الحريات العامة حدودها قوانين مقيدة وأمن مسكون بالأمان (انفوغرافك)
إعداد: هبة ابو طه -
شهد العام 2015 جملة من الإنتهاكات طالت حرية الرأي والتعبير، بدءً من توقيف أشخاص، إنتهاء بإلغاء فعاليات.
نرصد في تقريرنا الثاني واقع الحريات العامة في الأردن، خلال عام 2015 وكيف تعاملت السلطات مع العديد من النشاطات والفعاليات السلمية المتعلقة إما بمطالب سياسية أو حقوقية أو عمالية.
تغول على الحريات العامة
"لسنا بجماعات تكفيرية أو مسلحة، ولم نحد يوما عن سلمية اعتصامنا. خمسة أعوام ونصف ونحن نقف بشكل سلمي كل أسبوع، مطالبنا سلمية لكنهم يقابلونا باعتداء واستخدام القوة والتهديد والاعتقال"، يعلق د.ابراهيم علوش رئيس جمعية مناهضة العنصرية الصهيونية جراء فض الأمن العام اعتصاماتهم بدء من أيلول 2015 حتى الشهر الجاري.
التضييق على جماعة الكالوتي المعروفة اختصارا بـ"جك" بدء ذ شهر ايلول من العام الماضي ومصادرة حقهم في التجمع السلمي و التعبير عن الراي.
يقول علوش لـJo24 أن فض اعتصاماتهم صاحبها ضرب وقمع لزملائه، ففد تعرض نشطاء جك لجملة مضايقات واستدعاءات أمنية بسبب يراه علوش "لاستمرارنا في الاعتصام الذي تنظمه الجمعية كل أسبوع لمناهضة التطبيع والمطالبة بإغلاق سفارة الكيان الصهيوني واسقاط معاهدة السلام "وادي عربة" وهي المعاهدة التي وقعت بين الأردن و الكيان عام1994".
خلال شهر أيلول 2015، فُضّ اعتصام جك بالقوة لاكثر من مرة، فقد تلقوا إشعارا من وزارة الثقافة تبلغهم فيه رسميا بان الاعتصام "غير مشروع" وعليهم تصويب أوضاعهم كجمعية، "ترافق ذلك مع استدعاء الأجهزة الأمنية لعدد من شبيبة جك للتحقيق معهم" ثم اعتقل اثنين من اعضاء "جك" عبود نجم وبندر الشريف اللذان تعرضا للضرب من قبل أجهزة الأمنية.
كما قامت الأجهزة الامنية بمنع إعتصام في ساحة مسجد الكالوتي في شهر آب كان من تنظيم ائتلاف الأحزاب القومية و اليسارية، كما منعت الأجهزة في تشرين الأول اعتصاما ضد زيارة وزير الخارجية الأمريكي للمنطقة جون كيري كان من المنوي عقده امام السفارة الأمريكية.
فض الأمن العام اعتصام جك بالقوة واعتقا خمسة اشخاص بعد يومين من تلقيهم الاشعار وسرعان ما أخلوا سبيلهم. "كنت انا واحد منهم، اخبرونا اننا بحاجة الى ترخيص الاعتصام حيث ان طلب الترخيص غير منطقي ويعكس مزاجية قانونية، فعدنا مرة اخرى وتم فض الاعتصام وضربنا بالهراوات، فذهبنا للمحافظ وقدمنا ورقة رسمية ذكرنا فيها ان الاعتصام على مدار خمس سنوات اثبت سلميته اضافة الى ذكر الهدف منه و اسماء القائمين عليه وبحسب قانون الاجتماعات حال لم يقابل طلبك بالرفض خلال 48 ساعه يعتبر نشاطك قانوني، لذلك ذهبنا للاعتصام فقام الدرك بدفعنا بقوة و منعنا من عقده للمرة الثالثة لنفاجئ بعد ذلك بتسييج ساحة الكالوتي"، يقول علوش.
في السابع من كانون التالي الجاري، أوقف الأمن علوش و12 من رفاقه عدة ساعات جراء تنفيذهم اعتصاما قرب جامع الكالوتي، الأمر الذي وصفه علوش "باستمرار العقلية الأمنية في التعاطي مع الحريات العامة من منطق".
فعالية أخرى منعت في تشرين الأول الماضي، كانت عبارة عن مناظرة من تنظيم ديوانية تحت عنوان "عقوبة الإعدام لا تردع الجريمة" تلقى خلالها صاحب المقهى الذي كان من المقرر إقامة المناظرة فيه تحذيرا من محافظ العاصمة بالملاحقة القضائية في حال إقامة الفعالية في مقهاه، على الرغم من إستيفاء جميع الشروط القانونية، حيث جرى إخطار المحافظ بإقامتها قبل ثلاثة أيام من موعدها.
