جامعة بيرزيت وفوز حماس والوجه الآخر للصورة
ياسر الزعاترة
جو 24 :
بعد يومين فقط من استطلاع للرأي نشره أحد المراكز البحثية التي يعرف الجميع مصادر تمويلها، ومنح حماس نصف نسبة قتح من أصوات الجمهور.. بعد ذلك جاءت نتائج انتخابات جامعة بير زيت، لتذكّر الجميع بهذا العبث (البحثي!!) الذي يتكرر منذ نهاية الثمانينيات دون توقف.
ما من استطلاع رأي منذ نهاية الثمانينيات، إلا ومنح حركة فتح ضعف أصوات حماس، بما في ذلك استطلاعات الرأي التي أجريت قبل أيام من انتخابات 2006 التي تفوقت فيها حماس وفق نظام القائمة، بفارق 3 في المئة عن حركة فتح، ما يؤكد عبثية تلك الاستطلاعات وبرمجتها، مع العلم أن انتخابات 2006 هي التي أكدت ما يعرفه العقلاء من أن انتخابات الجامعات هي "الباروميتر” الحقيقي لمزاج الشارع الفلسطيني، وليس استطلاعات الرأي المبرمجة.
في انتخابات جامعة بير زيت التي أجريت الأربعاء، حصلت حماس على 25 مقعدا، مقابل 21 لفتح، و5 للجبهة الشعبية، وهي بالمناسبة من الجامعات القليلة التي تحصل فيها الجبهة على مثل هذه النسبة، في حين لم تصل أي من الفصائل الأخرى لنسبة الحسم، أي أن أعداد مصوتيها كانت هزيلة جدا، ولا تكفي للحصول على مقعد واحد من المجموع.
حدث ذلك رغم أن أجهزة السلطة الأمنية والمالية كانت تعمل لصالح كتلة فتح، وضد كتلة حماس، حتى أنها مارست لعبتها بطريقة مفضوحة عبر المداهمات والاعتقالات، بطريقة تنفي عن الانتخابات صفة العدالة الحقيقية.
كل ذلك ليس مفاجئا بالنسبة إلينا، فهذا النسبة في انتخابات الجامعات، هي ذاتها التي تتكرر منذ منتصف الثمانينيات، حتى قبل تأسس حركة حماس نهاية عام 87، ولم تختلف كثيرا بعد التأسيس، ما يشير إلى أن المجتمع منقسم بين الفصيلين اللذين يحصلان في المجموع على حوالي 85 في المئة من الأصوات، بينما يتوزع الباقي على فصائل أخرى ومستقلين.
على أن المحيِّر في القصة التي نحن بصددها هو أن تحصل فتح بصيغتها الراهنة على ذات النسبة التي كانت تحصل عليها قبل أوسلو، وبعد أوسلو، وفي ظل عرفات وانخراطه في انتفاضة الأقصى، وبعد ذلك، وأيضا في ظل عباس، وبرنامجه المعروف.
كيف يمكن تفسير هذا الفصام، بين من صوتوا لما سموها "كتلة الشهيد ياسر عرفات”، وهم أنفسهم من يعرفون مع من اختصم ياسر عرفات، ومن الذي مهّد الأجواء لاغتياله، ومن الذين تم استخدامهم في الحرب ضده.
كيف يمكن لهذا الجيل الشاب، أن ينحاز لبرنامج من هذا اللون، قائم على رفض المقاومة، وعلى التعاون الأمني، وما الذي يمكن أن يحدث له حين يبلغ الأربعين مثلا؟!
هذا تشوّه حقيقي في الوعي، بل ربما في الضمير أيضا، ولنفرض أن حماس لم تقدم النموذج البديل المأمول، فهل يكون ذلك مبررا لأن ينحاز شاب يحب فلسطين لنموذج آخر لا شك في بؤس طروحاته؟!
يحتاج كل شاب من هؤلاء الذين ترشحوا على تلك القائمة، ومن صوتوا لها إلى وقفة مع ضميره، ليسأل كيف يصوت لكتلة تنحاز لسلطة هذا برنامجها، ولقيادة تلك طروحاتها، ولسلطة هذا وضعها على صعيد الفساد؟!
لا شيء أسوأ من تشوّه الوعي وخراب الضمير، وأن يكون أحدهم مستقلا عن كل الفصائل، خير له من أن ينحاز إلى مثل تلك الرؤى، وقد تغيّب عن الانتخابات مثلا كثيرون، بلغت نسبتهم الربع تقريبا، وكان يسع أولئك أن يتغيبوا إذا لم تعجبهم حماس، أما أن يصوتوا لبرنامج من ذلك النوع، فتلك مصيبة حقيقية.
كثيرا ما تتحوّل الأحزاب إلى قبائل شعار أعضائها قول الشاعر الجاهلي: "وما أنا إلا من غزية.. إن غوت غويت.. وإن ترشد غزية أرشد”. نسأل الله العافية.(الدستور )