الموقف المصري من إيران بعد زيارة العاهل السعودي
من جديد يعود سؤال العلاقة المصرية السعودية إلى الواجهة، وذلك إثر زيارة العاهل السعودي الطويلة والاحتفالية للقاهرة، وهي الزيارة التي استحوذت على اهتمام وسائل الإعلام المصرية على نحو مثير، حتى بدا أن الأخيرة تعزف نشيدا واحدا في الترحيب والإشادة،
والحال أن السؤال المذكور لم يغب طال العامين الماضيين، وتحديدا منذ قررت السعودية إلقاء ثقلها في المواجهة مع إيران، بدءا بعاصفة الحزم، وليس انتهاء بتصدرها لمشهد المواجهة السياسية في سوريا ولبنان، فضلا عن العلاقة مع كثير من قوى المعارضة كما تأكد في مؤتمر الرياض.
في هذه المعركة الحامية الوطيس، بدا الموقف المصري غائبا، من دون أن يكون منحازا للطرف الإيراني بشكل واضح، ربما باستثناء تصريحات تخص النظام السوري ودعم التدخل الروسي، لكن عدم الانحياز كان بالنسبة لطهران موقفا يستحق الإشادة، وهو ما تكرر مرارا على لسان بشار الأسد نفسه، فيما تعكسه وسائل الإعلام الإيرانية والتابعة بشكل دائم.
وعندما نتحدث عن إشادة بشار بالسياسة المصرية، فنحن نتحدث عما يستدعي هذه الإشادة، وحين نتذكر أن الصراع في سوريا هو الأهم في المواجهة مع المشروع الإيراني، حتى بوجود معركة في اليمن الذي يمثل خاصرة السعودية،
من الصعب الجزم بدوافع الموقف المصري، وما إذا كان جزءا من الشعور بصعوبة الوقوف خلف زعامة سعودية للوضع العربي، وحيث ترى القاهرة أنها الزعيم التاريخي والتقليدي للوضع العربي، أم أن للأمر حسابات أخرى تتعلق بمكاسب من إيران نفسها، قد تكون غير منظورة، أو من تحت الطاولة، لكن النتيجة تبقى هي ذاتها ممثلة في الخذلان إن جاز التعبير.
الآن، وبعد زيارة العاهل السعودي للقاهرة، وما حملته من احتفاء، أصبح بالإمكان طرح السؤال من جديد، من دون الجزم بالإجابة، لكن إمكانية تغير الموقف المصري هذه المرة تبدو واردة، وما صدر من انتقادات مصرية للتدخلات الإيرانية بشؤون المنطقة قد يكون مقدمة.
الشيء الأكيد هو أن التفاهم بين القاهرة والرياض على رؤية واستراتيجية لمواجهة المشروع الإيراني سيكون في مصلحة الجميع، بما فيها إيران نفسها التي ستقصّر مدى نزيفها بدل أن تطيله؛ وهو ذاته نزيف المنطقة كلها دون شك.
إن موقف النظام المصري من المواجهة مع المشروع الإيراني يظل مهما إلى حد كبير، وحاله الراهن (مع مواقف عربية أخرى) هو الذي يغري إيران بالغطرسة ويمنحها الأمل بالانتصار، مع أنه أمل كاذب، ولن يعني غير إطالة النزيف أكثر فأكثر، وفي حال شعر "محافظوها” أن مصر بثقلها ستنتقل إلى المربع الآخر إذا لم يقبلوا بتسوية شاملة لكل الملفات العالقة، فربما يغيرون رأيهم.
هناك ملامح تغير في الموقف المصري من الجنون الإيراني، لكن الجزم بتغير شامل يبدو صعبا. لكن المؤكد هو أن دور مصر سيبقى بالغ الأهمية، ، ما يعني أن بقاءه على الحال الراهن سيعني أن المواجهة ستطول في عموم المنطقة، وسيدفع الجميع بما في ذلك إيران ثمنا أكبر بكثير مما دُفع لغاية الآن.