عدم الصدام مع القيادة العليا في هذا الملف.
هكذا يبدو المشهد كالتالي: داخل شعبي إيراني ينتظر عوائد اتفاق النووي، مقابل تيار محافظ يريد عوائده لاستكمال مشروع التمدد الخارجي، لا سيما أنه يدرك أن فشل المشروع مع تحسن وضع الإصلاحيين في الداخل، إنما يعني إضعافهم تدريجيا وصولا إلى عزلهم، وربما تفجير انتفاضة شعبية ضدهم، في حال سعوا إلى إفشال الإصلاحيين، أو حرمانهم من تحسين وضع الناس لكسب ثقتهم. ولا شك أن الانتخابات البرلمانية القريبة القادمة ستكون شاهدا على هذا الصراع.
اللافت في هذا الأمر هو أن المحافظين، ورغم ملامح فشل مشروع التوسع، فإنهم يبدون في مزاج رد إهانة أكثر من مزاج التراجع والذهاب نحو صفقة مع المحيط العربي والإسلامي، أو تركيا والعرب بتعبير أدق، وفي المقدمة السعودية في ظل غياب مصر العملي عن المشهد .
نفتح قوسا هنا لنشير إلى أن احتمال كسب إيران لللنظام المصري بالإغراء الاقتصادي يبدو واردا، وهو ما سيرتب خللا في ميزان القوى لصالحها ضد الوضع العربي، ما يعني إطالة النزيف، وليس حسمه لصالح إيران.
وفيما يبدو أن التيار المحافظ ليس في وارد التراجع للخارج، فهو لن يتراجع أمام الإصلاحيين في الداخل، وسيصر على استخدام أرباح الاتفاق في سياق استكمال مشروعها الخارجي (ليس كلها بالتأكيد، إذ سيحاول الموازنة). يفعل ذلك وهو يدرك أن الداخل الشعبي ليس معنيا بذلك المشروع، رغم مساعي ترويجه مذهبيا، وهو ما يعني صداما مع الشعب بهذا القدر أو ذاك، وصداما أكبر مع المحيط العربي والإسلامي، وتبعا لذلك دمارا أوسع في المنطقة، من دون أن يؤدي ذلك إلى نجاح المشروع بسبب المقاومة الواسعة له شعبيا ورسميا.
على صعيد العلاقة مع الشيطان الأكبر، لا شك أن العلاقة ستدخل في طور جديد، لكن الثمن الذي ينبغي أن يُدفع في ظل حقيقة أن الشأن الشرق أوسطي محكوم لنفوذ اللوبي الصهيوني، هو تغيير في الخطاب وفي السلوك الإيراني حيال الكيان الصهيوني، ولا قيمة هنا للقول إن أوباما قد أدار ظهره للكيان حين ذهب في اتجاه الاتفاق، لأن ذلك ليس صحيحا، وكل ما في الأمر أن صراخ نتنياهو كان جزء من اللعبة للضغط لتحسين الاتفاق، وابتزاز دعم أمريكي جديد.
هذا تنتهي عمليا النظريات الثورية وحكاية المقاومة، وتُسفر إيران عن مشروعها المذهبي، أي تحوّلها إلى دولة مذهب تعتبر نفسها راعية لأتباعها أينما كانوا، وهو ما سيعزز الصراع أكثر فأكثر بينها وبين المحيط العربي والإسلامي، وصولا إلى تعبها وميلها نحو صفقة معقولة. هذه هي النهاية المتوقعة، لكن كم سيستغرق النزاع حتى الوصول إلى هذه النقطة؟ لا ندري.
الدستور
ليس مهما الحديث عن السلاح النووي هنا، وقد كان هو الهدف، وليس الطاقة السلمية كما يدرك الجميع، لكن إيران أبقت على قدرتها على امتلاك ذلك السلاح (ربما بزمن أطول) إذا قررت التحدي من جديد وتحمل التبعات (لا يُعتقد أنها ستفعل قريبا وتكرر دفع الثمن الباهظ).
البعد الذي لا ينبغي تجاهله قبل الحديث عن التداعيات هو أن إيران تعيش منذ حوالي خمسة أعوام صراعا دمويا مع الشارع العربي والإسلامي، أو لنقل للدقة مع الغالبية من الأمة الإسلامية، وهو صراع كان يتجلى في العراق، ثم امتد لسوريا، ووصل إلى اليمن.
ولا شك أن هذا الصراع كلّف ويكلّف المنطقة دمارا واسعا، فضلا عن ضربه للربيع العربي مع أسباب أخرى تتعلق بمواقف أنظمة الثورة المضادة العربية، لكنه كان أكثر كلفة على إيران نفسها، لأننا نتحدث عن دولة، وإن كانت كبيرة وتمتلك إمكانات ضخمة، إلا أنها كانت تعاني من عقوبات قاسية مضت عليها سنوات طويلة، جاءت بدورها بعد عقوبات من نوع آخر لم ترفع أصلا بعد الثورة، وخاصة ما يتعلق بالأموال المجمدة في الولايات المتحدة، والتي لا يرتبط بعضها بالبرنامج النووي، بل بتهم أخرى تتعلق بدعم ما يسمى الإرهاب بحسب التعريف الغربي.
