مجانية التعليم ومراجل التعتيم ..
اسمحوا لي وانسجاما مع المهنية أن أشير الى بعض مقالات، كتبتها في هذه الزاوية، تتعلق بالحديث عن التعليم العالي والجامعات، وهذه دعوة للزملاء الاعلامين، كي يتزودوا بالمعلومة والرقم قبل أن يقوموا «بالتخميس» كتابة عن التعليم العالي (اقرأوا خطاب الظلام الحقائدي.. المنشور هنا في 2 شباط 2016)، وحين الحديث عن قضايا التعليم العالي، فإنه يشرفني القول بأنني أكثر كاتب في صحافتنا الأردنية يتناول هذا الموضوع، وأفرد له مساحات كبيرة في برنامجي الإذاعي «الاعلام والشأن العام» على أثير الإذاعة الأردنية، ومن يريد التعامي عن هذا فهو شأنه..
ومعذور من لا يرى، وكذلك من لا يدري، ومن لا يريد أن يبحث عن المعلومة، لكنه ليس بمعذور من يتحدث افتراء وبلا معلومة، ويخاطب الناس باعتباره «أبو العريف»، ولا يجهد نفسه بالبحث عن الحقيقة الكاملة، ويكون الحديث سلبيا مؤسفا تضليليا حين ينال صروح التعليم، بحديث يجافي العلمية والمنطق، ويغرق بالاستعراض متحاشيا سرد الرواية الكاملة عن مشاكل التعليم، متناسيا أن تنوير الناس بالمعلومة والحقيقة هو العمل الأكثر قداسة بعد انقطاع الوحي من السماء..
للمرة الأولى أقول: لا يوجد مواطن أردني مثلي او ربما هم قلة؛ الذين لديهم 4 ابناء «بكالوريوس» في الجامعات، من بينهم 2 يدرسون على برنامج الموازي، أحدهم «ضحى بجهده» وترك الجامعة الأردنية بعد مرور 3 سنوات، والسبب «ما في مصاري»، أي انني من أول المنادين بمجانية التعليم والصحة وحرية التفكير والتعبير، ومع احترامي لهم فليعلم الأصدقاء والزملاء هذه الحقيقة، قبل أن يسقطوا في ساحة الغمز واللمز والمزايدات، خصوصا ونحن نتحدث خلال «موسم» سجالات يداهم أي جامعة، عند انتهاء فترة رئيس تلك الجامعة (اقرأوا: هل سيتم الغاء التنافس على المقاعد الجامعية..المنشور هنا بتاريخ 8 تموز 2015)، و(اقرأوا : لا تتعاموا عن هذا الخطر..المنشور هنا بتاريخ 6 آذار الجاري).
«يوجد فرق»؛ بين الأحاديث الصحفية المهنية عبر الدستور، وبين الاحاديث الاعلامية الأخرى، خصوصا حين تكون الاحاديث الاعلامية تعاني ضعف الاعداد وغياب المعلومة وتغييب الرأي الآخر، وللذين يتحدثون عن ارتفاع رسوم الجامعات، ويطالبون بمجانية التعليم وبالعدالة في توزيع المقاعد الجامعية، أنصحهم بمعرفة بعض الأرقام والنسب قبل التحدث عن هذا الموضوع وكأنه مظاهرة أو حديث عن أسعار الخضار والفواكه بعد منخفض قطبي (اقرأوا: انهاء برامج التعليم الموازي في الجامعات.. المنشور هنا بتاريخ 29 تشرين الثاني 2015).
إن كان ثمة مطالبات «نزيهة» بمجانية التعليم أو بخفض الرسوم الجامعية، فالجدير بالمطالب وبالمتحدث دفاعا عنه، أن يعرف الحقائق قبل التحدث افتئاتا عليها وعلى بلاد تعاني سلسلة أزمات، ليس أقلها الأزمات الاقتصادية، ولا يعني هذا أن الرأي الآخر و «الحكمة» محظورتان، فهما ضالة أي باحث عن النور والحقيقة، لكن قبل التحدث مدحا أو ردحا لاستراتيجيات التعليم العالي في الأردن، يجب العلم بأن هذا القطاع يعاني من «تسليعه» أيضا، ويسود بشأن هذا حديث وصراع أجندات (اقرأوا : حرروا التعليم العالي من صراع الأجندات.. المنشور هنا بتاريخ 24 شباط 2015).
التذاكي باستغلال الأزمات طلبا للنجومية والشعبية ليس هدفا اعلاميا مشروعا، بل ربما يكون هدفا سياسيا مبنيا على النهج الديمقراطي، الذي يستند الى أحقية «السياسي المعارض» بانتهاز الفرص، لكنه يصبح محرما ومحاربا حين يتمخض عنه فوضى وتخريب وتعطيل وتضييع للجهود والانجازات وتضليل للرأي العام.
كلنا مع مجانية التعليم وحماية الفقراء، لكننا أيضا مع العدالة بين الناس خصوصا الطلبة الذين يتنافسون على المقاعد الجامعية، فليس من العدالة أن تفعلوا كما فعلت شخصيا حين أحجم ابني عن مقعده الجامعي بالتنافس، وأخذ مقعدا على التعليم الموازي، ولم يتمكن من اكمال دراسته بسبب قلة النقود «هذا خطأنا نحن وليس للبلد ولا للجامعة من ذنب في هذا»، ولو كان بلدنا ثريا وجامعاتنا لا تعاني 160 مليون مديونية لكان لنا حديث آخر.
وللذين لم يقرأوا المقالات المشار اليها، ولم يتمكنوا من حفظ رقم حقيقي واحد(10% فقط من طلاب البرامج العادية هم من يدفعون رسوما للجامعات) أقول :
لا يحق لكم فرض رأيكم على الناس، فهو عبث وتضليل لأنه لا يستند على معلومة حقيقية، أو هو مناكفة وسجال لا يخدمان أية قضية عامة عادلة.
ibqaisi@gmail.com