مذكرات المناضل عبدالعزيز العطّي.. ثلاثة اشياء تراجيدية؟
جو 24 :
الدكتور محمود عواد الدباس .
بالصدفة حصلت على نسخة من مذكرات المناضل الشيوعي ، عبدالعزيز العطّي، الذي رحل عنّا في الثالث من الشهر الجاري ، عن عمر يناهز التسعين عاما . تلك الصدفة كانت في مهرجان الفحيص الــ24 ، في العام الماضي ، 2015م ، خلال حفل التكريم الذي أقيم له ولاخرين ، تقديرا لجهودهم الوطنيّة . في ذلك اليوم ، وزّع المرحوم مذكراته ، على جمهور الحاضرين ، والتي عنونها بـمسمى ذو دلاله ( من شواطىء غزة الى صحراء الجفر )، والتي صدرت في العام 2012م . كان واضحا تماما من مسمّى الكتاب ، أنّ الرجل غزيّ المولد ، وأنّه كذلك كان سجينا سياسيا في سجن الجفر ذائع الصيت ؟. وبصراحة أقول ، لعل ما شدني الى الرجل يوم التكريم ، أنّ دموعه انهمرت حزنا على فلســـطين خلال مداخلته التي قدّمها خلال الحفل ، فالرجل لا يريد أن ينسى ؟.
منذ اليوم التالي لحفل التكريم ، بدأت بقراءة الكتاب ، ولا اخفيكم قولا ، أنّ معدل قراءتي للكتاب ،لم تكن سريعة ، والسبب أن محتوياته لا تريح ؟. كلها هزائم ، واعتقالات، دفاعا عن فلسطين ، وعن الشيوعيّة ، وعن السلام ، كنت كلما قرأت اكثر ، زادت كابتي السياسيّة أكثر، لأن كل تلك التضحيات كانت بلا نتيجة ؟. لكن من جانب اخر ، فقد استفدت كثيرا من الكتاب ، هنالك معلومات تفصليّة جديدة ، لم أكن أعلمها في الجانب السياسي ؟. يعزّز ذلك ، أنّ العطّي ، شيوعي الاتجاه السياسي ، شهد نكبة فلسطين في العام 1948م ، وهو معلم في غزّة ، وايّد قرار تقسيم فلسطين ، كونه عضوا في عصبة التحرّر الوطني الفلسطيني ، انسجاما مع موقف الرفاق في الحزب الشيوعي السوفياتي ، لكنّه عارض وحدة الضفتين في العام 1950م ، قناعة منه و من عصبة التحرّر الوطني وقتها، بوجوب تطبيق الشق الثاني من قرار التقسيم رقم 181 للعام 1947م ، والمتمثّل بقيام الدولة الفلسطينية ، بدلا من حالة الاندماج السياسي مع الدولة الاردنية ،ترجمة لذلك ، قاطعت عصبة التحرّر الوطني ، انتخابات البرلمان الأردني للعام 1950م ، للمصادقة على وحدة الضفتين . وبطبيعة الحال ، وكنتيجة منطقيّة لذلك السبب ، ولوجود قانون محاربة الشيوعيّة ، مكث الرجل على فترات متقاربة متقطعة ، ولشهور طويلة ولسنوات في السجون الاردنية ( المحطّة ، الجفر ، باير )، خلال فترة (1950- 1956م ) ، مرّه حكم بالسجن سنة ، ومرّه حكم بالسجن ثلاث سنوات.
في منتصف الستينيّات من القرن الماضي ، ايّد العطي ، انضمام الحزب الشيوعي الى عضوية منظمة التحرير الفلسطينيّة ، باعتبارها ممثل الشعب العربي الفلسطيني ، كما شارك في العمل الفدائي ، حيث أشرف على قوات الأنصار التابعة للحزب ،ويشير العطّي هنا، الى أنّ الرئيس وصفي التل كان حازما في ضبط الأمور ، مقدّرا للتل موقفه الحاسم ، حينما أعاد له ولعدد من الشيوعيين ، جوازات سفرهم التي حجزت من قبل الأجهزة الامنيّة الأردنيّة . في ذات السياق النضالي عسكريّا، أشرف العطّي في العام 1982م على مشاركة قوات الأنصار الشيوعية في حرب لبنان ، عندما دخلت القوات الأسرائيلية الى العاصمة اللبنانية بيروت . امّا على الصعيد الحزبي ، فقدت رصدت مذكراته الثنائيات المتعددة التي عانى منها الحزب الشيوعي ، وهي ، ثنائية القومي مقابل الامميّ ، وثنائية الأردني مقابل الفلسطيني ، و ثنائية فلسطينيي الداخل في مقابل فلسطينيي الخارج ، كما عرض للانشقاقات التي مرّ بها الحزب خلال فترة 1970م – 1982م .