في سوريا دفعت إيران أكثر من 40 مليار دولار حتى الآن بحسب أقل التقديرات، ولا يزال النزيف مستمرا، فيما لم يعد بوسع العراق أن يتحمل عنها جزءا من الكلفة في ظل النزيف الذي يعانيه، وجاءت اليمن لتزيد من عمق النزيف وبؤسه.
الجانب الآخر في المشهد هو المتعلق بالداخل الإيراني الذي أنهكته العقوبات، وحيث ذهب الجمهور لانتخاب روحاني على أمل تحسين وضعه الاقتصادي، ويأمل بالتأكيد في أن يجني حصاد اتفاق النووي تحسنا على هذا الصعيد. وما لا يقل أهمية هنا هو أن صراعا حقيقيا يدور في إيران بين الإصلاحيين والمحافظين، وإن لم يظهر كثيرا فيما يتعلق بالملف الخارجي الذي يمسك به المرشد الأعلى أكثر من الحكومة، وفي ظل حرص من روحاني على عدم الصدام مع القيادة العليا في هذا الملف.
هكذا يبدو المشهد كالتالي: داخل شعبي إيراني ينتظر عوائد اتفاق النووي، مقابل تيار محافظ يريد عوائده لاستكمال مشروع التمدد الخارجي، لا سيما أنه يدرك أن فشل المشروع مع تحسن وضع الإصلاحيين في الداخل، إنما يعني إضعافهم تدريجيا وصولا إلى عزلهم، وربما تفجير انتفاضة شعبية ضدهم، في حال سعوا إلى إفشال الإصلاحيين، أو حرمانهم من تحسين وضع الناس لكسب ثقتهم. ولا شك أن الانتخابات البرلمانية القريبة القادمة ستكون شاهدا على هذا الصراع.
اللافت في هذا الأمر هو أن المحافظين، ورغم ملامح فشل مشروع التوسع، فإنهم يبدون في مزاج رد إهانة أكثر من مزاج التراجع والذهاب نحو صفقة مع المحيط العربي والإسلامي، أو تركيا والعرب بتعبير أدق، وفي المقدمة السعودية في ظل غياب مصر العملي عن المشهد .
نفتح قوسا هنا لنشير إلى أن احتمال كسب إيران لللنظام المصري بالإغراء الاقتصادي يبدو واردا، وهو ما سيرتب خللا في ميزان القوى لصالحها ضد الوضع العربي، ما يعني إطالة النزيف، وليس حسمه لصالح إيران.
وفيما يبدو أن التيار المحافظ ليس في وارد التراجع للخارج، فهو لن يتراجع أمام الإصلاحيين في الداخل، وسيصر على استخدام أرباح الاتفاق في سياق استكمال مشروعها الخارجي (ليس كلها بالتأكيد، إذ سيحاول الموازنة). يفعل ذلك وهو يدرك أن الداخل الشعبي ليس معنيا بذلك المشروع، رغم مساعي ترويجه مذهبيا، وهو ما يعني صداما مع الشعب بهذا القدر أو ذاك، وصداما أكبر مع المحيط العربي والإسلامي، وتبعا لذلك دمارا أوسع في المنطقة، من دون أن يؤدي ذلك إلى نجاح المشروع بسبب المقاومة الواسعة له شعبيا ورسميا.
على صعيد العلاقة مع الشيطان الأكبر، لا شك أن العلاقة ستدخل في طور جديد، لكن الثمن الذي ينبغي أن يُدفع في ظل حقيقة أن الشأن الشرق أوسطي محكوم لنفوذ اللوبي الصهيوني، هو تغيير في الخطاب وفي السلوك الإيراني حيال الكيان الصهيوني، ولا قيمة هنا للقول إن أوباما قد أدار ظهره للكيان حين ذهب في اتجاه الاتفاق، لأن ذلك ليس صحيحا، وكل ما في الأمر أن صراخ نتنياهو كان جزء من اللعبة للضغط لتحسين الاتفاق، وابتزاز دعم أمريكي جديد.
هذا تنتهي عمليا النظريات الثورية وحكاية المقاومة، وتُسفر إيران عن مشروعها المذهبي، أي تحوّلها إلى دولة مذهب تعتبر نفسها راعية لأتباعها أينما كانوا، وهو ما سيعزز الصراع أكثر فأكثر بينها وبين المحيط العربي والإسلامي، وصولا إلى تعبها وميلها نحو صفقة معقولة. هذه هي النهاية المتوقعة، لكن كم سيستغرق النزاع حتى الوصول إلى هذه النقطة؟ لا ندري.
الدستور