الحوار مع إيران.. هل لديكم بديل؟
ناهض حتر
جو 24 : (1)
فلنضع قصة الهوس المعادي "للشيعة" جانبا. من المعيب، أصلا، أن تكون المذهبية والطائفية موضع جدل، بل أكثر؛ إنها معول لتهديم مستقبل الشعوب العربية والمسلمة؛ فهذه الشعوب متعددة الأديان ومتعددة المذاهب ومتعددة الفرَق ومتعددة التوجهات الفكرية والثقافية. وقد كنتُ أود أن أسميها هنا، لكنني قدّرت أن هذه المساحة لا تكفي، فشعوب الشرق تتكون من طبقات متراكمة من الحضارات والاثنيات والعقائد والأفكار الخ. وهي محكومة بالتعددية والوحدة والتسامح والتوادّ، طالما أن البديل هو متوالية هندسية من الحروب الأهلية؛ فعندما يبدأ التعصب وتتركز الكراهية، لا يتوقف الصراع المجنون عند حد، ويتوالد حتى يحترب أهل المذهب الواحد على التفاصيل. دعونا، إذاً، نناقش العلاقات مع إيران سياسيا واقتصاديا، وبهدوء.
(2)
أوضحت السفارة الإيرانية في عمان أن العرض الذي قدمه السفير مصطفى مصلح زاده، ليس كما ورد في وسائل الإعلام، وإنما هو تحدث عن حوار أردني ـ إيراني يحدد حاجات الأردن النفطية وكيفية سداد قيمتها بمنتجات أردنية تحتاجها إيران. وبذلك، يمكن انتزاع البعدين السياسي والدعائي اللذين تخوّف منهما البعض.
حوارنا مع الإيرانيين ـ على عدة مستويات ـ مهم للغاية. فإيران ـ أحببنا ذلك أم لا ـ لاعب أساسي على مستوى الإقليم والمنطقة. وهي تتمتع بحضور نافذ في العراق وسورية ولبنان وفلسطين، وتقيم علاقات حوار سياسية مع تركيا ومصر، وتتمتع بعلاقات مميزة مع القوتين الدوليتين الصاعدتين، روسيا والصين. ولا يمكن للأردن ـ الذي يقع في قلب الإقليم وقضاياه ـ أن يتجاهل الحوار المباشر مع طهران، مصغّرا أكتافه بحيث يتبع نتائج الحوار المصري الإيراني أو الخليجي الإيراني أو الغربي الإيراني.
نعيش اليوم مرحلة انتقالية على المستويين الإقليمي والدولي. وهناك فراغ أو للدقة فراغات، تسعى الدول للنفاذ منها لتحسين شروط حضورها السياسي وضمان مصالحها. ومن المؤسف أن الأردن، وحده، من بين سائر دول المنطقة، كبيرها وصغيرها، هو الذي يعيش حالة الشلل عن المبادرات والحوارات، مجمّدا دوره وقدراته في قوالب سياسية ودبلوماسية عفا عليها الزمن، ذلك أن ركائز تلك القوالب سقطت أو تفككت:
ـ لم يعد العالم خاضعا للواحدية القطبية الأميركية؛ فالولايات المتحدة تتراجع وينكمش نفوذها في عالم متعدد الأقطاب،
ـ ولم تعد إسرائيل هي القوة التي تقرر التطورات في الشرق الأوسط؛ فقدرة إسرائيل الردعية تضاءلت في اختبار المواجهات في جنوب لبنان وغزة،
(وفي النهاية، فإن هاتين القوتين معاديتان، جوهريا، للكيان الأردني، وترياه كمكان لتصفية القضية الفلسطينية لا غير)
ـ ولم يعد المحور الذي كان الأردن من أركانه، أي "محور الاعتدال" المصري السعودي، قائما؛ فمصر تحولت، اليوم، ركنا للمحور القَطري التركي الإخواني. وبينما تقع السعودية ـ بثقلها المعنوي والسياسي والمالي ـ في الاضطراب، جراء عدم قدرتها على التلاؤم مع المستجدات، فإن الأردن المهدد لا يستطيع أن يضطرب وينتظر. لنا ـ على الخصوص ـ مصلحة استراتيجية في الدفاع عن الدولة الوطنية وسيادتها في مواجهة أخطار محدقة. وهو ما يتطلب دبلوماسية من نوع جديد تراكم عناصر القوة للموقف الأردني.
(3)
على المستوى الاقتصادي تشكّل إيران ـ مثل روسيا والصين ـ فرصة ماثلة نحن بأمس الحاجة لاستثمارها. تعالوا نفتح حوارا اقتصاديا عاجلا مع الإيرانيين، وفق الاقتراح الإيراني المعلَن، بالذات. نحن لدينا أزمة تتمثل في أعباء فاتورة الطاقة على الاقتصاد والناس، والإيرانيون مستعدون لبيعنا الطاقة مقابل منتجات محلية، سوف تحددها لجان فنية وتجارية. هذه الصيغة، سوف تساعدنا مرتين، الأولى أننا سوف نسدد جزءا من فاتورة الطاقة بالدينار ( من خلال القيمة المضافة في المنتجات الأردنية المصدرة في عملية المقايضة) والثانية أن التصدير إلى إيران سوف يحفز الاستثمارات ـ ومنها الإيرانية ـ ويولد فرص عمل جديدة.
