مهننة الانتخابات
جو 24 :
كتب حسام عايش -
دارت عجلة العملية الانتخابية وفق قانون الانتخاب الجديد الذي أفرز معه ثقافته الخاصة به، فلكل قانون انتخابي ثقافة، ولذلك لدينا ثقافات انتخابية تختلف في التفاصيل وتلقي في النتيجة النهائية؛ بما تؤدي اليه من إزاحة الانتخابات نفسها عن مضمونها التنافسي القائم على البرامج والسياسات والتوجهات والاهداف؛ التي يفترض أن يسعى المرشح لتحقيقها، وحتى مع وجود بعض التوجهات وشبه البرامج الجادة فذلك لا يتعارض أبدا مع حقيقة النتيجة الانتخابية التي أشرنا اليها.
الانتخابات بشكلها الحالي ما زالت أقل من مستوى الطموحات لشعب يفترض أنه قد انتقل بسرعة من اقتصاد الكفاف إلى اقتصاد السوق واقتصاد المعرفة، وبالتالي فإن الانظمة والقوانين الناظمة لحياته يفترض أن تكون أكثر مستقبلية في تطلعاتها لأنها بكل بساطة تؤسس للمستقبل وليس للحاضر فقط ، فمن سسينتخب اليوم سيشارك في وضع القوانين او تعديلها او تغييرها لتناسب المستقبل انطلاقا من الحاضر،فإذا كان القانون الانتخابي عاجزا عن ملامسة بعض ما كان في قوانين سابقة من دور ايجابي في صقل وتطوير الحياة السياسية ومهننتها، فكيف لمخرجاته أن تكون ذات إضافة للحاضر والمستقبل؟
خصوصا وأن الناس لا تعلم كيف تشكلت معظم القوائم الانتخابية وعلى أي أسس باستثاء القليل منها، ولاكيف يمكن إنتخاب قائمة يطالب أعضاء فيها ناخبيهم بانتخابهم هم فقط من بين زملائهم – وهو ما يختطلط على الناخب فالقائمة المفتوحة تستدعي مثل هذا التنافس الداخلي بين أعضائها- ولا كيفية مساهمة القوائم في التنمية السياسية وتكريس ثقافة الانتخاب القائم على البرامج؛ إذا كانت هي نفسها بلا برنامج مشترك، ولا كيف يمكن لمرشح غير قادر أو راغب بالتوافق مع الاعضاء في قائمته على برنامج معين؛ أن يتوافق مع غيره من المرشحين الفائزين في المجلس النيابي.
إنها قضية محيرة تؤدي بالضرورة الى شكل من الانفصام الانتخابي فالناخب عليه أن يختار قائمة بذاتها وكأنه يوافق على برنامجها أو اللا برنامج لها، وأن يختار واحدا من بين الاعضاء فيها بتوصية من الاعضاء أنفسهم؛ أي أن المرشحين يكرسون الصوت الواحد وكل يريده لنفسه فقط.
لكن ومع ذلك ورغم محاولة المرشحين القفز عن مطبات القانون الانتخابي وكوابحه وتعرجاته ومثالبه؛ الا أنهم يتماهون مع ثقافته حتى مع استثمارهم التقنيات الحديثة كتعبير عن التجديد في الوسيلة وإن كان ذلك دون تجديد في الخطاب، واستمالة الناس الى شخوصهم بالرسائل الاليكترونية لكن دون برامج خلاقة ومبدعة وواقعية، واستثمار المال السياسي لكن دون انفاقه للارتقاء بمضمون الحملات الانتخابية بل باستغلاله للتأثير على خيارات الناخبين، واختيار مسميات للقوائم دون أن يكون لذلك أية دلالات ذات معنى بالنسبة للكثيرين فقط للايحاء أنهم يتماهون مع تلك المسميات دون دليل ودون محاسبة أيضا.
فهل نحن امام انتخابات تستخدم فيها وسائل العصر كتعويض عن قانون انتخابي يحابي منطق الصوت الواحد ، لتكون النتيجة الحتمية معبرة عن ثقافة ذلك الصوت؟