منع فعاليات
استخدم الأمن القوة في شهر تشرين الثاني الماضي، وهدد بالدخول الى مسرح الرينبو حتى يتمكن من منع مهرجان للتضامن مع قناة الميادين، الذي كان منظم من قبل هيئة تحرير مجلة راديكال، واتحاد الشباب الديمقراطي الأردني، والجبهة الشعبية للدفاع عن سورية.
وعلق أحدهم بالقول: " قبل الموعد المحدد للمهرجان أغلق عناصر من قوات الدرك باب المسرح بحجة ان الفعالية غير مرخصة والمحافظ اتخذ قرار بمنعها، حاولنا البدء بالمهرجان فصعد الدرك على الدرج وهدد بدخول المسرح وطرد الحضور منه، فاضطررنا وقف الفعالية حفاظا على سلامة الحضور".
في حدث آخر، شهدت مسيرة نظمها ائتلاف الاحزاب القومية واليسارية في تشرين الثاني تحت شعار "الحريات العامة و الديمقراطية، وضد رفع الاسعار"، تضييقا ملحوظا واعتقل على اثرها شابين من الحزب الشيوعي هما اسامة زين الدين ومحمد الدرعاوي.
عضو المكتب السياسي في الحزب الشيوعي الاردني سعد عاشور، يقول "هناك تدن في مستوى الحريات العامة في البلاد".
يطالب عاشور من السلطات بالكف عن تقييد حريات المواطنين "الشعب يناضل لأجل الحصول على هذه الحريات".
تضييق عمالي
في ذات الصلة، يوثق مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية عدة انتهاكات جسيمة وقعت بحق الطبقة العاملة، منها في تشرين أول الماضي حيث فضّ الأمن إضراب لعمال الموانئ في العقبة بالقوة واعتقال اكثر من عشرين عامل. كما فض اعتصام العاملين في الغزل والنسيج بالقوة في شهر تموز واعتقل منظمي الاضراب، إضافة الى توقيف رئيس جمعية حماية البيئة بتهمة اعاقة الاستثمار في شهر تشرين الثاني.
لا توثيق
في مسعى نحو إحصاء عدد حالات الانتهاك التي طالت حرية التعبير، لم نستطع الحصول على قائمة رسمية أو متفق عليها من قبل المنظمات الحقوقية التي يبدو أنها لم توثقفها في ملفاتها، الأمر الذي استدعانا إلى التواصل مع نشطاء قاموا بشكل شخصي إحصاء عدد الأشخاص الذي صدرت بحقهم أحكام بسبب تعبيرهم عن آرائهم؛ فقد وصل مجموعهم إلى 33 شخصا، إضافة الى وجود 400 شخص في المعتقلات من التنظيمات الاسلامية.
تنتقد المحامية والناشطة الحقوقية نور الإمام، عدم قيام المنظمات بخطوة التوثيق، معتبرة إياها "ثغرة" تمس جانب هام من حياة المواطنين في التعبير عن حياتهم.
تقييد وتكبيل
رئيس الجمعية الأردنية لحقوق الإنسان، سليمان صويص، يقرأ تسييج الساحات العامة بـ"قيد آخر لقمع الرأي المعارض "اللهم إلا إذا كان المقصود تحويلها إلى "ساحة حرية" أو "هايد بارك" كما سمعنا من مسؤولين قبل بضعة سنوات، ومن ثم تم طمس الفكرة برمتها".
تنتقد المحامية لين الخياط توقيف الأفراد على خلفية تعبيرهم عن الرأي، سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو في الأماكن العامة.
تذكر المحامية نور الامام الى عدم قانونية توقيف أي مواطن على خلفية تعبيره عن الرأي من خلال مواقع التواصل الإجتماعي سواء بالدستور أو إلتزام الأردن في الاتفاقيات الدولية. "حال تضمن النص ذم وشتم وتحقير، يعتقل الشخص اذ حركت ضده شكوى من قبل الشخص الذي تعرض له".
الأردن يحترم الحريات العامة
غير أن المنسق الحكومي لحقوق الإنسان، باسل الطراونة، يقول أن الدولة الأردنية تعمل جاهدة على تطبيق معايير حقوق الإنسان الدولية في منظومته المحلية، وعبر استراتجية وطنية تعطي لحقوق الإنسان الشأن الأكبر ويراعي حريات المواطنين العامة.
لم يفضل الطراونة الحديث عن تفاصيل بعض الأحداث، وذلك من باب عدم اختصاصه غير أنه لا يرى إلا أن ثمة أحكام وقوانين تطبق وهي بالأصل تراعي الصالح العام وحقوق الإنسان على سواء.
