مفتي السعودية: يجب هدم كل الكنائس في الجزيرة العربية، ولا يجتمع في جزيرة العرب دينان
سُئل المفتي العام رئيس هيئة كبار العلماء ورئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء خلال لقائه في 9 آذار/ مارس وفدا من "جمعية إحياء التراث الإسلامي" الكويتية، وهي هيئة وهّابية متشدّدة، "خرجت عندنا دعوات من أعضاء البرلمان الكويتي إلى منع أو هدم الكنائس. فما صحة هذه الدعوات في ميزان الشريعة؟".
وأجاب المفتي حرفيا "الكويت جزء من الجزيرة. والجزيرة العربية يجب أن تهدم كل ما فيها من الكنائس لأن هذه الكنائس اقرارها اقرار لدين غير الإسلام، والنبي صلى الله عليه وسلم أمرنا وقال 'لا يجتمع في جزيرة العرب دينان'. فبناؤها في الأصل لا يصح لأن هذه الجزيرة يجب أن تخلو من هذا كله".
ولم يحظ هذا الكلام باهتمام يذكر من جانب وسائل الإعلام الغربية التي تعوّدت على ترصّد تصريحات المفتي باعتباره أحد أبرز الزعماء الدينيين في العالم الإسلامي، لكن عشرات المواقع الإلكترونية الإسرائيلية تلاقفتها لتصبّ جام حقدها على العرب والمسلمين.
وتزامنت تصريحات المفتي مع نشر السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة، مايكل أورين، مقالا مطوّلا في صحيفة الـ"وول ستريت جورنال" الأميركية، يقول فيه بأن "التمييز العربي ضد الأقليات المسيحية أصبح ظاهرة سائدة على نحو متزايد في كل أنحاء العالم العربي".
ويضيف أورين أن "المكان الوحيد في الشرق الأوسط الذي لا يتعرض فيه المسيحيون لخطر، بل يزدهرون فيه، هو إسرائيل".
وبالطّبع استعانت الموقع الإسرائيلية بهذا الكلام في تقاريرها النّارية حول فتوى آل الشيخ، للنّيل من الإسلام.
اتّفقت هذه المواقع على القول بأن المفتي ليس من حقّه الكلام عن هدم الكنائس لأن الحكومة السعودية لا تسمح أبدا للمسيحيين، الذين يشكلون جزاء لا يستهان به من السكان، ببناء كنائس في المملكة، بل لا تسمح لهم بممارسة طقوسهم الدّينية أو بأن يلتقوا في جماعات للصلاة او الاحتفال بأي عيد مسيحي.
والمفارقة هي أن "حوار الأديان" كان قد انطلق من المملكة العربية السعودية، بمبادرة شخصية من العاهل السعودي، الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي سعى في عدة محافل دولية إلى إشاعة التسامح بين أتباع الديانات السماوية.
وتمخضت جهود الملك عبد الله على عقد عدة مؤتمرات للحوار بين الأديان، من أهمها مؤتمر في مدريد وآخر في واشنطن وآخر في جنيف. كما قام الملك عبد الله بزيارة الفاتيكان. وتعالت على إثر هذه المبادرات عدة أصوات منادية بمنح "خادم الحرمين الشريفين" جائزة نوبل للسلام، تقديراً لجهوده وحرصه على إشاعة التسامح.
ولكن كثيراً من المنتقدين للمملكة، وخاصة عدد من منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان، زعموا أن تلك المبادرات هي بسبب "الضغوط الدولية" على السعودية منذ احداث الحادي عشر من سبتمبر/ايلول 2001. وتساءل بعضهم كيف تأتي مبادرة حوار الأديان من اكثر الدول ممارسة لسياسة محاربة للتعددية الدينية وتهميشا للأقليات الدينية المحلية.
غير أن المعترضين على هذه الإنتقادات أكّدوا أن المملكة، البلد الذي نزل فيها الوحي السماوي بالديانة الإسلامية، لا يجتمع فيها دينان.
وأثارت الفتوی كذلك حفيظة العديد من الأوساط المسيحية. فقال ألكسندر لوسي-سميث، وهو قسّ كاثوليكي حاصل على دكتوراه في الأخلاقيات، مقالا في صحيفة "كاثوليك هيرالد" البريطانية " من المؤكد أن دعوة المفتي ستؤخذ على محمل الجد من قبل كثيرين. ويتعين علينا نحن أيضا أن نأخذها على محمل الجد".
وأضاف القسّ"حرية المسيحيين في أن يتعبدوا وان يلتقوا وينظموا أنفسهم وان يمتلكوا دور عبادتهم هي حقوق ليست قابلة للتفاوض. ويتعين على المسلمين أن يمنحوا نفس الحريات التي يمنحها المسيحيون للمسلمين. ومثلما سمحت الدولة الإيطالية ببناء مسجد في روما، مدينتنا المقدسة، يتعين أن يسمح لنا أيضا ببناء كنيسة في الرياض او حتى في مكة" المكرّمة.
