بالصورة: انتحار ميساء شروف.. قصة اختلقتها مواقع التواصل وتفاعلت معها
جو 24 :
بسرعة قصوى، وبتفاعل كبير، انتشرت قصة انتحار الفتاة التونسية ميساء شروف (صفاقس 18 عاماً) على مواقع التواصل، في العالم العربي أجمع. اختلفت القصة وردود الفعل من منشور إلى آخر، بدأت مع الصفحات النسوية على مواقع التواصل، وانساق وراءها الإعلام ونقلها، إلا أنّ كُلّ ما نُشر لا يمُتّ إلى الحقيقة بأي صلة.
تعود القصة إلى أواخر الشهر الماضي، حين أقدمت الشابة التونسية على الانتحار، بعد مشاكل عائليّة مع أمها، وليس مع أخيها كما انتشر منذ يومين. أما الرسالة التي تناقلها الناشطون على أنها لشروف قبل انتحارها، فما هي إلا للشاعر التونسي حمادي خليفي، الذي استوحاها من مأساة شروف، وأضاف إليها من مخيّلته، فانتشر في وسائل التواصل والإعلام على أنها للشابة المنتحرة.
أما الرسالة الحقيقية التي كتبتها شروف قبل انتحارها، فكانت في 24 أيار الماضي، وجاء فيها: "حولت رجائي للمعرفة فإني مللت جبني وعجزي عن الانتحار.. لم أعد أبحث عن حل لهذه الحياة.. وكم يزعجني جهلي بالذي يحدث حولي وأنا أشاهد ولا أرى ولا أستشعر شيئاً.. إني أفقد إنسانيتي ورغم هذا يزداد التزامي تجاهها... وكأنني أقدرها خاصة بعد فقداني لها... كم كنت إنساناً ساذجاً جميلاً... كل هذا.. كل ما حولي.. البشر.. والعلاقات.. الدراسة.. المجتمع.. الأسرة.. لا أرى غير أنها قيود ولا تزيدني إلا بؤسا وقيدا... تفقدني حريتي وتحد مني من أفكاري من أحرفي ورموزي بغاية أن أكون فردا مكعبا لتحشرني بين آلاف المكعبات مثلي فقط ليكوّنوا بنا وبأنفسهم لوحة الوهم الحقيقي التي يخضعون لها وهم صانعوها".
صديقة ميساء، حكمة مصدق، كتبت رسالةً على "فيسبوك" أوضحت فيها اللغط، فقالت: "كنت أفضّل الصمت، لكن الساكت عن الحق شيطان أخرس.. لن أصمت أكثر لأن الوضع ما عاد يحتمل أرى ميساء تشنق آلاف المرات على صفحات هذا الموقع الأزرق. لكن هذه المرة رفقة عائلتها.. بدم بارد يشنقون ميساء وعائلتها ومعارفها بحبال منسوجة من كذب وافتراء".
وأضافت: "هنا وهناك ينشرون رسالة مزيفة محملة بالحقد على الله والعائلة، مدعين أنّ الفقيدة كاتبتها، والحقيقة أن الكاتب "حمادي الخليفي" هو الذي كتبها على لسان الراحلة، كتبها بعد وفاتها وهو لا يعرف عن صديقتي شيئاً لا من قريب ولا من بعيد. فقط سمح لمخيلته أن تجني على عائلتها وتحطم ما تبقى من كرامتها". وتابعت مصدق: "اللوم لا يقع على الكاتب أبداً، ما كتبه يندرج تحت "باب الأدب" وميساء كانت ملهمة لخاطرة جميلة. كل اللوم يقع على ما تسمى بالصفحات النسوية التي نسبت الخاطرة إلى ميساء وادعت أنها رسالة وداع خطّتها أناملها".
وأوضحت مصدق الأخطاء التي انتشرت حول قصة ميساء: "لم تكتفِ هذه الصفحات بنشر رسالة مزيفة على لسان الفقيدة بل قادت أيضًا حرباً شعواء على أخيها.. هذا المسكين الذي يعيش خارج تونس ويزور العائلة في الأعياد والمناسبات محملاً بالهدايا لأخته الصغيرة وجد نفسه فجأة متهما بكونه جلادها الذي يذيقها يوميا مر العذاب. هواة الافتراء لم يقفوا عند هذا الحد، بل ادعوا أن عائلتها متزمتة دينياً وتفرض عليها نمطاً معينا من اللباس. عفواً هل لكم أن توضحوا لي كيف تفرض العائلة على الطفلة الصغيرة حجابًا، في حين أنّ الأم والأخت الكبيرة لا ترتديانه"؟
وأكدت مصدق أنّ الراحلة ميساء أخبرتها سابقاً أنّ "والدتها لا تفهمها وتسيء معاملتها، لكن عكس ما ينشر عشاق المتاجرة بالدماء لم تكن تسيء معاملتها، لأنها أنثى أو لأنها يجب أن تقبع خلف الجدران.. العلاقة المتوترة التي جمعتها بأمها مردها إلى صراع الأجيال واختلاف الرؤى لا أكثر ولا أقل"، بحسب ما ذكرت.
هذه القصة الحقيقة تختلف عن الرسالة التي كتبها حمادي خليفي عبر مدونته من وحي الخيال، وانتشرت على مواقع التواصل، والتي جاء فيها: "آثار الكدمات الزرقاء والأرجوانية أحيانا تغطي كامل جسدي، بالأمس أشبعني أخي ضرباً لأنه اكتشف أنني أدخّن، كلّ كدَمة تذكرني بنفس من الدخان اللذيذ الذي ملأ خلايا دماغي، ضربني شقيقي الذي يستهلك علبتين من السجائر يوميّاً".
وأضاف خليفي: "الموت، تلك الكلمة الكبيرة، كم يغريني الموت لو تعلم، ويدفعني كلّ يوم نحوه، حين أكتشف أننا لا نحيا، بل نحن في انتظار الموت الذي نخافه، ولكن لا نتوقف عن ذكره في نفس الوقت: نحن نشاهد الموت في الأخبار، نتحدث عنه في المقاهي والبرامج التلفزيونية والدينية والترفيهية، نلبسه في أدبشتنا، بل نحتفي في العيد بذبح حيوان مسالم. نحن، يا صديقي، حتى في أوقات الحب الجنوني، نهتف: نموت عليك!". ليختم بالقول: "أنا لم أعد أطيق الموت، أريد أن أولد، أن أخلق نفسي من ممرات جديدة/ مخيفة، هذا العالم - يا صديقي - لم يعد يتسع لي، أريد جنانا فسيحة وسحابات أحلم فوقها، أريد أن أحيا. سيأخذني هذا الحبل بعيدًا بعيدًا، هذا الحبل الطري سيخنقني بوطأة أقل بكثير مما أختنق كل يوم".
(العربي الجديد)