العطعوط يعدل عن الترشح للانتخابات: المشروع هو الأهم
جو 24 :
كتب: المحامي عمر العطعوط -
عندما قررت الترشّح للانتخابات النيابية القادمة، جاء ذلك لإيماني العميق بأن هنالك شريحة واسعة من الأردنيات والأردنيين تطمح للوصول إلى دولة مدنية ديمقراطية، تتلازم فيها السلطة مع المسؤولية، ويتساوى فيها المواطنون أمام القانون بغض النظر عن الجنس أو الدين أو الأصل.
كنت، وما زلت، مقتنعًا بأن هذه الشريحة أكبر مما نتصور، لكنها منكفئة على نفسها وتفضّل عدم الخوض في السياسة لأسباب متعددة منها الشعور العام بالإحباط واستحالة التغيير من الداخل، وأن التحول الذي نطمح إليه صعب ويحتاج عشرات السنين لخلخلة بنى المنظومة السياسية والاقتصادية والاجتماعية المسيطرة.
من هنا، وكما كتبت في مقال سابق، رأيت أن الانتخابات النيابية القادمة تشكل فرصة لتجميع الأشخاص الذي يحملون مبادئ وأفكار متشابهة، وأنه يمكن لحملة انتخابية أن تكون أداة لتشجيع التكتّل الذي نحن بأمس الحاجة إليه. لهذا أعربت عن نيتي في الترشح للانتخابات.
أعلم أن مستوى الثقة في المؤسسة البرلمانية قد وصل أدنى مستوياته منذ عودة الحياة النيابية عام ١٩٨٩، وأنها أصبحت محل تندر وسخرية الغالبية العظمى من الأردنيين والأردنيات، لكن هذا ليس سوى نتيجة عقدين وأكثر من العبث الممنهج بالمؤسسة البرلمانية سواء من خلال قانون الصوت المجزوء والدوائر الوهمية أوتزوير الانتخابات والتدخل في عمل البرلمان وصولًا إلى التعديلات الدستورية التي شكّلت تقويضًا لنظام الحكم السياسي للمملكة القائم على النظام النيابي الملكي الوراثي.
لهذا، مطلوبٌ اليوم من الأردنيات والأردنيين الذين يؤمنون بالدولة المدنية والمبادئ السليمة للملكية الدستورية ألا يرفعوا الراية البيضاء ويتخلّوا عن مجلس النوّاب، لأنه الركن الأول من أركان نظام الحكم في الأردن.
أدرك تمامًا أن قانون الانتخاب الجديد لا يختلف في جوهره عن قوانين الصوت المجزوء التي سبقته، وأنه يستحيل على المنظومة السياسية الحالية أن تفرز مجلسًا تمثيليًا حقيقيًا يعكس إرادة الشعب ويقوم بالدور التشريعي والرقابي المناط به. كما أنني لست واهمًا بما يمكن لفرد أو مجموعة من الأفراد أن يحدثوه من تغيير إذا وصلوا مجلس النواب، لكنني أرى أن المشاركة الشعبية الفاعلة في الانتخابات اليوم ضرورية جدًا لكسر هيمنة الوضع الراهن وإيصال خطاب مختلف إلى البرلمان.
خلال الأسابيع الماضية، التقيت بالكثيرين وخضت حوارات مع طيف واسع من الأشخاص حول المبادئ المشتركة التي نؤمن بها والبرنامج الانتخابي وآليات التحالف. لقد أعطتني هذه اللقاءات والحوارات دفعة إيجابية كبيرة وعززت إيماني بأهمية العمل العام وتأطير الأفكار من أجل الوصول، ولو بعد سنوات، إلى كتل وازنة قادرة على إحداث فرق في مواقع صنع القرار في بلدنا.
نجحنا في بناء نواة تحالف برامجي ملتزم يعتمد على الفكرة لا الشخوص مع مجموعة منسجمة في المبادئ والتوجهات أعتز بالعمل معها. لكن مع هذا، اكتشفت أن المشهد الأوسع خارج هذه النواة تهيمن عليه الخصومات والتجاذبات السياسية، وأن هذا يؤثر بشكل سلبي على فرص التحالف بشكل أكبر وتجميع الناس. هذا إضافة إلى أن العديد ممن يحملون ذات الأفكار التي نطرحها منكفئون عن الترشح.
هذه العوامل اجتمعت مع تفاصيل قانون الانتخاب الجديد لإعاقة التحالف البرامجي، لأنه وإن كان القانون ظاهريًا يمنع الترشح إلا من خلال قوائم، إلا أن آليات التصويت، وغياب حد أدنى من الأصوات مطلوب للتنافس على المقاعد، وطريقة الحساب باعتماد «أعلى البواقي» أدّت إلى تشكيل القوائم بطريقة «من كل قطر أغنية»، وهو ما لا أستطيع التماهي معه لأنه يضر بالمشروع الأساسي الذي سعيت للترشح من أجله.
كثيرون ممن التقيتهم يأخذون على ما يسمونهم «جماعة الدولة المدنية»عجزهم عن التحالف لأسباب يصفونها بالواهية. لكن ما أدركته أيضًا أنه ليس كل من يدعو للدولة المدنية الديمقراطية يؤمن حقيقةً بها ومستعد لتسمية الأمور بمسمياتها.
لا شك أن العمل السياسي وخوض الانتخابات يتطلب تنازلات براغماتية، لكن بالنسبة لي هنالك مجموعة من المبادئ الأساسية التي لا يجوز التنازل عنها تحت مسمى البراغماتية السياسية، بل إن التنازل عنها هو سبب أساسي في فقدان العديد من المواطنين للثقة بنوّابهم.
لكل ما سبق، قررت العدول عن قرار الترشّح، وأن أستمر مع ذلك بالعمل على الأرض لأكون جزءًا من تيار فاعل يسعى نحو أردن مدني ديمقراطي لجميع أبنائه وبناته. ولقد بدأنا بهذا فعلًا. الأشهر الماضية أتاحت لي فرصة العمل مع مجموعة متميّزة، وأنا ممتنٌّ لكل واحد وواحدة منهم على تشجيعهم ودعمهم والجهد الذي بذلوه، وأعتقد أننا تعلّمنا الكثير معًا من هذه التجربة وسنستمر. عدولي عن الترشح ليس على الإطلاق دعوة للمقاطعة، بل ينبغي علينا الاستمرار بالاشتباك الإيجابي، لكن قد نكون بحاجة لوقت أطول من هذه الانتخابات حتى نبلور حركة قادرة على التأثير فعلًا.