خان طومان تضرب عصبا حساسا في إيران
يحتار قادة إيران في الكيفية التي يردون من خلالها أو يعلقون على هزيمة خان طومان المدوية، لكنهم يذهبون مذاهب شتى، وإن بلون من ألوان التنسيق كما يبدو.
ما ينبغي أن يكون واضحا ابتداءً هو أن الإعلان عن مقتل 13 ضابطا إيرانيا في المعركة لم يكن اختيارا، بل هو واقع فرضته الضرورة، واتضح ذلك أكثر حين تم الإعلان عن وجود ستة ضباط أسرى، وهو الإعلان الذي لم يأت سريعا أيضا، بل جاء عقب نشر صور لهم من قبل فصائل مسلحة في حلب.
لا أحد يتحدث بطبيعة الحال عن العناصر القادمة من إيران من الشيعة الإفغان، ومن المتطوعين الإيرانيين المدنيين، فهؤلاء لا يدخلون في الحسابات، كما أن التعتيم على حجم الخسائر يبقى جزءا من السياسة المتبعة؛ ما كان ذلك ممكنا، لكن الإعلان يغدو ضرورة حين يكون القتلى من الطبقة المهمة، والذين لا يمكن التكتم عليهم دون الاصطدام بأهاليهم.
في التعاطي مع المسألة كان المسار الأهم هو إنكار وجود مقاتلين إيرانيين في سوريا، أكانوا من الجيش أم الحرس، والإصرار على أنهم "مستشارون عسكريون في محاربة الإرهاب”، وفي التعليق يضيف عبد اللهيان، أن ظروف المعركة فرضت وجودهم في تلك الأماكن ما ادى إلى مقتلهم!!
اللافت في حالة الإنكار الجديدة أنها جاءت بعد أسابيع من الإعلان الرسمي عن وصول اللواء 65 من القوات الخاصة لسوريا، وبعدها كتائب أخرى، الأمر الذي تغير بعد ذلك، فيما يبدو أن قرارا على أعلى مستوى قد صدر بإنكار وجود مقاتلين، والإصرار على مسالة المستشارين.
إلى جانب ذلك تراوحت ردود الفعل الرسمية الإيرانية بين هجاء من "استغلوا الهدنة في الهجوم على خان طومان”، وبين التهديد والوعيد باستعادتها، وهو ما لن يغير شيئا في الموقف، لأن الكر والفر هو عنوان المعركة منذ 4 سنوات. وهنا تبرز دلالة مهمة لقصة خان طومان، تتمثل في إثباتها أن مقولة الحسم العسكري لا تعدو أن تكون وهما يعشش في رأس قاسم سليماني الذي جاء إلى حلب بعد الهزيمة لترميم معنويات قواته، وربما تعشش في عقل بشار (ليست كذلك كما يبدو في عقل بوتين).
على أن الجانب الأهم لكل هذه القضية التي نحن بصدها، وهو الذي فرض حالة الإنكار لوجود مقاتلين، ومن ثم التوعد بالانتقام، واجتماع لجنة الأمن القومي لاستخلاص الدروس، إنما يتمثل في الخوف من تأثير زيادة أعداد القتلى على هيمنة المحافظين على الوضع في الداخل الإيراني، وهو ما تبدى في جدل بدأ يغزو مواقع التواصل، رغم الرقابة المشددة، ويتعلق بسؤال الجدوى من هذا التورط في سوريا.
في الداخل الإيراني متغيرات لا يمكن تجاهلها بحال، فالبرلمان اليوم صار بأغلبية إصلاحية، والشارع يأمل بتغيير في مسار حياته بعد اتفاق النووي، ولا يبدو مستعدا لأن يواصل النزيف الاقتصادي السابق، فضلا عن أن يضيف إليه نزيفا بشريا، والمحافظون يخشون من غضب الشارع الذي ترجمته الانتخابات، وقد يتطور لاحقا برعاية الإصلاحيين، من أجل تثبيت أقدامهم في عمق السلطة، عوض البقاء على هامشها كما كان الحال خلال السنوات الأربع الماضية.
قبل أربع سنوات ونيف قلنا إن سوريا هي أفغانستان إيران، وظنننا أن ذلك سيبقى في الإطار الاقتصادي، مع تضحية بالشيعة العرب والأجانب، لكن المشهد اليوم يبدو أكثر سوءا، فكم سيستغرق التورط قبل أن يدرك خامنئي ومساعدوه أن عليهم وقف النزيف، وتجرّع كأس السمّ، كما تجرّعه الخميني من قبل في الحرب العراقية الإيرانية؟ لا ندري.