هكذا نصحها أهلها.. مسلمة تربت في الغرب تحكي مشاعرها المتناقضة مع الحج
جو 24 :
ضياء الرضوى، صحفية أسترالية من أصول لبنانية مصرية، تخوض تجربتها الأولى في رحلة الحج، وفي تقرير نشرته صحيفة The New York Times الأميركية تتحدث الرضوى عن المشاعر المتناقضة التي انتابتها أثناء الرحلة.
وإليك قصتها كاملة:
سألني: هل دفعتِ نقود طبيب الأسنان؟
صحت: لقد خرب أسناني!
قال: لا يُهم يا بابا، (قالها باللغة العربية المُحببة). هذا هو الحج. عليكِ دفع كل ديونك، حتى لو كنتِ لا تعتقدين أنها مُستحقة.
الحج، مناسك تستمر 5 أيام، وتمثل تكريماً لقصة ولادة الإسلام، رحلة روحية وكذلك جسدية، وتتطلب استعدادات على الصعيدين.
لذا كان عليّ شراء حذاء جديد مناسب لأيام طويلة من المشي، وآمن للارتداء وسط الحشود الكبيرة. كان عليّ أن أطلب المغفرة من أي شخص ظلمته، وأغفر لجميع من ظلموني، وكان عليّ تسديد ديوني.
هناك طبيب أسنان في مدينة رام الله بالضفة الغربية خرّب أسناني بشدة هذا العام، وكلفني آلافاً من الدولارات، وأياماً من الألم والاضطراب العاطفي الدائم. أرسل لي هذا الطبيب ملاحظات بذيئة، مهدداً باستخدام "اتصالاته" لتدمير سمعتي إذا لم أدفع له فاتورته المتبقية والبالغة حوالي 1000 دولار.
احتججت على والدي، وبكيت قليلاً. لكنه قال لي بهدوء: "سيُعوضك الله". وتابع: "وبعد ذلك عندما ترين هذا الرجل مرة أخرى، يمكنك رفع رأسك عالياً عالمة أنه ليس لديه أي شيء عليكِ".
دفعت نقود طبيب الأسنان وأنا غاضبة ومُستاءة. كما تصالحت مع المالك الجشع الذي رفض إعادة مبلغ 2650 دولاراً كنت قد دفعتها كتأمين على المنزل. في نهاية المطاف، هبطت هنا في جدة، بالسعودية، لأجد أن حقيبتي - التي تحتوي على ملابسي وبطاقة قارئ الصور وشاحن الكمبيوتر والعدسات اللاصقة - قد فُقدت، وهكذا كان عليّ مسامحة ناقل الأمتعة أيضاً.
منذ مئات السنين، يأتي الحجاج إلى السعودية لتلبية نداء الله في أقدس المواقع في الإسلام، استجابة لأمر القرآن: "وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ".
اليوم، يأتون أيضاً بالحافلات والطائرات، يتحركون بين المواقع في ممرات مكيفة الهواء مع مسارات مُخصصة لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، يأكلون في مراكز التسوق الحديثة القريبة، ويدفع بعضهم 2700 دولار في الليلة للإقامة في الأبراج الفندقية الشاهقة المُطلة على الحرم، والمسجد مترامي الأطراف المبنيّ حول المبنى الأسود مكعب الشكل المعروف باسم الكعبة.
haag
بين الخامسة عشرة والعشرين من عمري
نشأت في أسرة مسلمة مصرية لبنانية مُلتزمة دينياً في كانبيرا بأستراليا، وبدأت ارتداء الحجاب في الخامسة عشرة. صليت بانتظام، حفظت القرآن، وسعيت لدراسة الشريعة.
لكن إيماني بدأ في التراخي أثناء دراستي في الكلية. كنت في العشرين من عمري عندما خلعت الحجاب، متسائلة: كيف لا يُمكنني أن ألقي دروساً دينية أمام الرجال، أو إمامتهم في الصلاة أو أن أكون شاهدةً في بعض الأمور القضائية؟!
الآن، أبلغ من العمر 38 عاماً، ولديّ علاقة متشعبة مع الإسلام. هو حجر الأساس الذي تقوم عليه قيمي. فهو يُعلمني كيف أبتسم للغرباء، وأتصدق للجمعيات الخيرية، وكيف أحاول التحلي بالصبر مع أطباء الأسنان والمُلّاك. لكنني لا أرفض مواعدة الأصدقاء، وأملك زياً محتشماً للسباحة، وبينما لا أزال أصوم في شهر رمضان المبارك، فإنني لا ألتزم تماماً بباقي تعاليم الإسلام الأُخرى.
مع ذلك، دائماً ما كنت أحلم بالحج. خططت أنا وشقيقتي الكُبرى مروة - مزارعة بالمناطق الريفية في نيو ساوث ويلز - لأخذ إجازة لمدة عام والمشي إلى الكعبة، كما فعلت السيدة الصوفية العظيمة رابعة العدوية في القرن الثامن، من البصرة بالعراق. كانت تلك واحدة من بنود قائمة الأمنيات التي ضاعت مع أحداث الحياة.
