jo24_banner
jo24_banner

المحصاصة جني الشوك

ياسر ابو هلاله
جو 24 : لو كان من سبب لإعلان حالة الطوارئ في البلاد، فهو مناقشات مجلس النواب لقانون الانتخاب. حال من التخندق والاستقطاب تمزق المجتمع، وتضع متاريس بين أبنائه على قاعدة "المحاصصة". تلك كلمة مخففة للغياب الكامل لمفهوم المواطنة. ومن أطلقوا تلك الشرارة لا يعلمون أنها لن تفضي إلى تحسين وضع أي طرف من الأطراف، بل ستفضي إلى فوضى يغدو فيها الحفاظ على الأمر الواقع، مهما كانت رداءته، مطلبا وطنيا.
ماذا ننتظر؟ لو ظل المجلس مشغولا بنقاشات الجواز الأحمر والأصفر لكان خيرا لنا. نحن الآن دخلنا في مناطق خطرة، تتطلب من الدولة والمجتمع التحرك لحماية المجتمع من مستصغر الشرر الذي يوشك أن يحرقنا. لا نحتاج إلى استطلاعات رأي تُظهر انهيار الثقة في مجلس النواب، فالنواب أنفسهم تحدثوا عن التزوير. وما هو أهم من التزوير في الصناديق، التزوير في القانون.
للأسف، مشروع قانون الانتخاب مخيب للآمال، وهو أعد بنفس عقلية الصوت الواحد المجزوء "تحجيم الخطر الإسلامي". وهو جزء من مسلسل لم يتوقف منذ العام 1993؛ تدرج المخاوف، وتجري استطلاعات الرأي "السرية". وبعد "البروفات" على الدوائر الانتخابية توزع المقاعد وفق المزاج الأمني. وبدلا من حوار شفاف وعلني على مستوى وطني، نجد صراعا تحتانيا بين مراكز القوى، تظل الحكومة هي الطرف الأضعف فيه.
لن نجني من الشوك عنبا. ومقدمات كهذه ستقود إلى نتائج أسوأ. دور الدولة هو الحفاظ على الدستور والقوانين، وتبقيها بالقوة. ما حصل العكس تماما؛ قوانين الانتخابات والدوائر الانتخابية استبيحت، إلى درجة تفصيل دوائر بحجم مسؤولين منتهي الصلاحية، وتنقل مقاعد وفق حسابات سياسية صغيرة (كما حصل في المقعد الشركسي في عمان الثالثة!)، ويقلص الأردن بحجم لواء، ويقسم إلى عشائر لها حقوق مكتسبة لا يجوز المساس بها.
في وضع كهذا ما الحاجة إلى نظام "نيابي ملكي"؟ لنعدل الدستور إلى نظام "عشائري ملكي"، ونقسم الوطن إلى عشائر، والعشائر إلى درجات، وكل عشيرة تنتخب نائبها. عمليا يتم "تعيين" النواب واسترضاء العشائر، ودور الانتخابات مثل الجاهات؛ مراسم بعد الاتفاق على كل شيء وكتب الكتاب. في وضع كهذا لا يستغرب أن يخرج من يطالب بحقوق الأردنيين من أصل فلسطيني.
لو أن الدولة احترمت قانون الانتخاب باعتباره ميثاقا لا ينقض، وحقوقا تعاقدية بين أبناء الضفتين، لما وصلنا إلى هذه المرحلة. لا حل إلا بالعودة إلى قانون 1989 بما له وما عليه، مثلنا مثل دول العالم التي تحترم التعاقدات. فأميركا التي اخترعت استطلاعات الرأي لا تجري استطلاعات لتغيير قانون الانتخاب منذ وضعه الآباء المؤسسون في الدستور قبل مئتي عام، سواء كانت استطلاعات صحيحة أم مزورة.
لو أن من أجرى استطلاعا يظهر أن الأكثرية تريد الصوت الواحد المجزوء أجراه العام 1993 فماذا ستكون النتيجة؟ ولو أن الاستطلاع سأل عن الرضا عن حجم التمثيل، هل سنجد طرفا راضيا عن حجم تمثيله؟ العبث الآن دخل مرحلة الخطر. لم يعد الإصلاح السياسي أولوية؛ الأولوية هي السلم الاجتماعي. ويبدو أن هذا هدف لبعض الجهات: تريدون إصلاحا؟.. لن يكون هناك استقرار!
الغد
تابعو الأردن 24 على google news