في المعركة الكبرى على مصر
لم تقدم دولة الصهاينة تنازلاتها الكبرى في كامب ديفيد بسبب انتصار مصري عسكري في حرب 1973، بل جاءت التنازلات لأن الهدف كان واضحا: إخراج مصر من الصراع العربي-الإسرائيلي. وهذا ما تحقق بالفعل. وبعد السادات الذي ظل يتحلى بصفات رجال الدولة، حوّل مبارك علاقة السلام البارد مع إسرائيل إلى تحالف استراتيجي في آخر سنوات حكمه، مقابل تمرير التوريث. ولذا وقفت إسرائيل معه حتى آخر يوم له.
لم يتوقع من الرئيس محمد مرسي أن يعلن الحرب على الدولة العدو، بحسب أدبيات جماعة الإخوان المسلمين. ولكنه عمل بسياسة مستقلة تجلت في حرب غزة الأخيرة. وبات واضحا الفرق الاستراتيجي بين نظام منتخب ونظام دكتاتوري، بل إن الانتقادات التي وجهت إليه بعد إرسال سفير إلى تل أبيب جاءت من أنصاره وخصومه على السواء. وبحسب افتتاحية صحيفة إسرائيل اليوم، فإن نتنياهو امتنع عن شن حملة برية على غزة بعد تهديد مرسي بإلغاء كامب ديفيد.
أفرز الانتصار في حرب غزة الثانية تحالفا إقليميا مرعبا لإسرائيل وإيران على السواء. فقد حرص مرسي على شراكة تركية في الانتصار الدبلوماسي، وهو ما لم تغفره إيران، خصوصا أنه جاء بعد القطيعة بينها وبين "حماس"؛ تمويلا وتسليحا وسياسة، بسبب الموقف من سورية.
بعد انتصار غزة، شعر مرسي بالقوة لإصدار قراراته الأخيرة. لكنه لم يتنبه إلى شبكة الأعداء التي تحالفت ضده على تناقضاتها. فللمرة الأولى، تصفه الصحف الإيرانية المقربة من المرشد بـ"فرعون" مصر. وفي المقابل، الخليح أعلن الحرب عليه، وخصوصا الإمارات التي تحتل إيران جزرها، وخرج أحمد شفيق من دبي معلنا نيته العودة لإسقاط النظام، ومن دبي أيضا كتب نجيب سويرس "صباح الخير من مصري حر من دبي الحرة". وخرجت الصحف الأميركية تطالب بربط المساعدات والقروض بتراجعه عن قراراته. صحيح أن مرسي عين مدير المخابرات الجديد، لكن، وكما ظهر بالدليل القاطع، فإن ضباطا في المخابرات وأمن الدولة شاركوا في إحراق مقرات الإخوان. ما يزال يدير الوضع بعد سقوط نظام مبارك بعض أفراد ينتمون لمخابرات عمر سليمان. وأفراد ينتمون لداخلية العادلي يديرون البلطجية في الشارع المصري لصالح النظام القديم.
يخوض مرسي معركة كبرى داخليا وخارجيا، من المهم أن ينتصر فيها، لأن انتصاره هو انتصار للديمقراطية، وهزيمته هي هزيمة لها، وإغراق لمصر في فوضى يصعب الخروج منها. القوى المعادية للديمقراطية ليست معزولة أو بسيطة، بل متجذرة محليا، وقادرة على التحرك ولها مخالب، ولها من يغطيها؛ فحرق مقرات الإخوان وقتل أحد أفرادهم لم يجد من يدينه، ووقف جورج إسحق ليصف العمل الإجرامي بالانفعال الزائد، مع أن الإخوان قادرون على إحراق مقرات خصومهم؛ فهم يملكون التنظيم الأقوى والأكثر حشدا وتنظيما. والمؤسف أن يرضى القتيل وليس يرضى القاتل، فالإخوان يؤجلون مليونيتهم، وتحرق مقارهم، ويقتل شبابهم، ويلامون!
ساركوزي المنتخب ووجه بمظاهرات مليونية ولم يتراجع عن قراراته. واليوم، مرسي يواجه بمليونية، ولكنه أيضا منتخب ويحق له التمسك بقراراته. قد تحصل انفراجة، وقد يحصل تنازل متبادل، لكن الواضح أن هدف شفيق وحمدين والبرادعي وموسى وسويرس هو إسقاط مرسي، ولا هدف آخر لهم. إن تحصين قرارات مرسي هو لشهرين فقط. ومن عمل في ظل دكتاتور ثلاثة عقود من الصعب فهم لماذا يرفض تحصين قرار يحصن مؤسسات منتخبة من الحل، مع أن القضاء الفاسد لم يدخر جهدا في إثبات نواياه المعادية للديمقراطية، بدءا من حل مجلس انتخبه 32 مليون مصري، وصولا إلى تبرئة قتلة الثوار؟
المعركة على مصر ليست سهلة، وهي تخاض من الداخل والخارج بكل الأسلحة.
(الغد)