وتساءل "في المرة التالية التي يزور فيها رئيس الوزراء ديفيد كاميرون الرياض هل سيذكر محنة المسيحيين السعوديين لمضيفيه؟... أشك في ذلك".
كما نشرت صحيفة الـ"واشنطن تايمز" مقالا لأندرو ستتافورد يقول فيه "إذا دعا بابا الفاتيكان إلى تدمير كل المساجد في أوروبا، ستكون هناك ضجة عنيفة وسيوجه النقاد انتقادات للكنيسة وسيندفع البيت الأبيض إلى إصدار بيان يعبر فيه عن قلقه العميق. ولكن عندما يصدر أكثر الزعماء نفوذا في العالم الإسلامي فتوى بتدمير الكنائس يكون الصمت مطبقا".
وأضاف الكاتب "المفتي الأكبر في السعودية (...) هو واحد من ابرز الزعماء الدينيين في العالم الإسلامي وهو لا يرتب التزاما دينيا على أولئك الذين له سلطة مباشرة عليهم فحسب، بل يشير أيضا للآخرين في العالم العالم الإسلامي بأن تدمير الكنائس ليس أمرا مباحا فقط بل انه إلزامي".
وعوّضت عدّة مواقع إلكترونية شيعية عن صمت وكالات الأنباء العالمية عن "فتوى هدم الكنائس". ومن بين هذه المواقع "وكالة أهل البيت للأنباء" و"الشيعة اليوم".
وينقل الموقعان عن راديو "اوستن" النرويجي أن الفتوى "لم تصدر بشكل عفوي من آل الشيخ لأنه يخضع وبشكل كامل الى سياسة اسرة ال سعود. فهي فتوى مسيّسة هدفها الاول والأخير اثارة مزيد من الفوضى والقلائل الطائفية في الشرق الأوسط. وهذا يکون بشكل كامل في خدمة المشروع الاسرائيلي ــ الاميركي لإثارة النزاعات وصولا الى ترسيم جديد للخارطة السياسية في المنطقة والتي من شانها ان تخدم اسرائيل وتؤمّن بقاءها في ظل الصّحوات الاسلامية التي تهدد أمنها وأمن النظام السعودي".
وأضاف الموقعان ان آل الشيخ "لم يكن ليجرؤ على اطلاق هذه الفتوى دون ان يحصل على اذن من حكامه الذين يعتبرهم، حسب المذهب الوهابي، 'هم ولاة الأمر' ويجب إطاعتهم". كما "يُذكّرا" بأن "مفتي النظام السعودي لم يصدر هو لا أي عضو في هيئة كبار العلماء فتوى ضد اسرائيل تجيز قتالها والرد على جرائمها".
وينقلان كذلك عن مواقع التواصل الاجتماعي تنديد اوساط سياسية وإعلامية كويتية بالفتوى التي اعتبروها "تدخّلا بشؤون الكويت لأنها تحرض المجموعات الوهابية التي تعتبر مفتي السعودي مرجعا دينيا لهم على حرق وهدم الكنائس في الكويت".
وقد اجتاحت الكنائس دول الخليج في السنوات الأخيرة، فيما عدا السعودية. وكانت آخر كنيسة من نصيب رأس الخيمة بالإمارات العربية المتحدة، وهي كنيسة أنجليكانية تتسع لـحوالي ألفين زائر بُنيت على أرض تمسح 5600 متر مربع قدمها حاكم الإمارة كهدية، كما أفاد راديو الفاتيكان.
وكان البابا شنودة، الذي عُرف بدفاعه عن التسامح الديني، قد قام في نيسان/ ابريل 2007 بتدشين أول كنيسة في مدينة أبوظبي.
وتشهد جزيرة بني ياس، الواقعة غرب أبو ظبي، حاليا حملة أثريّة للكشف عن المزيد من أجزاء دير تابع للكنيسة النسطورية يعود بناءه إلى ما بين القرن السادس والسابع الميلادي.
وكانت حملة الإستكشافات قد بدأت في عهد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس الإمارات، الذي كان مدافعا قويا عن التسامح الديني، بل ومنح الأراضي في أبوظبي من أجل بناء الكنائس المسيحية، بحسب مؤسّسة "صحيفة الفن" ورئيسة تحريرها، آنا سومرز كوكس.
واليوم تقدّم أبوظبي الدّعم لمزيد من التّنقيب في الموقع ولمزيد من الاستكشافات "لجعل جزيرة بني ياس نقطة جذب تستحق الزيارة".
وتضيف آنا سومرز كوكس في عدد آذار/ مارس من الصحيفة الصادرة في لندن "في شرق أوسط تعاني فيه الكنائس المسيحية من عدائية متزايدة، فإن لهذه الحملة الأثرية أهمية تتجاوز الاهتمامات البحثية وهي مكافأة لتسامح الإمارات".
(الشرق الاوسط)