هل يقبل الملك بالتعديلات الدستورية؟
اسلام الحرحشي
جو 24 :
أن المبادئ والقواعد القانونية تقضي بأنه ( أينما تكون السلطة تكون المسؤولية) وعليه فان المادة (30) من الدستور تقتضي بأن الملك هو رأس الدولة وهو مصون من كل تبعة ومسؤولية، وهذا النص الدستوري لم يكن ابتكاراً تشريعياً أردنياً، فهذا النص مقتبس من الدستور البلجيكي الذي يعتبر المصدر التاريخي للدستور الأردني، ولكن لماذا يحكم الدستور البلجيكي بصون ملك المملكة البلجيكية من كل تبعة ومسؤولية؟
الجواب هنا بكل بساطة هو أن ملك المملكة البلجيكية معفي من التبعة والمسؤولية عن أعمال السلطات العامة في الدولة لأنه لا يتولى أية سلطة ، فالسلطة التنفيذية تناط بملك المملكة البلجيكية، ولكن الملك لا يتولاها بنفسه، بل يتولاها بواسطة وزرائه (مجلس الوزراء)، وهؤلاء الوزراء في المملكة البلجيكية لا يعينهم ملك المملكة البلجيكية بإرادة منفردة، بل يجب عليه بموجب الدستور البلجيكي أن يعين الوزراء الذين تختارهم الأغلبية المطلقة في مجلس النواب.
وأما مجلس النواب البلجيكي الذي يختاره الشعب البلجيكي فهو مجلس سيد نفسه قولاً وعملاً، ولا يملك ملك المملكة البلجيكية سلطة حله بإرادة منفردة متى شاء، بل هناك قيود موضوعية على حل هذا المجلس، وقد حددها الدستور البلجيكي
وعن السلطة القضائية في المملكة البلجيكية فلا يتدخل ملك المملكة البلجيكية في هذه السلطة من قريب أو بعيد، فلا يملك سلطة اختيار أو التدخل باختيار القضاة أو الهيئات والمؤسسات القضائية المشرفة على القضاء
من أجل ذلك كله فإن تضمين الدستور البلجيكي نصاً يحكم بصون ملك المملكة البلجيكية من كل تبعة ومسؤولية، كان أمراً منطقياً وسائغاً ويتناسب مع الأصول والمبادئ التشريعية التي تحكم نظام الحكم الديمقراطي البرلماني الذي يقوم على ستة أركان، تتمثل بـ ممارسة البرلمان لسلطة فعلية، و، توقيت عضوية البرلمان بفترة معينة، و استقلال البرلمان أثناء مدة نيابته عن هيئة الناخبين، والنائب يمثل الأمة جميعها في البرلمان وليس دائرته الانتخابية فقط، و رئيس دولة لا يتولى السلطة بنفسه ولكن من خلال وزرائه ولهذا فهو مصون وغير مسؤول عن أعمال الحكومة، والسادس الحكومة والوزراء مسؤولون أمام البرلمان.
نلحظ هنا ان تباين واضح بين أحكام الدستور البلجيكي الذي يتبنى نظام الحكم البرلماني نصاً وعملاً، ونصوصه منسجمة مع بعضها البعض في هذا التوجه، وبين الدستور الأردني الذي توحي المادة الأولى منه أنه يتبنى نظام الحكم البرلماني، حيث جاء في المادة الاولى من الدستور الأردني أن (نظام الحكم نيابي ملكي وراثي)، ولكن عندما نأتي إلى المواد التي تنشئ السلطات وتوزعها عمليا في الدستور نجد أن المادة (35) من الدستور تقضي بأن ملك المملكة الأردنية هو وحده له حق تعيين رئيس مجلس الوزراء وله وحده حق اقالته وقبول استقالته، وله وحده حق تعيين الوزراء وإقالتهم قبول استقالتهم بناء على تنسيب رئيس الوزراء الذي له وحده حق اقالته وقبول استقالته ، وبالتالي فهذه المادة تعطي ملك المملكة الأردنية سلطة مطلقة بتشكيل الحكومة وإقالتها وقبول استقالتها، وعليه فإن ما جاء في المادة الاولى من نص (نيابي) فهو لا يرتب حكماً عملياً وليس له أثر في الواقع.
وأما مجلس النواب الأردني الذي ينتخبه الشعب الأردني، فهو لا يعبر عن سلطة الشعب وسيادة الشعب أو الأمة كما جاء شكلياً في الدستور، فهذا المجلس (مجلس النواب) الذي من المفترض أن يكون سيد نفسه ومن المفترض أن يعبر إرادة الشعب الأردني، يملك ملك المملكة الأردنية وحده سلطة حله في أي وقت ودون إبداء الأسباب ودون أي معقب.
في النهاية ، المبادئ والقواعد القانونية تقضي بأنه (أينما تكون السلطة تكون المسؤولية)، وحيث أن ملك المملكة الأردنية بموجب الدستور يتولى السلطة بنفسه في بعض الأحيان، وحيث أنه بموجب التعديلات الدستورية التي سبقت والمقترحة الآن ستتم الزيادة والتوسع في تلك السلطات، الأمر الذي يجب معه إعادة النظر في الحكم الدستوري الذي يقضي بأن ملك المملكة الأردنية هو رأس الدولة وهو مصون من كل تبعة ومسؤولية، فهذا الحكم أصبح حكماً غير منطقي وغير سائغ، وأصبح حكماً يتعارض مع كلام الملك عبدالله الثاني في أوراقه النقاشية، وأصبح حكماً يتعارض مع الأصول والمبادئ التشريعية التي تحكم نظام الحكم الديمقراطي البرلماني الذي يقوم على الأركان الستة على نحو ما تم بيانه.