مـع أوباما مـرة أخـرى
ياسر الزعاترة
جو 24 : بقدر لا بأس به من الخفة استقبل كثير العرب فوز أوباما برئاسته الأولى، لاسيما أن الرجل لم يبخل بالتصريحات والوعود؛ من أنقرة إلى القاهرة، فضلا عن حكاية أبيه حسين (المسلم) التي سلبت عقول كثيرين.
لكن أربعة أعوام، بل ربما أقل من ذلك، كانت كافية لتعطي المتفائلين دروسا في السياسة الداخلية والخارجية الأمريكية التي لا تتغير هكذا ببساطة، لاسيما أن رجلا يصل إلى هذا المستوى المتقدم في السياسة الأمريكية حتى يغدو مرشحا للحزب الديمقراطي لا بد أن يكون قد مرَّ بكثير من المحطات التي أثبت فيها قابليته لأن يكون جزءا من لعبة السياسة الإمبريالية للولايات المتحدة.
كان أوباما (الأسود) في ولايته الأولى حاجة للولايات المتحدة التي تمتعت خلال ولايتي بوش بمستوىً من الكراهية بين شعوب العالم لم تبلغها منذ حرب فيتنام، فقد كان المطلوب هو تغيير صورتها مع محاولة الخروج بأقل الخسائر من المستنقعات التي ورطها فيها بوش.
الولايات المتحدة قوة كبرى تربعت على عرش العالم بقوة السلاح وتاليا الاقتصاد، وفي الفترة الممتدة ما بين سقوط الاتحاد السوفياتي ونهاية ولاية كلينتون الثانية كانت سيدة العالم بلا منازع، لكن مغامرات بوش (الابن) ما لبثت أن وضعتها على سكة التراجع، ولعل في ذلك مصداقا لسنة المدافعة في الكون، لأن سيطرة قوة بعينها بشكل منفرد يشكل مصدر تهديد لمصالح الآخرين.
لكن أوباما الذي غيّر بالفعل شيئا من صورة الولايات المتحدة، بخاصة في المرحلة الأولى، لم يتمكن من وقف مسيرة التراجع، لاسيما أن هزيمتها في العراق وملامح أخرى في أفغانستان، ومعها كلفة حربها العبثية ضد ما تسميه الإرهاب، لم تكن من اللون البسيط الذي يمكن تجاوزه بسهولة، وجاءت الأزمة المالية لتزيد الوضع صعوبة وتعقيدا.
المهم، أن الولايات المتحدة لم تعد بعد عشر سنوات من غزو العراق سيدة العالم بلا منازع، ولم تعد الدولة التي تأمر فتطاع، فقد شبت القوى الكبرى المنافسة عن الطوق وأخذت تتحدى نفوذها وجبروتها، بخاصة الصين وروسيا، بل إن دولا أقل شأنا لم تعد تجد حرجا في التمرد عليها.
اليوم يمكن القول إن العالم يعيش حالة من التعددية القطبية، وهو وضع أفضل للجميع من دون شك، ولولا هذه التعددية لما كان لثورات العرب أن تنجح في تونس ومصر بتلك السهولة، بل ولا حتى ليبيا التي لولا تناقض القوى الدولية لما خرجت من أسر الطاغية أيضا.
عودة إلى انتخاب أوباما لولاية ثانية، بوصفه الحدث الذي استدعى هذه السطور. هنا يمكن القول إن فوزه يُعد أفضل من غريمه رومني، أقله من زاوية الأقليات والمهمشين داخل الولايات المتحدة، وهي فئات تستحق تعاطفنا من دون شك.
أما بالنسبة إلينا، فهو أفضل من غريمه، ويكفي أن يتمنى نتنياهو فوز رومني حتى نفرح بخيبته، لكن التعويل على سياسة مختلفة حيال الدولة العبرية لا يبدو منطقيا بحال، فاللوبي الصهيوني أصبح أكثر تأثيرا داخل الحزبين، وهو حاضر في الكونغرس بجمهورييه وديمقراطييه، ومن الصعب أن يتورط أوباما في إغضاب دولته “إسرائيل”، وليس صحيحا أنه سيكون أفضل بسبب عدم حاجته لولاية جديدة، فهو يدرك أن بوسع الصهاينة تفجير الكثير من الألغام في وجهه في حال أثّر سلبيا على مصالح دولتهم الأم.
الذي لا شك فيه هو أن العالم العربي لم يبد اهتماما كبيرا بهذه الانتخابات، وبالطبع بعدما أدرك أن التعويل على سياسة خارجية مختلفة ليس واردا بحال، لاسيما في هذه المنطقة التي تخضع فيها السياسة الأمريكية لهواجس الكيان الصهيوني، إلى جانب مصالحها في الثروة وسوق الاستهلاك وقبلهما النفوذ السياسي.
تأتي الانتخابات الأمريكية الجديدة وهذه المنطقة تعيش تحولات تاريخية بالغة الأهمية، سيكون لها ما بعدها إذا أفلحت في تثبيت قرار سياسي يعبر عن ضمير الشعوب بمرور الوقت، لاسيما بعد تمدد الربيع العربي نحو محطات جديدة.
