هل من حل قريب في سوريا؟
ياسر الزعاترة
جو 24 :
الجانب الوحيد الذي أجمع عليه المراقبون في سياق الحديث عن خطوة بوتين بسحب الجزء الأكبر من قواته من سوريا، هو ذلك المتعلق بالضغط على النظام عشية محادثات جنيف من أجل تليين موقفه، لا سيما أن ما صدر عن رأسه الأكبر، فضلا عن الأتباع في جنيف وقبل جينف، من أمثال وليد المعلم وبشار الجعفري يشير لحالة إنكار واضحة للحقائق الموضوعية على الأرض، وأهمها فقدان النظام لسيطرته على ثلاثة أرباع التراب السوري، وحقيقة أنه نظام أقلية لن يستقر حتى لو تمكن من السيطرة على كل الأرض، وبالطبع بعد ما تراكم من ثارات.
هذا البعد طرح، ولا زال يطرح سؤال التسوية المحتملة في ظل التفاهمات الروسية الأمريكية، وهي التفاهمات التي قد تتعزز في المرحلة القادمة، بخاصة بعد تراجع المستنقع الأفغاني، أي ترك بوتين يتخبط في سوريا إلى وقت طويل، نظرا لعدم وجود الكثير من الخسائر على الأمريكان، وحتى الأوروبيين الذين يبدو أنهم وجدوا حلا لمشكلة تدفق اللاجئين بالتفاهم مع تركيا.
لا يعني ذلك أن القصة الأفغانية قد خرجت تماما من التداول، فالانسحاب الروسي لم يتبلور بشكل واضح، وإمكانية العودة ستبقى قائمة (قال بوتين إن بوسعه العودة في غضون 48 ساعة)، والحروب عموما لا تسير مثل لعبة الشطرنج، فقد تحدث تطورات لاحقة تستدعي عودة القوة الروسية، أو ما رحل منها. ولا يجب أن ننسى أن القوة الروسية المتبقية للحفاظ المصالح الروسية لن تكون قليلة، كما أن تعرُّضها لهجوم ما؛ قد يؤدي إلى العودة بروحية الانتقام.
أيا يكن الأمر، فمن المؤكد أن الإنجاز الذي تحدث عنه بوتين يبدو باهتا، وعلينا أن نتذكر أن خطابه كان يتحدث بشكل دائم عن تنظيم الدولة، فيما يبدو واضحا أن الكثير لم يتغير على وضع التنظيم، ومن خسروا عمليا هم من يُسمَّون المعتدلين.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يمكن القول إن التفاهمات الروسية الأمريكية ستكون كفيلة بإنهاء النزاع في سوريا؟ لا يوجد جواب مقنع على هذا السؤال، لا على صعيد الإنجاز ذاته، ولا على صعيد المدة الزمنية المطلوبة لتحقيقه، ويبدو أن تعنت النظام كما تبدى مؤخرا، لا يتعلق ببطولته ورجولته، بقدر ما يتعلق بخيارات أهم الحلفاء، تحديدا إيران وأتباعها، والذين لم يكونوا يريدون أن تتفرد روسيا بالوضع في سوريا، ولا يزالون يرون أن مشروعهم سيغدو في مهب الريح إذا خسروا هذه المعركة، وسيؤثر ذلك على وضعهم الداخلي بعد خسارتهم الكبيرة في الانتخابات.
في ضوء ذلك كله تبدو المعركة طويلة لا تزال، ولا أفق لحل قريب، بخاصة أن الأطراف غير الموجودة على طاولة التفاوض هي الأقوى داخل سوريا، أعني تنظيم الدولة وجبهة النصرة، وهذه لن تغادر مواقعها بسهولة هي التي تبدو خياراتها محدودة، بل ربما معدومة خارج سياق استمرار القتال على أمل انتصار ما لا يبدو متاحا في ظل الوضع الإقليمي والدولي الراهن (تنظيم الدولة يتحدث عن "دابق”، والنصرة عن "الملاحم الكبرى”).
الخلاصة التي يمكن الحديث عنها في ضوء ذلك كله تتمثل في أن إرادة الحل ليست متوفرة عند القوى الأكثر فاعلية على الأرض، وهي تنظيم الدولة والنصرة من جهة (لا يقلل ذلك من أهمية قوىً أخرى خارج هذا التصنيف)، وإيران وتابعيها من جهة أخرى، وما دام الطرف الأول لا يؤمن بأنصاف الحلول، فإن ما سيغير المعادلة هو قناعة الطرف الأخير بالحل الوسط الذي يمكن إنجازه بقوة دفع الشعب ومسانديه، وعندها يمكن إنجازه بعيدا عن السطوة الأمريكية والروسية، ومن خلال تفاهم مع تركيا والسعودية. ربما هذا ما سيحدث لاحقا. متى؟ لا ندري، لأن ذلك مرتبط بتبدد أوهام محافظي إيران، ونأمل أن يحدث ذلك في ظل الأوضاع الراهنة (الانسحاب الروسي، تراجع الحوثي في اليمن، مخاوف فيدرالية الأكراد، والوضع الداخلي بصعود الإصلاحيين أيضا)، وإذا كنا لم نشر إلى تركيا والسعودية، فلأننا ندرك أنهما جاهزتان لتسوية مقبولة تعطي إيران وضعها الطبيعي في المنطقة، بعيدا عن جنون التوسع وغرور القوة.