مسيرة الجمعة
ياسر الزعاترة
جو 24 : لم تحظ مسيرة بذلك الكم من الجدل الذي حظيت به مسيرة أول أمس الجمعة، إذ صوَّرها البعض على أنها نذير فتنة واقتتال، الأمر الذي كان العقلاء يدركون أنه محض تجييش ليس إلا، وأن عمان التي شهدت خلال العقود الماضية مئات المسيرات؛ بعضها أكبر حجما من مسيرة الأمس دون أن تراق قطرة دم واحدة (باستثناء شهيد اعتصام دوار الداخلية)، لن تكون عاجزة عن تمرير مسيرة أخرى بسلام مهما كان حجمها.
الحمد لله أن العقل قد انتصر، وتمكن المنظمون بالتعاون مع قوى الأمن من تمرير المسيرة دون إشكال يذكر، الأمر الذي يهيل التراب على الكثير من حملات التجييش التي صورت الأمر كما لو أن معركة دامية ستدور رحاها وسط عمان بين المعارضة والموالاة.
سيختصم الناس في المسيرة بين من يراها محدودة لم يتجاوز عدد المشاركين فيها عشرة آلاف، وبين من يراها أكثر من حاشدة شارك فيها مئة ألف، وبالطبع على خلفية الموقف السياسي، مع أن تقديرات الوكالات غالبا ما تتباين، وكذلك حال الصحف، وقد رأينا وسنرى أرقاما شتى في الوكالات والصحف والمواقع الإخبارية. ومما رأيناه فإن الرقم الذي وضعه المنظمون للمسيرة قد تحقق إلى حد ما.
سيقول البعض إن رويترز وفرانس برس قالت آلاف، وهذه عادتها إذ كانت تقول عن مليونيات ميدان التحرير آلاف. الجزيرة قالت عشرات الآلاف. العربية نت قالت في العنوان آلاف، وداخل الخبر عشرات الآلاف. أما المحطة فقالت أقل من 10 آلاف، وهكذا دواليك.
في أي حال، فإن ما لا يمكن إنكاره بحال هو أن المسيرة كانت الأضخم منذ انطلاق الحراك الشعبي قبل حوالي عامين رغم أنها انحصرت في الإخوان المسلمين (من بين القوى السياسية)، ومعهم عدد كبير من الحراكات الشعبية من سائر المحافظات.
من جهتها قالت الأوساط الرسمية وستقول إن التسجيل للانتخابات يعكس بدوره وجهة نظر أخرى تقول إن مسار الإصلاح لن يتوقف وأن الانتخابات ستجري دون الإخوان، وأن نسبة التسجيل للانتخابات ( حُشد لها على نحو رهيب) تؤكد أن القناعة بالعملية الإصلاحية كبيرة، مع أن التسجيل في المحافظات (باستثناء عمان والزرقاء وربما إربد) ليس اختياريا بالكامل، بقدر ما هو نتاج العلاقات العائلية والعشائرية، ولا نتجاوز إذا قلنا إن نسبة ممن حضروا مسيرة الأمس قد سجلوا في الانتخابات لأنهم لم يتمكنوا من مواجهة نفوذ الأهل والأقارب. وحتى في المدن الكبرى يحدث أن يسجل الناس لأغراض المجاملة العشائرية.
والحال أن المعادلة ها هنا بالغة التعقيد، إذ أن القناعة ببرنامج المعارضة الداعية لإصلاح حقيقي شيء، والانخراط فيه شيء آخر، وتلك معضلة ستستغرق وقتا حتى يجري حلها في ظل عزوف قطاع واسع من المواطنين عن المشاركة لاعتبارات سبق أن تحدثنا عنها، بخاصة استمرار الجدل حول التوطين والوطن البديل واتهامات المحاصصة السياسية التي يريد ذلك القطاع نفيها، فضلا عن حقيقة أن الطرف الذي شارك بقوة في حراكات الإصلاح لم يقاطع عملية التسجيل، والأرجح أنه لن يقاطع الانتخاب للاعتبارات العشائرية التي أشرنا إليها.
كل ذلك يصبُّ في صالح القوى التي تناهض الإصلاح الحقيقي، لكنه لا يصبُّ في صالح البلاد والعباد. وعموما فإن مرحلة ما بعد الربيع العربي لن تستوعب الإبقاء على الأوضاع القديمة، ولا بد من إصلاحات أكثر إقناعا، لاسيما أن قطار الربيع العربي لا يبدو في وارد التوقف رغم التعثر الذي يعانيه في سوريا، والنتيجة أن الزمن الذي يقبل الناس فيه بديمقراطية الديكور القديمة إياها قد ولّى إلى غير رجعة.
