مفاوضات رام اللـه- أريحا أولا!!
أخبرتنا صحيفة "هآرتس” الصهيونية، أن مفاوضات سرية جرت بين السلطة الفلسطينية وبين الكيان الصهيوني مؤخرا (هناك من يعشقون المفاوضات السرية بالمناسبة، وهم غير من يعتبرون الحياة مفاوضات!!).
في التفاصيل التي ننقلها هنا نصا عن المحرر الأمني في الصحيفة "باراك رابيد” أن المفاوضات تتعلق "بالإعادة التدريجية للسيطرة الأمنية للأجهزة الأمنية الفلسطينية في عدد من مدن الضفة الغربية. وحسب موظفين إسرائيليين رفيعي المستوى ومطلعين على الاتصالات فقد اقترحت إسرائيل أن يتوقف الجيش عن الأعمال (تعني الاقتحامات) في مناطق (أ) باستثناء حالات وجود "قنبلة موقوتة”. واقترحت إسرائيل في المحادثات أن تكون رام الله وأريحا أولى المدن التي يخرج منها الجيش الإسرائيلي. وإذا نجحت هذه الخطوة فتتوسع إلى مدن أخرى في الضفة. وحسب شخصيات رفيعة المستوى، علقت المفاوضات بسبب شروط وضعتها القيادتان السياسيتان في الطرفين. لكنهم أضافوا أن الفرصة لم تفوت بعد”. انتهى كلام الصحيفة.
لا مفاجأة أبدا في هذا التسريب، وهو يبدو منسجما مع التحذيرات (الشكاوى أحيانا) التي أطلقها غير واحد من قادة السلطة والمنظمة بشأن وقف التعاون الأمني في حال استمرت اجتياحات جيش الاحتلال لمناطق (أ)، ومنح مهلة شهر من أجل التوقف عن ذلك، مع التذكير بأن هذا اللون من التهديدات لا يأخذها أحد على محمل الجد بعد أن تكررت مرارا منذ أكثر من 10 سنوات ولغاية الآن.
معروف أن المسار الذي مضى منذ وصول محمود عباس إلى السلطة عام 2004 يتمثل في انسحاب الجيش الإسرائيلي تباعا من مناطق (أ) التي دخلها فيما عرف بعملية "السور الواقي” ربيع العام 2002، مع بقائه على مشارف المدن وفي الحواجز، ومع استمرار دخوله وخروجه متى يشاء لاعتقال شباب المقاومة، وحتى السياسيين العاديين.
اليوم يتم التفاوض من أجل استعادة الوضع الذي كان في العام 2002، أو قريبا منه، ولكن في إطار سياسي هذه المرة، وإن تم تجاهل هذا البعد، أو تم السكوت عنه. وفي حين بدأ مسار أوسلو، بـ”غزة- أريحا أولا”، فسيبدأ المسار الحالي بـ”رام الله- أريحا أولا”، وبالطبع لأن رام الله هي عاصمة السلطة العتيدة ورمز سيادتها، ولأن الوجود الإسرائيلي في أريحا محدود، ولم يخرج منها كثير من المشاكل خلال السنوات الماضية.
نحن إذا أمام استكمال لما كان يتم تباعا منذ رئاسة محمود عباس، ما يشير إلى تكريس المشروع الذي تحدثنا عنه مرارا وتكرارا طوال سنوات، وقلنا إنه الوحيد المطروح على الطاولة والمقبول من فرقاء الساحة الإسرائيلية ممثلا في "الحل الانتقالي بعيد المدى” أو "الدولة المؤقتة”، من دون الحاجة إلى طرح أسماء ومسميات، المهم هو تكريس هذا الحل على الأرض، فيما سيكون بوسع عباس أن يواصل دغدغة عواطف الجماهير بالحديث عن الثوابت، التي لا تغير في حقائق الواقع شيئا، ومن ضمنها استمرار الاستيطان (مفارقة الأيام الماضية هي مصادرة 579 دونما قرب البحر الميت وأريحا لأغراض الاستيطان!!).
إنه المسار الوحيد المتاح سياسيا أمام عباس، وهو يعرف ذلك جيدا، ومضى فيه وهو يدرك تبعاته، وقدم الخطاب اللازم لذلك (انتفاضة الأقصى دمرتنا والتعاون الأمني مصلحة لنا)، وصاغ سلطته ببعديها الأمني والاقتصادي على إيقاع هذا المسار.
سينكر ذلك، ولكن القصة الجديدة ليست سوى تأكيد على لعبة الحل الانتقالي، وتأبيد النزاع، وتحويله إلى مجرد نزاع حدودي بين دولتين؛ إحداهما بلا سيادة على أقل من 10 في المئة من أرض فلسطين التاريخة، والأخرى تسيطر على كل شيء، بما في ذلك سماء ومياه ومعابر الأولى.. وإنها لثورة حتى النصر!!
هذا هو المخطط، أما النجاح فقصة أخرى، فهنا على هذا الأرض شعب أبي لن يقبل هذه المهزلة التي يتم تسويقها يوميا تحت شعار رفض المقاومة والتعاون الأمني واستخدام مبتذل لآية كريمة: "الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف”، وهذه الانتفاضة التي دخلت شهرها السادس تؤكد ذلك.