افتحوا بيوتكم للسوريين
فهمي هويدي
جو 24 : لا يكاد المرء يصدق عينيه حين يرى أن السوريين أدرجوا ضمن الشعوب المنكوبة والمبتلاة بالتشرد واللجوء. على الأقل فذلك ما تشي به إعلانات لجنة الإغاثة التابعة لاتحاد الأطباء العرب التي نشرتها الصحف المصرية مؤخرا مع اقتراب عيد الأضحى. إذ تضمنت بيانا بالمناطق المنكوبة التي توجه إليها الأضاحي. وقيمة الأضحية في كل منها. وكنا قد اعتدنا أن نقرأ في القائمة أسماء بعض الدول الأفريقية والمخيمات الفلسطينية، إضافة إلى تجمعات الفقراء والمعدمين في مصر، إلا أنها المرة الأولى التي طالعنا فيها عنوانين جديدين: المخيمات السورية، والداخل السوري.
صحيح أن خبر الكارثة في سوريا ليس جديدا، وصحف الصباح تنعى إلينا كل يوم أعداد مئات القتلى الذين يفترسهم النظام، كما أننا نتابع على مدار النهار صور الدمار والغارات التي تشنها الطائرات التي تطلق الصواريخ والقنابل العنقودية فلا ينجو منها بشر أو حجر. لكن ذلك كله في كفة وأن يتحول مئات الألوف الذين فرض عليهم اللجوء والتشرد في كفة أخرى. أدري أن الحي أبقى من الميت كما تقول أمثالنا الدارجة، لكن ذلك لا ينسحب على الجميع، لأن الأخير يموت مرة واحدة، لكن بعض الأحياء الذين يعانون من العذاب المقيم يموتون كل يوم. كأنما كتبت الراحة للأول في حين كتب الشقاء والتعاسة على الآخرين. لكني مع ذلك أزعم أن السوريين حالة خاصة، وتلك الخصوصية هي التي جعلتني أصدم حين وقعت عيناي على الإعلان المذكور. ذلك أنه ما خطر ببالي يوما ما أن يكون بين السوريين مشردون ولاجئون. وهم الذين ظلوا مفتوحي الأذرع والقلوب لكل من لجأ إليهم. فبيوتهم كانت ملاذا لكل عربي يبحث عن مأوى.
ولربما كانت سوريا هي البلد الوحيد الذي لم يقم خياما للاجئين، لأن العربي ظل دائما «صاحب بيت» هناك. هكذا تعاملوا مع الفلسطينيين والعراقيين واللبنانيين واليمنيين وغيرهم.
وسواء كان ذلك راجعا لاعتبارات تتعلق بالتاريخ، حين كانت دمشق عاصمة الأمويين وحاضرة العرب ورمز كبريائهم وعزتهم، أو لاعتبارات تتعلق بخصال أهل بلاد الشام الأشد اعتزازا بعروبتهم والأكثر تمثلا لمروءتهم وشهامتهم ونبل شمائلهم، أو كان راجعا لامتزاج العاملين معا، فالشاهد أن ذلك أضفي سمات خاصة للشعب السوري. إلى جانب كونه شعبا دؤوبا وعالى الهمة.
شعب بهذه الشمائل والخصال لا يستحق أن يهان بالاستبداد الذي خضع له طوال العقود الخمسة الماضية، ولا أن يذل في نهاية المطاف سواء بالقمع الوحشي الذي يتعرض له أهل الداخل، ولا بالتشرد واللجوء الذي يعاني منه من اضطروا إلى النزوح إلى الخارج. ومعلوماتي أن النازحين في الداخل وصل عددهم إلى مليون ونصف المليون شخص. وأن اللاجئين إلى الخارج بعد الثورة تجاوز عددهم مليونا، يتوزعون على خمسة أقطار هي: تركيا والعراق والأردن ولبنان ومصر. وهذه ليست أرقاما رسمية، لأن اللاجئين إلى الخارج المسجلين لدى الأمم المتحدة نحو 350 ألفا فقط، وهؤلاء هم الذين تم إيواؤهم في المخيمات، أما الذين دبروا حالهم واجتازوا الحدود إلى الأقطار المجاورة فهم خمسة أضعاف ذلك الرقم على الأقل.
فالرقم الرسمي للاجئين في تركيا مثلا يزيد قليلا على مائة ألف، لكن الرقم الحقيقي في حدود نصف مليون، علما بأن البلدين كانا قد ألغيا تأشيرات الدخول فيما بينهما في مرحلة الصفاء التي سبقت انفجار غضب الشعب السوري في العام الماضي.