ضمن مرحلة التحول الديمقراطي التي عاشها الأردن في العام 1989م ، رصدت مذكرات العطّي ، حالات الأنقسام الجديدة، التي اعترت صفوف الحزب الشيوعي الأردني ، والتي ادّت به في نهاية الأمر الى الاستقاله من الحزب في العام 1994م ، نتيجة قناعته بوجود تجاوزات كبيرة لقيادات شيوعيّة (ذائعة الصيت) حسبما يقول ،وشعوره حينها انه اصبح مجرد ديكور حزبي؟. لكنه اكمل طريقه النضالي ، حينما ذهب للعمل ضمن لجنة حق العودة للفلسطينين 1994-2003م ، ومن ثم عودته من جديد ، لتوحيد صفوت الشيوعيين الأردنيين في العام 2006م .
خلّد العطّي في مذكراته العديد من الشهداء والمناضلين الشيوعيين ، ذكر منهم المعلم الشركسي ، عبدالفتاح تولستان والذي قضى نحبه تحت التعذيب ، والطالبة رجاء ابو عماشه ، واشاد برمزية الحزب ، القائد السياسي ، فؤاد نصار ، وشكر المحاميين الذين وقفوا مع الحزب الشيوعي ، كالمحامي ابراهيم بكر ، و يحي حموده ، ولم ينسى اسماء الامنيين الذين تقاطع معهم في عمله النضالي ، فذكر منهم ، محمد علي الاسطة ، والعقيد احمد سعيد .
ختاما. استفدت كثيرا من مذكرات العطّي، واملي أنّ ينتفع بها غيري، ويبقى العنوان الأبرز لتلك المذكرات التراجيدية ،انها تؤرّخ للمأساة التي عاشها الرجل ، فلم تعد فلسطين ، كما فشل السلام ، وسقطت الشيوعية ، وتفرّق الشيوعيون.
الدكتور محمود عواد الدباس .
بالصدفة حصلت على نسخة من مذكرات المناضل الشيوعي ، عبدالعزيز العطّي، الذي رحل عنّا في الثالث من الشهر الجاري ، عن عمر يناهز التسعين عاما . تلك الصدفة كانت في مهرجان الفحيص الــ24 ، في العام الماضي ، 2015م ، خلال حفل التكريم الذي أقيم له ولاخرين ، تقديرا لجهودهم الوطنيّة . في ذلك اليوم ، وزّع المرحوم مذكراته ، على جمهور الحاضرين ، والتي عنونها بـمسمى ذو دلاله ( من شواطىء غزة الى صحراء الجفر )، والتي صدرت في العام 2012م . كان واضحا تماما من مسمّى الكتاب ، أنّ الرجل غزيّ المولد ، وأنّه كذلك كان سجينا سياسيا في سجن الجفر ذائع الصيت ؟. وبصراحة أقول ، لعل ما شدني الى الرجل يوم التكريم ، أنّ دموعه انهمرت حزنا على فلســـطين خلال مداخلته التي قدّمها خلال الحفل ، فالرجل لا يريد أن ينسى ؟.