الناشط الحقوقي سليمان صويص يدعو السلطات بضرورة حماية الحريات العامة، وبفاعلية أكبر للمجتمع المدني ولجان الحريات في النقابات المهنية وفي مجلس الأمة، "علينا رفع صوت الإحتجاج ضد إحتكار الرأي الواحد الذي عاد من جديد، فحرية التعبير هي ام الحريات، وبتقييدها تضعف قيمة الحريات الاخرى".
علاقة القضاء و التشريعات بالتقييد
"تاريخيا لم تكن المحاكم باستثناء المحاكم العرفية ومحاكم التفتيش وسيلة لقمع الحقوق الاساسية للمواطنين لان الغاية منها ضمان العدالة، لذا فانه يتم التعامل مع محكمة امن الدولة بصورة تخالف الهدف من انشاءها _مع التحفظ على وجود اي جهة قضائية خاصة_ عن طريق تعاملها مع الاشخاص المحولين لها بشكل غير سلمي وربما الهدف منها ايصال رسالة للعامة بان تجاوز خط معين فيما يتعلق بالتعبير سيحول الشخص الى محكمة امن الدولة"، تقول المحامية لين خياط.
بدوره، يوضح صويص موقف الجمعية من محاكمة المدنيين امام امن الدولة: "تعارض الجمعية الأردنية لحقوق الإنسان محاكمة مدنيين أمام محكمة عسكرية وتطالب بإلغاء أو تعديل قانون محكمة امن الدولة بحيث يصبح اسمها محكمة "الامن الوطني"، لتشكل من قضاة مدنيين وتكون جزءاً من القضاء النظامي المدني وتحت سلطة المجلس القضائي وتنظر في القضايا التي تتعلق بالأمن الوطني حصراً".
قانون منع الإرهاب
شهد العام 2011 تعديلا في الدستور الاردني، قضى بأن لا يمثل اي شخص مدني امام اي قاضي عسكري في اي قضية جزائية، حيث نصت الفقرة الثانية من المادة 101 في الدستور"لا يجوز محاكمة أي شخص مدني في قضية جزائية لا يكون جميع قضاتها مدنيين، ويستثنى من ذلك جرائم الخيانة العظمى والتجسس و الإرهاب".
تعتقد المحامية لين خياط أن التعديل لا يعني شيئا أمام الإلتفاف على هذه النصوص من خلال قانون منع الارهاب "على الرغم من انه تم تعديل قانون محكمة امن الدولة الى ان القانون شهد تعديلا بما يتعلق بالهيئات الحاكمة و لا يعدل بما يتعلق بالنيابة العامة اذ يتم التحقيق مع المتهم من قبل مدعي عام عسكري ويصدر قرار الاتهام من قبل مدير القضاء العسكري، ويمكن تسمية ذلك بالظام المختلط لأن من يمثل الحق العام عسكري و من يمثل الهيئة الحاكمة مدني.
وبحسب قانون المحاكمات الجزائية المدعي عام هو قاضي، ووفقا للتعديلات لا يجوز محاكمة المدني امام قضاة عسكريين.
يعتبر الناشط صويص قانون منع الإرهاب قد فرض مزيدا من القيود على الحريات العامة تحت ذريعة ما يسمى "الارهاب"، وإذا كان هناك ثمة حاجة وجود قانون لمواجهة أوضاع معينة مثل أعمال العنف، فإن هذا لا يجوز أن يكون مبرراً لصياغة وتمرير قانون عباراته فضفاضة ومطاطة وحماّلة أوجه يمكن أن تستخدم فعلا ضد من يقوم بأعمال "إرهابية"، ولكنها أيضاً يمكن أن تستخدم ضد النشطاء السياسيين المعارضين للسياسات الحكومية.
غير أن الأحكام التي تصدر بحق معتقلي الرأي في ظل قانون الارهاب "هي افظع من الأحكام التي كانت في عهد الأحكام العرفية" كما يقول المحامي عبد القادر الخطيب، ويتابع:" ان كانوا يعتبرون قانون الارهاب واعتقال كل من يكتب منشورا او مقالا اجراءات وقائية هي على عكس ذلك وهي اجراءات تصنع الارهاب".
كفالة الدستور والاتفاقيات
في السياق، كفلت الفقرة الاولى من المادة 15 في الدستور الأردني:"حرية الرأي و لكل أردني أن يعرب بحرية عن رأيه بالقول و الكتابة و التصوير وسائر وسائل التعبير بشرط أن لا يتجاوز حدود القانون".
تنص المادة التاسعة عشرة من العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية في الفقرة الثانية على:"لكل انسان الحق في التعبير ويشمل هذ الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات و الافكار وتلقيها ونقلها لآخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني او بأي وسيلة أخرى يختارها".
*التقرير بدعم من منظمة صحفيون من أجل حقوق الإنسان الكندية JHR