ينتاب المرء شعور بالحزن حين تتجمع لديه المعلومات التي تتحدث عن معاناة السوريين في الداخل والخارج، فهؤلاء وهؤلاء أصبحوا يعانون من شظف العيش من جراء انقطاع الموارد، خصوصا الذين منهم في الداخل، حتى قيل لي إن المجاعة أصبحت تهددهم والأمراض صارت تفتك بهم. وهناك قلق بالغ على الجميع ـ في الداخل والخارج ـ من حلول الشتاء الذي يهددهم صقيعه بالتجمد. سواء من كان منهم يعيش في البيوت المهدمة بلا غاز أو تيار كهربائي، أو كانوا يعيشون في الخيام التي لا تحميهم من البرد القارص.
ينضاف الخزي إلى الحزن حين يعرف المرء أنهم يتعذبون في مخيم الزعتري الذي أقامته لهم الأردن، الذي يتعرض للعواصف الرملية طوال الوقت فضلا عن أن حكومة الأردن غير قادرة على إعاشتهم بسبب ضعف مواردها.
وحين تتسرب الأنباء عن سوء معاملتهم والتضييق عليهم في العراق، الذي تؤيد حكومته نظام الأسد ملتزمة في ذلك بموقف إيران. علما بأن بعض القادة العراقيين ومنهم رئيس الوزراء الحالي نورى المالكي كانوا لاجئين في دمشق أيام صدام حسين. وهم
في تركيا أفضل حالا نسبيا لكنهم لم يسلموا من اعتداءات العلويين الأتراك الموالين للنظام السوري. ولذلك تم نقل خيامهم بعيدا عنهم. ولا يزال الخوف عليهم شديدا من قسوة البرد القادم.
في لبنان لا يستشعرون أمانا لأنهم يظلون في متناول الأجهزة السورية وما أدراك ما هي. إلا أنهم أكثر راحة في مصر رغم أن الذين وفدوا إليها في حدود 150 ألفا فقط. فقد تم إعفاؤهم من تأشيرات الدخول وقيود الإقامة. كما صدرت التعليمات بمعاملتهم معاملة المصريين في مجالي التعليم والصحة. وقيل لى إن مصر بصدد إرسال معلمين للغة العربية إلى تركيا لإلحاقهم بالمدارس التي أقيمت للسوريين هناك.
إن للشعب السوري دينا في أعناق العرب هذا أوان سداده. ليتنا جميعا نفتح بيوتنا لهم.. ونفتح لهم أذرعنا كي نحتضنهم حيثما كانوا."السبيل"
صحيح أن خبر الكارثة في سوريا ليس جديدا، وصحف الصباح تنعى إلينا كل يوم أعداد مئات القتلى الذين يفترسهم النظام، كما أننا نتابع على مدار النهار صور الدمار والغارات التي تشنها الطائرات التي تطلق الصواريخ والقنابل العنقودية فلا ينجو منها بشر أو حجر. لكن ذلك كله في كفة وأن يتحول مئات الألوف الذين فرض عليهم اللجوء والتشرد في كفة أخرى. أدري أن الحي أبقى من الميت كما تقول أمثالنا الدارجة، لكن ذلك لا ينسحب على الجميع، لأن الأخير يموت مرة واحدة، لكن بعض الأحياء الذين يعانون من العذاب المقيم يموتون كل يوم. كأنما كتبت الراحة للأول في حين كتب الشقاء والتعاسة على الآخرين. لكني مع ذلك أزعم أن السوريين حالة خاصة، وتلك الخصوصية هي التي جعلتني أصدم حين وقعت عيناي على الإعلان المذكور. ذلك أنه ما خطر ببالي يوما ما أن يكون بين السوريين مشردون ولاجئون. وهم الذين ظلوا مفتوحي الأذرع والقلوب لكل من لجأ إليهم. فبيوتهم كانت ملاذا لكل عربي يبحث عن مأوى.
ولربما كانت سوريا هي البلد الوحيد الذي لم يقم خياما للاجئين، لأن العربي ظل دائما «صاحب بيت» هناك. هكذا تعاملوا مع الفلسطينيين والعراقيين واللبنانيين واليمنيين وغيرهم.