وحين يعبر القرار السياسي عن ضمير الأمة، وليس عن مصالح النخب الحاكمة، سيكون بوسع العرب أن يؤثروا في مواقف الدول الكبرى بدل أن يكونوا عرضة لابتزازها بين حين وآخر رغم استخفافها بمصالحهم وقضاياهم في آن.
(الدستور)
لكن أربعة أعوام، بل ربما أقل من ذلك، كانت كافية لتعطي المتفائلين دروسا في السياسة الداخلية والخارجية الأمريكية التي لا تتغير هكذا ببساطة، لاسيما أن رجلا يصل إلى هذا المستوى المتقدم في السياسة الأمريكية حتى يغدو مرشحا للحزب الديمقراطي لا بد أن يكون قد مرَّ بكثير من المحطات التي أثبت فيها قابليته لأن يكون جزءا من لعبة السياسة الإمبريالية للولايات المتحدة.
كان أوباما (الأسود) في ولايته الأولى حاجة للولايات المتحدة التي تمتعت خلال ولايتي بوش بمستوىً من الكراهية بين شعوب العالم لم تبلغها منذ حرب فيتنام، فقد كان المطلوب هو تغيير صورتها مع محاولة الخروج بأقل الخسائر من المستنقعات التي ورطها فيها بوش.
الولايات المتحدة قوة كبرى تربعت على عرش العالم بقوة السلاح وتاليا الاقتصاد، وفي الفترة الممتدة ما بين سقوط الاتحاد السوفياتي ونهاية ولاية كلينتون الثانية كانت سيدة العالم بلا منازع، لكن مغامرات بوش (الابن) ما لبثت أن وضعتها على سكة التراجع، ولعل في ذلك مصداقا لسنة المدافعة في الكون، لأن سيطرة قوة بعينها بشكل منفرد يشكل مصدر تهديد لمصالح الآخرين.
لكن أوباما الذي غيّر بالفعل شيئا من صورة الولايات المتحدة، بخاصة في المرحلة الأولى، لم يتمكن من وقف مسيرة التراجع، لاسيما أن هزيمتها في العراق وملامح أخرى في أفغانستان، ومعها كلفة حربها العبثية ضد ما تسميه الإرهاب، لم تكن من اللون البسيط الذي يمكن تجاوزه بسهولة، وجاءت الأزمة المالية لتزيد الوضع صعوبة وتعقيدا.
المهم، أن الولايات المتحدة لم تعد بعد عشر سنوات من غزو العراق سيدة العالم بلا منازع، ولم تعد الدولة التي تأمر فتطاع، فقد شبت القوى الكبرى المنافسة عن الطوق وأخذت تتحدى نفوذها وجبروتها، بخاصة الصين وروسيا، بل إن دولا أقل شأنا لم تعد تجد حرجا في التمرد عليها.
اليوم يمكن القول إن العالم يعيش حالة من التعددية القطبية، وهو وضع أفضل للجميع من دون شك، ولولا هذه التعددية لما كان لثورات العرب أن تنجح في تونس ومصر بتلك السهولة، بل ولا حتى ليبيا التي لولا تناقض القوى الدولية لما خرجت من أسر الطاغية أيضا.
عودة إلى انتخاب أوباما لولاية ثانية، بوصفه الحدث الذي استدعى هذه السطور. هنا يمكن القول إن فوزه يُعد أفضل من غريمه رومني، أقله من زاوية الأقليات والمهمشين داخل الولايات المتحدة، وهي فئات تستحق تعاطفنا من دون شك.
أما بالنسبة إلينا، فهو أفضل من غريمه، ويكفي أن يتمنى نتنياهو فوز رومني حتى نفرح بخيبته، لكن التعويل على سياسة مختلفة حيال الدولة العبرية لا يبدو منطقيا بحال، فاللوبي الصهيوني أصبح أكثر تأثيرا داخل الحزبين، وهو حاضر في الكونغرس بجمهورييه وديمقراطييه، ومن الصعب أن يتورط أوباما في إغضاب دولته “إسرائيل”، وليس صحيحا أنه سيكون أفضل بسبب عدم حاجته لولاية جديدة، فهو يدرك أن بوسع الصهاينة تفجير الكثير من الألغام في وجهه في حال أثّر سلبيا على مصالح دولتهم الأم.
الذي لا شك فيه هو أن العالم العربي لم يبد اهتماما كبيرا بهذه الانتخابات، وبالطبع بعدما أدرك أن التعويل على سياسة خارجية مختلفة ليس واردا بحال، لاسيما في هذه المنطقة التي تخضع فيها السياسة الأمريكية لهواجس الكيان الصهيوني، إلى جانب مصالحها في الثروة وسوق الاستهلاك وقبلهما النفوذ السياسي.
تأتي الانتخابات الأمريكية الجديدة وهذه المنطقة تعيش تحولات تاريخية بالغة الأهمية، سيكون لها ما بعدها إذا أفلحت في تثبيت قرار سياسي يعبر عن ضمير الشعوب بمرور الوقت، لاسيما بعد تمدد الربيع العربي نحو محطات جديدة.
وحين يعبر القرار السياسي عن ضمير الأمة، وليس عن مصالح النخب الحاكمة، سيكون بوسع العرب أن يؤثروا في مواقف الدول الكبرى بدل أن يكونوا عرضة لابتزازها بين حين وآخر رغم استخفافها بمصالحهم وقضاياهم في آن.
(الدستور)