"هل أنتِ مسلمة، يا أختي؟"
ثم قبل بضعة أشهر، اقترح أحد الزملاء أن أتقدم بطلب للحصول على تأشيرة صحفي لتغطية موسم الحج. وقفت لألتقط صورة جديدة لجواز السفر مرتدية غطاء رأس أسود مع أحمر الشفاه، ومتجهمة.
"هل أنتِ مسلمة، يا أختي؟"، سألني الرجل في السفارة السعودية بالأردن وهو ينظر للصورة بريبة.
"نعم يا سيدي". قلت له مُشيرة إلى اسمي ذي النغم الموسيقي ضياء الرضوى.
رضوى هو جبل في المدينة المنورة، وهي ثاني أقدس مدينة في الإسلام. ختم الرجل جواز سفري مع التأشيرة. فجأة، صار الأمر حقيقياً.
في الأسابيع التي تلت ذلك، وجدت نفسي أبكي أحياناً لأني أدركت أن بصري سيقع قريباً على الكعبة، وهي فارغة - تذكير بأن قلب الإسلام هو عبادة الإله الواحد المتفرد. أنا أخاف من الحشود والحرارة والخدمات اللوجستية، خصوصاً المشرف الذي تُعينه وزارة الإعلام السعودية لمتابعة الصحفيين في كل مكان. وأنا حريصة على تحقيق توقعات والديّ. ثم هناك شيء ما سأنتعله في رجلي.
خططت لارتداء أحذية مناسبة للمشي لمسافات طويلة (hiking boots)، فهي قوية ومريحة، ولن يدعس أحد أصابع قدمي. عارضت أمي هذه الفكرة سريعاً. أدت أمي شعيرة الحج عدة مرات، وقالت لا شيء أفضل من الجوارب ونعال (Crocs)، بسبب سهولة ارتدائها وخلعها.
اتبعت مشورة أختي أروى في ارتداء رداء طويل ذي سحّاب - بدلاً من الأزرار - كي لا يتمكن أحد من تمزيقه. وحسب تعليمات والدتي، قمت بطيه فوق كاحلي، حتى لا أتعثر به. (الأمر أصعب كثيراً للرجال، الذين لا يرتدون إلا قطعتين فقط من الأقمشة البيضاء غير المخيطة. هذا كل شيء. لا ملابس داخلية، لا شيء. لا أستطيع أن أتخيل العمل كصحفية هكذا).
الحجاب مطلوب بالطبع؛ أضفت له شريطاً مطاطياً، حتى إذا ما انزلق لا تنكشف جدائلي. يقول أخي سيف إن الناس تغضب حقاً تجاه النساء اللاتي يظهرن غير محتشمات.
في الحقيبة التي أُبقيها ملتصقة بصدري، لديّ كاميرا، ومفكرة، وهاتف آيفون، ومُطهر، ودواء للإسهال، ومضادات حيوية. يقول أخي إنه من الخطير جداً أن أترك الكاميرا أو أي شيء آخر يتدلى من عنقي. فمن الممكن أن يتمزق.
مجموعة واتساب الخاصة بعائلتنا
"لا أستطيع أن أبدأ في وصف الحشود"، كتب سيف على مجموعة واتساب الخاصة بعائلتنا. "في الأغلب تعلق بزحام بشري ولا تتحرك إلا من خلال إرادة الناس من حولك، تقريباً مثل موجة تحملك". قام سيف بأداء الحج قبل 4 سنوات، عندما كان عمره 31 عاماً.
وتابع أخي: "يمكن أن تدفشك امرأة تركية قوية البنية"، وأضاف: "فقط تحلي بالصبر واعرفي لماذا أنت هناك في المقام الأول". اتصل بعد عدة أيام قليلة: "اسمعي، لقد نسيت أن أقول لك شيئاً".
قال أخي: "قومي بعملك قبل الذهاب إلى أي مكان"، ووصف كيف أنه اضطُر في إحدى المرات إلى الانتظار ساعتين أو 3 ساعات للتحرك ربما 50 ياردة إلى أحد الفنادق. "دورات المياه، عليك أن تعلمي تماماً أين تقع وكيف يمكن الوصول إليها". الإسهال يُمثل تهديداً موجوداً على الدوام. "قد تحتاجين للعثور على طريق هروب سريع إلى الحمام".
اشترِ التمر من الطائف
قال والدي: "اشترِ التمر من الطائف"، وتابع أن هناك "لا يكلف الكيلو إلا بضعة دولارات. بينما إذا كنت ستشترين من مكة أو المدينة، فستجدينها بسعر يقارب 35 دولاراً للكيلو. كل شيء أغلى هناك".
بعد ذلك، قامت أختى أروى - التي قامت برحلتها في عام 2004 - بإعادة توجيهي لأُركز مرة أُخرى.
كتبت على مجموعة الواتساب: "المشاعر الروحية ستطغى على كل الأمور الدنيوية، الأشخاص الذين سيمزقون حاجياتك، والرجال الذين سيعتدون على أشخاص أمامك. ستطغى المشاعر الروحية على كل هذا. إنها جميلة ولا تُنسى".