رد نتنياهو على الغزل وردود العرب وما بعد ذلك
ياسر الزعاترة
جو 24 :
خَطب السيسي في أسيوط، وقال كلاما دافئا، وتحدث عن السلام الدافئ، فرد عليه نتنياهو بتعيين ليبرمان وزيرا للحرب في الحكومة.
ثم تسرّبت أخبار عن أن هناك نوايا عربية لتعديل المبادرة العربية للسلام، فرد نتنياهو، أولا بالتأكيد على القدس لن تقسم (ماذا يبقى من التسوية؟)، وثانيا بالتأكيد من جديد على أن المبادرة العربية للسلام لا يمكن أن تكون أساسا للتفاوض، وإن عطف على ذلك القول «بصيغتها الحالية».
بعد ذلك، وفي خطوة مفاجئة، جرى الإعلان عن أن أمين عام الجامعة العربية (نبيل العربي) الذي تنتهي ولايته نهاية هذا الشهر (حزيران/ يونيو)، (يخلفه أحمد أبو الغيط)، سيقوم بزيارة رام الله، وهي خطوة غير مسبوقة تعني تطبيعا عربيا رسميا مع العدو، مع العلم أن الجامعة العربية تمثل المجموع العربي، وليس الدول التي لها علاقات مع دولة الاحتلال.
وحين أثيرت الضجة، ورفضت الفصائل الفلسطينية، تم تأجيل الزيارة، ثم إلغيت، فيما كان العربي قبل ذلك قد أطلق تصريحا يصف الاحتلال الصهيوني بالفاشية، ثم أخيرا تم الإعلان من قبل الجامعة العربية نفسها أن مسألة تعديل المبادرة غير واردة.
تلك كما يبدو أفعال وردود أفعال، لكنها ليست بلا دلالة في المعسكرين. المعسكر الأول العربي، ممثلا في بعض الدول التي تريد مد جسور التفاهم مع العدو بحجة التفرغ لمواجهة إيران، بينما تتصدرها مصر التي لا ينشغل نظامها بمواجهة إيران، لكنه يريد علاقة خاصة مع الكيان الصهيوني تفيده وفق حساباته الخاصة. أما المعسكر الثاني فهو الكيان الصهيوني الذي يرى كيف يمنحه الحريق المشتعل في المنطقة فرص الغطرسة وإملاء الشروط، وبالطبع إلى جانب وضع دولي مناسب. وحين يُنتخب مندوب دولة الاحتلال «رئيسا للجنة السادسة في الجمعية العامة التي تعنى بشؤون القانون الدولي ومكافحة الإرهاب»، فسيكون من حق نتنياهو أن يبالغ في الغطرسة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو؛ في ضوء هذا الجدل وردود الأفعال المشار إليها، هل يمكن القول إن موجة الهرولة العربية نحو الكيان الصهيوني قد لُجمت، أم أن موجات أخرى ستتبعها؟
نتمنى بالطبع أن تكون الموجة قد انتهت، وأن يتوقف متخصصو الغزل مع الكيان ومروجو المبادرة العربية عبر لقاءات التطبيع عن لعبتهم البائسة، لكن المؤشرات لا تؤكد ذلك، رغم بعض الردود التي أشرنا إليها آنفا، وها إن كل الجهد الذي يُبذل هنا وهناك، إنما يتم على قاعدة حصار قوى المقاومة وبرنامج المقاومة، ووضع الجميع ضمن إطار سلطة تعمل في خدمة الاحتلال، مع خلاف حول زعيمها ومن سيكون بعد عباس!!
هنا تبدأ المصيبة، ذلك أننا لا نخشى عقد صفقة تسوية، فلا السيسي ولا سواه يمكن أن يمنح نتنياهو ما يرضي شهيته، لكننا نخشى من تمرير البرنامج الوحيد الذي يعمل على الأرض ممثلا في الحل الانتقالي الذي يفضي إلى دويلة تحت عباءة الاحتلال على 10 في المئة من مساحة فلسطين التاريخية، وتسويق ذلك بالقول إنه ليس حلا نهائيا، فيما يتحول المؤقت إلى دائم.
هنا تتبدى مصيبة القيادة الفلسطينية أكثر من الوضع العربي، وهنا نتأكد أن لدينا قيادة تقاتل من أجل بقائها، وليس من أجل قضيتها، لا سيما أن من تقاتله لا يختلف معها سياسيا، وهي بدورها لا تريد من شعار المصالحة الذي ترفعه سوى ضم قطاع غزة إلى الضفة في منظومة التعاون الأمني والتفاوض.
لن يُفشل هذه اللعبة سوى انتفاضة شاملة في كل الأرض الفلسطينية، إلى جانب تحولات في المنطقة توقف هذا الحريق الذي يستنزف الجميع ما عدا الكيان الصهيوني.
(الدستور)