(4)
وينبغي أن نفتح هذا النوع من الحوار أيضا مع العراق وروسيا والصين ... وبلا تأخير. ومَن يرفض ذلك، عليه أن يعطينا البديل، غير الجوع والبرد والضعف والعزلة.
ynoon1@yahoo.com
(العرب اليوم)
فلنضع قصة الهوس المعادي "للشيعة" جانبا. من المعيب، أصلا، أن تكون المذهبية والطائفية موضع جدل، بل أكثر؛ إنها معول لتهديم مستقبل الشعوب العربية والمسلمة؛ فهذه الشعوب متعددة الأديان ومتعددة المذاهب ومتعددة الفرَق ومتعددة التوجهات الفكرية والثقافية. وقد كنتُ أود أن أسميها هنا، لكنني قدّرت أن هذه المساحة لا تكفي، فشعوب الشرق تتكون من طبقات متراكمة من الحضارات والاثنيات والعقائد والأفكار الخ. وهي محكومة بالتعددية والوحدة والتسامح والتوادّ، طالما أن البديل هو متوالية هندسية من الحروب الأهلية؛ فعندما يبدأ التعصب وتتركز الكراهية، لا يتوقف الصراع المجنون عند حد، ويتوالد حتى يحترب أهل المذهب الواحد على التفاصيل. دعونا، إذاً، نناقش العلاقات مع إيران سياسيا واقتصاديا، وبهدوء.
(2)
أوضحت السفارة الإيرانية في عمان أن العرض الذي قدمه السفير مصطفى مصلح زاده، ليس كما ورد في وسائل الإعلام، وإنما هو تحدث عن حوار أردني ـ إيراني يحدد حاجات الأردن النفطية وكيفية سداد قيمتها بمنتجات أردنية تحتاجها إيران. وبذلك، يمكن انتزاع البعدين السياسي والدعائي اللذين تخوّف منهما البعض.
حوارنا مع الإيرانيين ـ على عدة مستويات ـ مهم للغاية. فإيران ـ أحببنا ذلك أم لا ـ لاعب أساسي على مستوى الإقليم والمنطقة. وهي تتمتع بحضور نافذ في العراق وسورية ولبنان وفلسطين، وتقيم علاقات حوار سياسية مع تركيا ومصر، وتتمتع بعلاقات مميزة مع القوتين الدوليتين الصاعدتين، روسيا والصين. ولا يمكن للأردن ـ الذي يقع في قلب الإقليم وقضاياه ـ أن يتجاهل الحوار المباشر مع طهران، مصغّرا أكتافه بحيث يتبع نتائج الحوار المصري الإيراني أو الخليجي الإيراني أو الغربي الإيراني.
نعيش اليوم مرحلة انتقالية على المستويين الإقليمي والدولي. وهناك فراغ أو للدقة فراغات، تسعى الدول للنفاذ منها لتحسين شروط حضورها السياسي وضمان مصالحها. ومن المؤسف أن الأردن، وحده، من بين سائر دول المنطقة، كبيرها وصغيرها، هو الذي يعيش حالة الشلل عن المبادرات والحوارات، مجمّدا دوره وقدراته في قوالب سياسية ودبلوماسية عفا عليها الزمن، ذلك أن ركائز تلك القوالب سقطت أو تفككت:
ـ لم يعد العالم خاضعا للواحدية القطبية الأميركية؛ فالولايات المتحدة تتراجع وينكمش نفوذها في عالم متعدد الأقطاب،
ـ ولم تعد إسرائيل هي القوة التي تقرر التطورات في الشرق الأوسط؛ فقدرة إسرائيل الردعية تضاءلت في اختبار المواجهات في جنوب لبنان وغزة،
(وفي النهاية، فإن هاتين القوتين معاديتان، جوهريا، للكيان الأردني، وترياه كمكان لتصفية القضية الفلسطينية لا غير)
ـ ولم يعد المحور الذي كان الأردن من أركانه، أي "محور الاعتدال" المصري السعودي، قائما؛ فمصر تحولت، اليوم، ركنا للمحور القَطري التركي الإخواني. وبينما تقع السعودية ـ بثقلها المعنوي والسياسي والمالي ـ في الاضطراب، جراء عدم قدرتها على التلاؤم مع المستجدات، فإن الأردن المهدد لا يستطيع أن يضطرب وينتظر. لنا ـ على الخصوص ـ مصلحة استراتيجية في الدفاع عن الدولة الوطنية وسيادتها في مواجهة أخطار محدقة. وهو ما يتطلب دبلوماسية من نوع جديد تراكم عناصر القوة للموقف الأردني.
(3)
على المستوى الاقتصادي تشكّل إيران ـ مثل روسيا والصين ـ فرصة ماثلة نحن بأمس الحاجة لاستثمارها. تعالوا نفتح حوارا اقتصاديا عاجلا مع الإيرانيين، وفق الاقتراح الإيراني المعلَن، بالذات. نحن لدينا أزمة تتمثل في أعباء فاتورة الطاقة على الاقتصاد والناس، والإيرانيون مستعدون لبيعنا الطاقة مقابل منتجات محلية، سوف تحددها لجان فنية وتجارية. هذه الصيغة، سوف تساعدنا مرتين، الأولى أننا سوف نسدد جزءا من فاتورة الطاقة بالدينار ( من خلال القيمة المضافة في المنتجات الأردنية المصدرة في عملية المقايضة) والثانية أن التصدير إلى إيران سوف يحفز الاستثمارات ـ ومنها الإيرانية ـ ويولد فرص عمل جديدة.
(4)
وينبغي أن نفتح هذا النوع من الحوار أيضا مع العراق وروسيا والصين ... وبلا تأخير. ومَن يرفض ذلك، عليه أن يعطينا البديل، غير الجوع والبرد والضعف والعزلة.
ynoon1@yahoo.com
(العرب اليوم)