الانتصار الجديد وما بعده
كان متوقعا أن تنتهي المواجهة الجديدة بين حماس وقوى المقاومة في قطاع غزة وبين الكيان الصهيوني بتجديد التهدئة بين الطرفين والسبب أن خيارات الطرفين فيها تدفع في اتجاه التجديد، وليس التصعيد.
من المؤكد أن الكيان الصهيوني لا يملك خيارات معقولة بالنسبة إليه في التعامل مع قطاع غزة غير خيار التهدئة، فاستمرار العمليات لأمد أطول سيؤدي إلى قتل مزيد من المدنيين وسيصعِّد حدة المواقف السياسية العربية والإقليمية والدولية، وهي مواقف بدت مختلفة إلى حد كبير عما كان عليه الحال أثناء عدوان 2008، 2009، يوم سقط 1400 شهيد، من دون أن نسمع الكثير من التعاطف العربي الرسمي، في ذات الوقت الذي سمعنا فيه الكثير من الشماتة، مع الكثير من الضغوط.
أما خيار العملية البرية فخطير وينطوي على مخاطر جمة، من بينها سقوط الكثير من المدنيين وصولا إلى هبة شعبية عربية وإسلامية ودولية تفرض على حلفاء الكيان الضغط عليه من أجل وقف العدوان، فيما يتمثل الخطر الأكبر في وقوع جنود الاحتلال في فخاخ المقاومة وسقوط الكثير منهم في المعركة بما يؤدي إلى خسارة انتخابية لنتنياهو، ولعنة شعبية أيضا. وحتى لو تمكن الاحتلال من دخول قطاع غزة، فما الذي سيفعله بعد ذلك، وكيف سيتصرف في منطقة تتجذر فيها الحركة في كل مفاصل المجتمع؟!
هل سيسلمها لمحمود عباس، وكيف سيكون موقف الأخير حيال ذلك، وما موقفه حين يظهر بمظهر من جاء على دبابة الاحتلال؟ إن ذلك سيسرع بدرجة كبيرة في اندلاع انتفاضة يحاول الإسرائيليون تجنبها بكل ما أوتوا من قوة، ومعهم عباس أيضا. أما خيار البقاء، فهو أكثر كلفة بكثير لأنه سيجعل جنود الاحتلال طرائد يصطادها شباب المقاومة.
من هنا، كان من الطبيعي أن يفضل نتنياهو تجديد التهدئة، ولما كانت حماس تدرك بؤس خيارات نتنياهو، فيما هي جاهزة للمزيد من الصمود في ظل موقف سياسي عربي معقول، فقد كان من الطبيعي أن تتشدد في موقفها وصولا إلى فرض شروط جديدة بعضها يستعيد الاتفاق السابق وبعضها جديد، وفي المقدمة فتح المعابر، بما فيها القبول بفتح معبر رفح للبضائع وليس للأشخاص فقط، مع أن مصر ستفعل ذلك رغم أنفهم، فضلا عن وقف الاغتيالات، ما شكل انتصارا للمقاومة وهزيمة واضحة لنتنياهو.
والحال أن حماس أيضا ليست ضد التهدئة، فهي تدرك إن استمرار المعركة يعني المزيد من التدمير لمنطقة لم تكد ترمم الكثير مما دمر في حرب الرصاص المصبوب، فضلا عن حقيقة أن القطاع المحاصر لا يمكنه فتح معركة طويلة المدى مع الاحتلال تنتهي بنتيجة أكثر من تحريره؛ هو المحرر عمليا لجهة خروج جيش الاحتلال منه، وإن بقي بحره محتلا، وكذلك حال أجوائه.
من هنا يمكن القول إن ما جرى يعد انتصارا مؤزرا للمقاومة وفي مقدمتها حركة حماس، ومن الطبيعي أن يكون لهذا الانتصار ما بعده على صعيد القضية الفلسطينية برمتها، وإلا فسيبقى رمزيا ومحدودا دون تأثير على القضية برمتها.
ما سيجعله محطة لانتصار أكبر للقضية هو أن يدفع حماس إلى اتخاذ موقف مختلف من الملف الفلسطيني عبر طرح مشروع جديد عنوانه توحيد الساحة الفلسطينية برمتها على خيار المقاومة وإطلاق انتفاضة شاملة في كل الأرض الفلسطينية.
تنظير هذا المشروع يقوم على فكرة أن السلطة صممت لخدمة الاحتلال، وأن خيار التفاوض لم يعد ذي جدوى، فضلا عن استمرار الاستيطان والتهويد والإذلال في الضفة الغربية، وبالتالي فإن المصالحة على قاعدة ضم غزة إلى الضفة في سياق مشروع التفاوض بعيد المدى والتنسيق الأمني مع الاحتلال لا يمكن أن يكون مقبولا.
الحل هو التوافق على إدارة مدنية للضفة والقطاع بالتوافق وإطلاق انتفاضة شاملة في كل الأرض الفلسطينية، مع العمل على انتخاب قيادة فلسطينية للداخل والخارج ضمن ما يعرف بإعادة تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية.
وفي حال رفض محمود عباس لهذا المشروع، فإن حماس تكون قد خرجت من دائرة الاتهام بالحرص على السلطة والقبول بما يسمونه إمارة غزة، فيما يغدو الشارع في الضفة أكثر استعدادا لإطلاق الانتفاضة رغم أنف السلطة، ما سيدفع فتح وجميع القوى إلى الانخراط فيها استثمارا للربيع العربي والأجواء الدولية الجديدة.
(الدستور)