منذ اليوم التالي لحفل التكريم ، بدأت بقراءة الكتاب ، ولا اخفيكم قولا ، أنّ معدل قراءتي للكتاب ،لم تكن سريعة ، والسبب أن محتوياته لا تريح ؟. كلها هزائم ، واعتقالات، دفاعا عن فلسطين ، وعن الشيوعيّة ، وعن السلام ، كنت كلما قرأت اكثر ، زادت كابتي السياسيّة أكثر، لأن كل تلك التضحيات كانت بلا نتيجة ؟. لكن من جانب اخر ، فقد استفدت كثيرا من الكتاب ، هنالك معلومات تفصليّة جديدة ، لم أكن أعلمها في الجانب السياسي ؟. يعزّز ذلك ، أنّ العطّي ، شيوعي الاتجاه السياسي ، شهد نكبة فلسطين في العام 1948م ، وهو معلم في غزّة ، وايّد قرار تقسيم فلسطين ، كونه عضوا في عصبة التحرّر الوطني الفلسطيني ، انسجاما مع موقف الرفاق في الحزب الشيوعي السوفياتي ، لكنّه عارض وحدة الضفتين في العام 1950م ، قناعة منه و من عصبة التحرّر الوطني وقتها، بوجوب تطبيق الشق الثاني من قرار التقسيم رقم 181 للعام 1947م ، والمتمثّل بقيام الدولة الفلسطينية ، بدلا من حالة الاندماج السياسي مع الدولة الاردنية ،ترجمة لذلك ، قاطعت عصبة التحرّر الوطني ، انتخابات البرلمان الأردني للعام 1950م ، للمصادقة على وحدة الضفتين . وبطبيعة الحال ، وكنتيجة منطقيّة لذلك السبب ، ولوجود قانون محاربة الشيوعيّة ، مكث الرجل على فترات متقاربة متقطعة ، ولشهور طويلة ولسنوات في السجون الاردنية ( المحطّة ، الجفر ، باير )، خلال فترة (1950- 1956م ) ، مرّه حكم بالسجن سنة ، ومرّه حكم بالسجن ثلاث سنوات.
في منتصف الستينيّات من القرن الماضي ، ايّد العطي ، انضمام الحزب الشيوعي الى عضوية منظمة التحرير الفلسطينيّة ، باعتبارها ممثل الشعب العربي الفلسطيني ، كما شارك في العمل الفدائي ، حيث أشرف على قوات الأنصار التابعة للحزب ،ويشير العطّي هنا، الى أنّ الرئيس وصفي التل كان حازما في ضبط الأمور ، مقدّرا للتل موقفه الحاسم ، حينما أعاد له ولعدد من الشيوعيين ، جوازات سفرهم التي حجزت من قبل الأجهزة الامنيّة الأردنيّة . في ذات السياق النضالي عسكريّا، أشرف العطّي في العام 1982م على مشاركة قوات الأنصار الشيوعية في حرب لبنان ، عندما دخلت القوات الأسرائيلية الى العاصمة اللبنانية بيروت . امّا على الصعيد الحزبي ، فقدت رصدت مذكراته الثنائيات المتعددة التي عانى منها الحزب الشيوعي ، وهي ، ثنائية القومي مقابل الامميّ ، وثنائية الأردني مقابل الفلسطيني ، و ثنائية فلسطينيي الداخل في مقابل فلسطينيي الخارج ، كما عرض للانشقاقات التي مرّ بها الحزب خلال فترة 1970م – 1982م .
ضمن مرحلة التحول الديمقراطي التي عاشها الأردن في العام 1989م ، رصدت مذكرات العطّي ، حالات الأنقسام الجديدة، التي اعترت صفوف الحزب الشيوعي الأردني ، والتي ادّت به في نهاية الأمر الى الاستقاله من الحزب في العام 1994م ، نتيجة قناعته بوجود تجاوزات كبيرة لقيادات شيوعيّة (ذائعة الصيت) حسبما يقول ،وشعوره حينها انه اصبح مجرد ديكور حزبي؟. لكنه اكمل طريقه النضالي ، حينما ذهب للعمل ضمن لجنة حق العودة للفلسطينين 1994-2003م ، ومن ثم عودته من جديد ، لتوحيد صفوت الشيوعيين الأردنيين في العام 2006م .
خلّد العطّي في مذكراته العديد من الشهداء والمناضلين الشيوعيين ، ذكر منهم المعلم الشركسي ، عبدالفتاح تولستان والذي قضى نحبه تحت التعذيب ، والطالبة رجاء ابو عماشه ، واشاد برمزية الحزب ، القائد السياسي ، فؤاد نصار ، وشكر المحاميين الذين وقفوا مع الحزب الشيوعي ، كالمحامي ابراهيم بكر ، و يحي حموده ، ولم ينسى اسماء الامنيين الذين تقاطع معهم في عمله النضالي ، فذكر منهم ، محمد علي الاسطة ، والعقيد احمد سعيد .
ختاما. استفدت كثيرا من مذكرات العطّي، واملي أنّ ينتفع بها غيري، ويبقى العنوان الأبرز لتلك المذكرات التراجيدية ،انها تؤرّخ للمأساة التي عاشها الرجل ، فلم تعد فلسطين ، كما فشل السلام ، وسقطت الشيوعية ، وتفرّق الشيوعيون.
تابعو الأردن 24 على 
