jo24_banner
jo24_banner

«سَحْسَلِة» إلى سوق شعبي!

حلمي الأسمر
جو 24 :

أتعاطف كثيرا مع رجال ونساء البسطات، لا أحد يلجأ لمثل هذه العادة في الكسب، إلا حين تنسد في وجهه سبل العيش، فليس جميلا أن تقف في الشمس طيلة اليوم، أمام بسطة «حاملة» أو فقوس، أو بطيخ، أو جرابات، لقاء مكسب صغير بالكاد يسد رمق اسرة حتى ولو كانت مكونة من فرد واحد، لهذا حينما أرى رجال الشرطة يريقون محتويات بسطة ما، أشعر أن تلك البساطير التي تدوس «البضاعة» تسحق قلبي، بل أشعر أن ذلك الإجراء القاسي يقول لصاحب البسطة: لا أريد أن أرحمك ولا أسمح للرحمة أن تتنزل عليك، وهو تعبير افتراضي سائر على السنة الناس، رغم أن رحمة الله لا يقف في طريقها عبد مهما علا شأنه، وتعاظمت قوته، فلا راد لقدر الله وإرادته!
-2-
حسنا فعلت الجهات ذات العلاقة، فخصصت أمكنة معينة للبسطات، واستحدثت في بعض الأماكن أسواقا شعبية، لتمكين القوم من عرض بضائعهم، وإن كانت هذه الظاهرة لم تأخذ شكلها المكتمل، حيث لم تزل الاسواق الشعبية مقتصرة على مناطق دون أخرى في مدننا الكبيرة، والمطلوب تعميمها حيث أمكن هذا الأمر، خاصة أيام العطل، لأن هذه الأسواق تعين على مواجهة مشاق الحياة المتزايدة، للبائع والمشتري على حد سواء، وهي ظاهرة تشهدها كثير من عواصم العالم، بل إن بعض العواصم شكلت هذه الظاهرة جزءا من هويتها الثقافية والحضارية ناهيك عن جانبها الاقتصادي المثمر، وفي بعض العواصم أخذت شكلا تقليديا جميلا، تتيح لكل صاحب موهبة أو إنتاج فني، أن يتواصل مع جمهور الرصيف، بشكل جذاب وحضاري، وهو ملمح يعزز تسويق البلاد سياحيا، ويوفر متنفسات للأسر التي لا تلتقي مجتمعة إلا في عطلة نهاية الأسبوع!
-3-
ليلة الخميس الجمعة، خضت تجربة لطيفة في ارتياد سوق شعبي، أقيم في منطقة رأس العين، ودهشت من حجم الإقبال الشعبي على هذا السوق، حتى أن ثمة أسرا كاملة، بالوالديْن والأبناء وحتى الرضع منهم والأطفال منهم، يتهافتون على زيارته، طلبا لبضائع رخيصة الثمن، وربما للفرجة والتأمل، بل يمكن اعتبارها «شمة هواء» لدى البعض، حتى إذا قيل لرب الأسرة: «بدنا نطلعن زهقنا من البيت» قال لها: مش طلعتكم على راس العين!؟
المهم، هذا السوق الشعبي يمتد على مساحة كبيرة جدا، ويفترض أن بعض إن لم يكن جل زواره، سيصلون إليه راكبين، لا مشاة طبعا، الغريب أن وقوف المركبات ممنوع في تلك المنطقة، يعني عليك أن تدبر بمعرفتك موقفا لسيارتك، بمعرفتك، وإذ تفعلها، وتركن سيارتك قرب السوق، يسارع إليك رجل السير لتحرير مخالفة جاهزة، وهذا ما حصل معي، ورغم أنني سلمت مجبرا بالمخالفة، إلا أن المحترم أصر على مخالفتي مرة أخرى، لأنني لم أحرك سيارتي، وبدون جدال كثير، آثرت أن أرحل مكرها، دون أن «أستمتع» بلذة الاستفادة من المخالفة، والتوقف مليا...!
الغريب أن الشارع الملاصق للسوق متسع إلى حد أنه يستوعب اصطفاف أربع مسارب للسيارات، دون أن يؤثر هذا على حركة السير فيه، ومع هذا فالتوقف ممنوع، لماذا؟ لا تدري، هيك جكر وتعذيب للناس!
تريدون إقامة سوق شعبي؟ أكملوا «معروفكم» واحسبوا حساب المواقف، إلا إذا افترضتم أن الناس ستصله «سَحْسَلِة» أو بالمناطيد!

 

 
الدستور
تابعو الأردن 24 على google news