اللعب على المكشوف
فهمي هويدي
لا يقف الأمر عند ذلك الحد، لأن أجواء المهرجان المفتوح سمحت بإثارة لغط ليس مألوفا عندنا بخصوص مواقف بعض الدول الخليجية، التي لم ترحب أغلبها بثورة 25 يناير، وانحياز أولئك البعض لصالح هذا المرشح أو ذاك. الأمر الذي فسر به نفر من أهل النميمة قوة الحملات الدعائية لدى البعض، حتى إن أحدهم تعاقد على حملة تليفزيونية لصالحه بما قيمته عشرة ملايين جنيه، حدث ذلك في حين اتصل بي مدير حملة مرشح آخر شاكيا من نفاد مواردهم ومستفسرا عما إذا كانت لدى أى مقترحات لتنظيم حملة تبرعات أهلية لصالحه.
من المفارقات أن حركة الإخوان التي ظل يقال طوال السنوات الماضية انها تتلقى دعما خليجيا، أصبحت تحارب في الانتخابات من جانب بعض دوله، عن طريق دعم المنافسين المناوئين لمرشحيها. حتى إن الجماعة حين أرادت أن تبعث بوفد باسمها لتقديم واجب العزاء في وفاة واحد من أركان إحدى الأسر الخليجية الحاكمة، فإن الطلب الذي قدمته للحصول على تأشيرة الدخول قوبل بالرفض، حيث أرادت الدولة المعنية أن تبعد عن نفسها «شبهة» مساندة الإخوان أو مجاملتهم حتى في مناسبة من هذا القبيل.
هذه الأجواء في مجملها، الإيجابي فيها والسلبي، ما كنا لنشهدها لولا أجواء الحرية ونسمات الديمقراطية التي هبت على مصر بعد الثورة. وقد ظهر عنصر جديد في المشهد الديمقراطي خلال الأسابيع الأخيرة، حيث وجدنا اللعب في الساحة السياسية من جانب القوى الداخلية على الأقل يمارس «على المكشوف» كما يقولون إذ لم يتردد أحد المرشحين للرئاسة في أن يقول إن مبارك مثله الأعلى، وبعد ذلك بأيام قليلة وجدنا نائب مبارك يقفز إلى الواجهة وفوجئنا به يترشح لرئاسة الجمهورية، وبعدما لاحظنا أن الرجل تمنع في البداية ثم أقدم على الترشح في النهاية، ووجدنا أن وراءه من جمع لصالحه آلاف التوكيلات ومن رتب له حملة الدعاية وأغرق البلد بالملصقات، أدركنا أن «الفلول» رتبوا صفوفهم وأسقطوا الأقنعة من على وجوههم، ولم يجدوا غضاضة من دخول الحلبة ومقارعة الجميع في انتخابات رئاسة الجمهورية.
الإخوان بدورهم دخلوا الساحة «بالعرض» كما يقولون، ورأينا في أدائهم وحرصهم على الحضور ما لم نره من قبل، الأمر الذي سلط الأضواء على أولوياتهم ورؤيتهم الاستراتيجية، كذلك فعل السلفيون الذين علا صوتهم في الساحة ورأينا ملصقات بعضهم تتحدث عن حلم الخلافة الإسلامية، الليبراليون والعلمانيون رأيناهم أيضا وهم يحشدون الصفوف ويصطفون مع الأزهر والكنيسة للتصدى للإخوان والسلفيين، بل إن الفوضويين الذين ارتأوا أنه من الضروري أن يقلب كل شيء رأسا على عقب، علا صوتهم أيضا ولم يخفوا شيئا في صدورهم.
في هذه الأجواء رأينا المجلس العسكري وقد تراجع إلى الظل بصورة نسبية، وأعطى انطباعا بأنه على مسافة واحدة من الجميع.
وإن كنت أظن أن الأمر ليس كذلك بالضبط، ولست واثقا من صحة الشائعات التي تتحدث عن تباينات في مواقف أعضائه، لكن المؤكد أن المجلس مسرور لما يشاهد، على الأقل لأن المتعاركين انصرفوا عنه وحولوا مسار التراشق نحو بعضهم البعض، الأمر الذي سمح له بالتحرك في هدوء دون أن يلحظه أحد أن نمارس فنخطئ ونصيب، لكى نتعلم وننضج سياسيا، أفضل ألف مرة من أن نقف متفرجين طول الوقت، ونتحول إلى قطيع في عالم الأمم وأطفال رضع في عالم السياسة.
العرب اليوم