وسواء كان ذلك راجعا لاعتبارات تتعلق بالتاريخ، حين كانت دمشق عاصمة الأمويين وحاضرة العرب ورمز كبريائهم وعزتهم، أو لاعتبارات تتعلق بخصال أهل بلاد الشام الأشد اعتزازا بعروبتهم والأكثر تمثلا لمروءتهم وشهامتهم ونبل شمائلهم، أو كان راجعا لامتزاج العاملين معا، فالشاهد أن ذلك أضفي سمات خاصة للشعب السوري. إلى جانب كونه شعبا دؤوبا وعالى الهمة.
شعب بهذه الشمائل والخصال لا يستحق أن يهان بالاستبداد الذي خضع له طوال العقود الخمسة الماضية، ولا أن يذل في نهاية المطاف سواء بالقمع الوحشي الذي يتعرض له أهل الداخل، ولا بالتشرد واللجوء الذي يعاني منه من اضطروا إلى النزوح إلى الخارج. ومعلوماتي أن النازحين في الداخل وصل عددهم إلى مليون ونصف المليون شخص. وأن اللاجئين إلى الخارج بعد الثورة تجاوز عددهم مليونا، يتوزعون على خمسة أقطار هي: تركيا والعراق والأردن ولبنان ومصر. وهذه ليست أرقاما رسمية، لأن اللاجئين إلى الخارج المسجلين لدى الأمم المتحدة نحو 350 ألفا فقط، وهؤلاء هم الذين تم إيواؤهم في المخيمات، أما الذين دبروا حالهم واجتازوا الحدود إلى الأقطار المجاورة فهم خمسة أضعاف ذلك الرقم على الأقل.
فالرقم الرسمي للاجئين في تركيا مثلا يزيد قليلا على مائة ألف، لكن الرقم الحقيقي في حدود نصف مليون، علما بأن البلدين كانا قد ألغيا تأشيرات الدخول فيما بينهما في مرحلة الصفاء التي سبقت انفجار غضب الشعب السوري في العام الماضي.
ينتاب المرء شعور بالحزن حين تتجمع لديه المعلومات التي تتحدث عن معاناة السوريين في الداخل والخارج، فهؤلاء وهؤلاء أصبحوا يعانون من شظف العيش من جراء انقطاع الموارد، خصوصا الذين منهم في الداخل، حتى قيل لي إن المجاعة أصبحت تهددهم والأمراض صارت تفتك بهم. وهناك قلق بالغ على الجميع ـ في الداخل والخارج ـ من حلول الشتاء الذي يهددهم صقيعه بالتجمد. سواء من كان منهم يعيش في البيوت المهدمة بلا غاز أو تيار كهربائي، أو كانوا يعيشون في الخيام التي لا تحميهم من البرد القارص.
ينضاف الخزي إلى الحزن حين يعرف المرء أنهم يتعذبون في مخيم الزعتري الذي أقامته لهم الأردن، الذي يتعرض للعواصف الرملية طوال الوقت فضلا عن أن حكومة الأردن غير قادرة على إعاشتهم بسبب ضعف مواردها.
وحين تتسرب الأنباء عن سوء معاملتهم والتضييق عليهم في العراق، الذي تؤيد حكومته نظام الأسد ملتزمة في ذلك بموقف إيران. علما بأن بعض القادة العراقيين ومنهم رئيس الوزراء الحالي نورى المالكي كانوا لاجئين في دمشق أيام صدام حسين. وهم
في تركيا أفضل حالا نسبيا لكنهم لم يسلموا من اعتداءات العلويين الأتراك الموالين للنظام السوري. ولذلك تم نقل خيامهم بعيدا عنهم. ولا يزال الخوف عليهم شديدا من قسوة البرد القادم.
في لبنان لا يستشعرون أمانا لأنهم يظلون في متناول الأجهزة السورية وما أدراك ما هي. إلا أنهم أكثر راحة في مصر رغم أن الذين وفدوا إليها في حدود 150 ألفا فقط. فقد تم إعفاؤهم من تأشيرات الدخول وقيود الإقامة. كما صدرت التعليمات بمعاملتهم معاملة المصريين في مجالي التعليم والصحة. وقيل لى إن مصر بصدد إرسال معلمين للغة العربية إلى تركيا لإلحاقهم بالمدارس التي أقيمت للسوريين هناك.
إن للشعب السوري دينا في أعناق العرب هذا أوان سداده. ليتنا جميعا نفتح بيوتنا لهم.. ونفتح لهم أذرعنا كي نحتضنهم حيثما كانوا."السبيل"