عندما يفقد صاحب اللقب جمهوره..!!
أجبرني أطفالي على متابعة مباراة مصارعة ورغما عني تابعت المباراة باعتباري "ديمقراطية" وبشغف مصطنع بدأت أشجع المصارع "حامل اللقب" فيما كان زمرة المشجعين بالمنزل يهتفون بحماسة أشعرتني أني اعيش أجواء النزال.
الجمهور بدا متحمسا ومنحازا لصاحب اللقب الذي كان يصول ويجول بالحلبة كأسد مفترس وكان الحماس يزلزل ساحة نزال لعبة لم احبها يوماً.
المشهد انقلب بشكل تدريجي بعد أن بدأ "حامل اللقب" يقترب من النيل من خصمه فازدادت شراسته وقسوته، ودفعه غروره ليبطش بمن ينازله ضاربا عرض الحائط بقوانين واصول اللعبة، مستمداً شرعية اللاشرعية من جمهوره المتحمس.
الحلبة تحولت لساحة بطلها "الواحد" ينفرد بتوجيه اللكمات المتتالية دون رحمة او شفقة، وهنا بدأ الخصم يترنح، لتتغير المعادلة وتخفت الهتافات الحماسية وتعود فتنقلب على صاحبها بالشتيمة وهتافات الاستنكار القاسية.
اطفالي جزء لا يتجزأ من جمهور صاحب اللقب خاب ظنهم وبدت خيبة الأمل واضحة على ملامحهم ليشرحوا لي أسباب انقلابهم.." كنا نشجعه عندما كان يحترم القوانين بخصومته لكن استقواءه على خصمه أشعرنا بمدى ضعفه ونحن لا نشجع الضعفاء".
انتصر صاحب اللقب وأبقى على حزام البطولة الا انه خسر جمهوره.
وباعتبارهم يدركون المعنى الحقيقي للديمقراطية، سمح لي أبنائي بعد النزال الشرس بأن أشاهد فيلما شاهدته غير مرة "بريف هارت" والذي جسد فيه الممثل ميل غيبسون دور البطل الثائر.
في المشهد الأخير للفيلم يحضر جمهور عريض تعذيب البطل الذي يحاول جلاده أن يدفعه لطلب الرحمة مقابل اطلاق سراحه والعفو عنه..
البطل واجه شتى انواع التعذيب على الملأ، ففي البداية كان الجمهور يتلذذ بتلك المشاهد الا انه وامام اصرار البطل على عدم الاستسلام وطلب الرحمة، بدأ عن يتراجع موقفه شيئاً فشيئاً ليصرخ عدد كبير منهم "الرحمة".
الجمهور الذي جاء ليتلذذ بمشاهد تعذيب البطل انقلب لمناصر ومؤيد له على حين غرة، لينطق كلمته التي ختم بها الفيلم "حرية".
في الحالتين انقلب الجمهور، الا ان انقلابه في الحالة الأولى جاء تعاطفياً، أما في الثانية فكان اعجاباً بمدى شجاعة البطل، ولكن في الحاليتن خسر صاحب اللقب جمهوره.
صاحب اللقب لا تعول كثيرا على جمهورك فهو ينقلب على حين غرة إن كان خصمك أضعف أوأكثر شجاعة منك !!