حول قرار منظمة التحرير بتحديد العلاقة مع الاحتلال
ياسر الزعاترة
جو 24 :
بينما كان اجتماع اللجنة التنفيذية ينعقد يوم الأربعاء الماضي، كانت قوات الاحتلال تعتقل ناشطا من حماس أفرجت عنه أجهزة السلطة قبل ساعات فقط، وهو متهم بإطلاق نار على حاجز للاحتلال عام 2010. منذ مجيء السلطة الحالية، يستمتع الاحتلال بمزايا استثنائية تجعل من مصطلح "الاحتلال الديلوكس” واقعا صارخا، فهو يحصل على تعاون استثنائي من طرف السلطة على الصعيد الأمني، بل على مختلف الأصعدة الاجتماعية والسياسية والثقافية من حيث وقف تيار المقاومة في المجتمع الفلسطيني. وحتى حين كانت قنابل الاحتلال تهطل على قطاع غزة في 3 حروب، كانت السلطة تمنع أي شكل من اشكال الصدام مع قوات الاحتلال، وفي الانتفاضة الراهنة كان الموقف أكثر وضوحا، حيث سعت السلطة بكل ما أوتيت من قوة للجم الانتفاضة التي يحلو لقيادتها أن تسميها هبّة. ولا يتوقف الأمر عند ذلك، فالاحتلال يحصل أيضا على حق الدخول والخروج إلى المناطق الفلسطينية، متى شاء لمطاردة النشطاء واعتقالهم، من دون أن يتعرض لأي أذى أو حتى إزعاج من أجهزة أمن السلطة. مؤخرا، وأمام واقع الانتفاضة، اتخذت السلطة قرارا بتحذير الاحتلال من مغبة استمرار الاجتياحات لمناطق (أ) بحسب تصنيف أوسلو، وهي للعلم لا تتعدى 18 في المئة من الضفة الغربية، ومنحت الاحتلال مهلة شهر لتنفيذ ذلك، تحت طائلة التحذير من وقف التعاون الأمني، وانتهت المهملة من دون أن يُنفذ التهديد. في آذار من العام الماضي، اجتمع المجلس المركزي لمنظمة التحرير، أو بقاياه بتعبير أدق، واتخذ قرارا بوقف التعاون الأمني، لكن القرار لم يُنفذ. يوم الأربعاء أعادت اللجنة التنفيذية تأكيد القرار، وقررت "تحديد العلاقة السياسية والاقتصادية والأمنية مع الاحتلال”، فهل سيحدث ذلك، أو سيكون مصير القرار الجديد هو ذاته مصير القرار القديم؟ وكما شككنا في تنفيذ القرار السابق عند صدوره، مع تمنياتنا بأن يخيب ظننا، ويشرب القوم حليب السباع، ويلتزموا بتعهدهم، فإن الموقف هذه المرة لن يتغير، فنحن نشكك في التنفيذ، مع تمنياتنا بأن يخيب ظننا أيضا. نقول ذلك لأن هذه السلطة ارتبطت عضويا بالاحتلال، ولا يمكن لها أن تفك ارتباطها به، إلا إذا قررت أن تأخذ مسارا ثوريا، وهو ما لا يظهر من سلوك قيادة تنتظر بطاقات الـ في آي بي من الاحتلال، ولا تبدو في وارد اتباع النهج الثوري من جديد. أما الأهم، فهو قناعتنا بأنها تمضي في المسار الذي تمضي به عن وعي وتصميم، وحتى مطالبة الاحتلال بوقف التوغل في مناطق (أ)، إنما هو جزء من الرؤية التي يميل إليها الاحتلال، ممثلة في إعادة الوضع تدريجيا إلى ما كان عليه قبل عملية السور الواقي ربيع العام 2002، وصولا إلى تسليم تدريجي لمناطق (ب)، بعد (أ)، وترك ما تبقى وهو 60 في المئة من الضفة تحت ولاية الاحتلال (حدود الجدار الأمني)، وجعل ذلك بمثابة دولة مؤقتة، أو حل انتقالي من دون الاعتراف بذلك، وهو تأبيد للنزاع كما نقول دائما. والحال أن مسألة وقف التوغل في مناطق (أ) لا تبدو حيوية بالنسبة للاحتلال، وهناك مِن قادته الأمنيين والسياسيين مَن يطالبون بذلك، ودائما كجزء من المشروع الذي نتحدث عنه، لكن روح المقاومة المتوافرة في الوسط الفلسطيني لا زالت تدفع نحو التريث خشية أن تصبح مناطق (أ) ملاذا آمنا للمقاومين كما كانت عليها قبل ربيع 2002، وإن كان المشهد مختلفا من حيث توجهات القيادة في الحالتين. لذلك كله، من الصعب التفاؤل بأي توجه للسلطة بمشروعها المحسوم رفضا للمقاومة، فهي مهما شرّقت أو غرّبت ستظل وفية لطبيعة تكوينها والتزاماتها، وستظل تقطّع الوقت من خلال مشاريع حل وهمية، بينما يتكرس مشروع الحل الانتقالي واقعا على الأرض، من دون الاعتراف بذلك علنا. وحتى يأخذ الشعب قراره الواضح بتصعيد انتفاضته ومنحها القوة والديمومة، سيظل المسار البائس قائما، سواء قبل الاحتلال بوقف الاجتياحات لمناطق (أ)، أم لم يقبل، مع شكنا مرة أخرى في أن التعاون الأمني سيتوقف. ألا يرى قائد المسيرة أنه مصلحة للشعب الفلسطيني كما يردد دائما؟!!
الدستور