نحمد الله مرة أخرى أن المسيرة قد مرت بسلام، ونتمنى أن ينسحب ذلك على مجمل الحراك الإصلاحي وصولا إلى نتائج تصبُّ في خدمة البلاد والعباد على مختلف الأصعدة.
الدستور
الحمد لله أن العقل قد انتصر، وتمكن المنظمون بالتعاون مع قوى الأمن من تمرير المسيرة دون إشكال يذكر، الأمر الذي يهيل التراب على الكثير من حملات التجييش التي صورت الأمر كما لو أن معركة دامية ستدور رحاها وسط عمان بين المعارضة والموالاة.
سيختصم الناس في المسيرة بين من يراها محدودة لم يتجاوز عدد المشاركين فيها عشرة آلاف، وبين من يراها أكثر من حاشدة شارك فيها مئة ألف، وبالطبع على خلفية الموقف السياسي، مع أن تقديرات الوكالات غالبا ما تتباين، وكذلك حال الصحف، وقد رأينا وسنرى أرقاما شتى في الوكالات والصحف والمواقع الإخبارية. ومما رأيناه فإن الرقم الذي وضعه المنظمون للمسيرة قد تحقق إلى حد ما.
سيقول البعض إن رويترز وفرانس برس قالت آلاف، وهذه عادتها إذ كانت تقول عن مليونيات ميدان التحرير آلاف. الجزيرة قالت عشرات الآلاف. العربية نت قالت في العنوان آلاف، وداخل الخبر عشرات الآلاف. أما المحطة فقالت أقل من 10 آلاف، وهكذا دواليك.
في أي حال، فإن ما لا يمكن إنكاره بحال هو أن المسيرة كانت الأضخم منذ انطلاق الحراك الشعبي قبل حوالي عامين رغم أنها انحصرت في الإخوان المسلمين (من بين القوى السياسية)، ومعهم عدد كبير من الحراكات الشعبية من سائر المحافظات.
من جهتها قالت الأوساط الرسمية وستقول إن التسجيل للانتخابات يعكس بدوره وجهة نظر أخرى تقول إن مسار الإصلاح لن يتوقف وأن الانتخابات ستجري دون الإخوان، وأن نسبة التسجيل للانتخابات ( حُشد لها على نحو رهيب) تؤكد أن القناعة بالعملية الإصلاحية كبيرة، مع أن التسجيل في المحافظات (باستثناء عمان والزرقاء وربما إربد) ليس اختياريا بالكامل، بقدر ما هو نتاج العلاقات العائلية والعشائرية، ولا نتجاوز إذا قلنا إن نسبة ممن حضروا مسيرة الأمس قد سجلوا في الانتخابات لأنهم لم يتمكنوا من مواجهة نفوذ الأهل والأقارب. وحتى في المدن الكبرى يحدث أن يسجل الناس لأغراض المجاملة العشائرية.
والحال أن المعادلة ها هنا بالغة التعقيد، إذ أن القناعة ببرنامج المعارضة الداعية لإصلاح حقيقي شيء، والانخراط فيه شيء آخر، وتلك معضلة ستستغرق وقتا حتى يجري حلها في ظل عزوف قطاع واسع من المواطنين عن المشاركة لاعتبارات سبق أن تحدثنا عنها، بخاصة استمرار الجدل حول التوطين والوطن البديل واتهامات المحاصصة السياسية التي يريد ذلك القطاع نفيها، فضلا عن حقيقة أن الطرف الذي شارك بقوة في حراكات الإصلاح لم يقاطع عملية التسجيل، والأرجح أنه لن يقاطع الانتخاب للاعتبارات العشائرية التي أشرنا إليها.
كل ذلك يصبُّ في صالح القوى التي تناهض الإصلاح الحقيقي، لكنه لا يصبُّ في صالح البلاد والعباد. وعموما فإن مرحلة ما بعد الربيع العربي لن تستوعب الإبقاء على الأوضاع القديمة، ولا بد من إصلاحات أكثر إقناعا، لاسيما أن قطار الربيع العربي لا يبدو في وارد التوقف رغم التعثر الذي يعانيه في سوريا، والنتيجة أن الزمن الذي يقبل الناس فيه بديمقراطية الديكور القديمة إياها قد ولّى إلى غير رجعة.
نحمد الله مرة أخرى أن المسيرة قد مرت بسلام، ونتمنى أن ينسحب ذلك على مجمل الحراك الإصلاحي وصولا إلى نتائج تصبُّ في خدمة البلاد والعباد على مختلف الأصعدة.
الدستور