jo24_banner
jo24_banner

غيوم في سماء المملكة العربية السعودية - 10

د. حسين عمر توقه
جو 24 :
التحديات الأمنية لدول مجلس التعاون :-
لقد طغت على سطح الأحداث أنباء موافقة الكونجرس الأمريكي بشقيه النواب والشيوخ بغالبية عظمى بتاريخ 28/9/2016 على نقض قرار الرئيس الأمريكي باراك أوباما والموافقة على إقرار قانون العدالة ضد الإرهاب والذي يقضي بالسماح لأهالي ضحايا هجمات 11 أيلول 2001 بمقاضاة المملكة العربية السعودية حول دورها المزعوم في دعم وتمويل عملية الهجوم على برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك ومبنى وزارة الدفاع ( البنتاجون ) في واشنطن تحت الإدعاء بأن عدد السعوديين المشاركين في هذين الهجومين يبلغ 15 شخصا يحملون الجنسية السعودية من أصل 19 شخصا وأنهم كانوا يتلقون الدعم والتمويل من الحكومة السعودية .
وبإقرار هذا القانون تبدأ أكبر عملية إبتزاز في القرن الواحد والعشرين وأكبر حرب قانونية وحرب نفسية من قبل الولايات المتحدة بمؤسساتها القانونية ضد المملكة العربية السعودية لا سيما وأن تعداد ضحايا برجي مركز التجارة العالمي يبلغ 2823 قتيل بالإضافة إلى 125 من قتلى مبنى وزارة الدفاع الأمريكية بالإضافة إلى 64 قتيل نتيجة إرتطام طائرة أميركان إير لاينز بمبنى وزارة الدفاع بالإضافة إلى 45 قتيل نتيجة سقوط طائرة يونايتد إير لاينز في الجنوب الغربي لبنسلفانيا . وحتى هذه اللحظة وبعد مرور 15 عاما لم يتم الإعلان الرسمي عن عدد الجرحى لهذه الأحداث.
إن أهم تداعيات إقرار قانون العدالة والإرهاب أنه يربط بين حكومة المملكة العربية السعودية بإعتبارها إحدى الدول الداعمة للإرهاب وبين أحداث 9/11 كما أنه يمنح عائلات الضحايا الحق في رفع دعاويهم القضائية ومقاضاة المملكة العربية السعودية في المحاكم الأمريكية وطبقا للقوانين الأمريكية . إن الخطورة في إقرار هذا القانون تتمثل في إمكانية إصدار قرارات من أجل تجميد وحجز الأرصدة المالية للملكة العربية السعودية في الولايات المتحدة وقد تتطور الأمور بحيث تصل إلى حد مطالبة مجلس الأمن بفرض عقوبات إقتصادية وعسكرية ضد السعودية .
ولا يستطيع أحد أن يقدر قيمة الأضرار التي يمكن أن تطالب بها عائلات الضحايا . وبتاريخ 2/10/2016 تم الإعلان عن قيام أرملة أحد ضحايا هجمات 11/9/2001 على مبنى وزارة الدفاع الأمريكية برفع أول دعوى قضائية على حكومة المملكة العربية السعودية حسب وكالة بلومبرغ الأمريكية فلقد تقدمت السيدة ستيفاني روس بدعوى قضائية في واشنطن تتهم فيها السعودية بتقديم الدعم المادي لمنفذي الهجمات الإرهابية والتسبب في مقتل زوجها الضابط البحري باتريك دون وأشارت إلى أنها كانت حاملا عندمل لقي زوجها حتفه .
وأظن أننا لا نغالي إذا قلنا إن عملية الإستفزاز والإبتزاز الأمريكية القانونية والنفسية والمالية والمعنوية سوف تستمر لسنوات قادمة وسوف تكلف المملكة العربية السعودية مبالغ لا يستطيع أحد أن يقدر قيمتها وسوف تكون بداية الإنهيار في العلاقات الإستراتيجية التي استمرت طوال 86 عاما لاسيما وأن إقرار هذا القانون قد جاء في أوج الحملة الإنتخابية لإنتخاب الرئيس الأمريكي الجديد وأن حكومة الرئيس الأمريكي بارك أوباما في نهاية أيامها عاجزة عن إتخاذ أي قرار بعد أن فشلت في نقض هذا القانون .
وأظن أن هذه المسألة ستشكل أهم التحديات للمملكة العربية السعودية في العقد الحالي .
لقد تحدثنا سابقا عن الخطر الإيراني وتحدثنا عن الخطر الإسرائيلي وتحدثنا عن المخططات لتفتيت العالم العربي والإسلامي وإيقاع شرخ لا يرحم بين المعسكر السني والمعسكر الشيعي وتحدثنا عن الربيع العربي وما صاحبه من تدمير الجيوش العربية التي شاركت في حروبها ضد إسرائيل ولا زلنا نشاهد حرق سوريا وتدمير وتقسيم العراق وإثارة حرب الخلايا النائمة في مصر العربية .
وعقدنا مقارنة عسكرية بين كل من إيران وإسرائيل وتحدثنا عن إمتداد الهلال الشيعي من إيران ليشمل كلا من العراق وسوريا ولبنان وتحدثنا عن حرب النفوذ ودعم كل من الحوثيين وعلي عبد الله صالح في اليمن كما تحدثنا عن إحتلال إيران لكل من جزيرة طنب الصغرى وطنب الكبرى وجزيرة أبو موسى وتأثير إحتلال هذه الجزر من الناحية الإستراتيجية على مضيق هرمز وقمنا بعقد مقارنات للترسانة العسكرية والصواريخ وأنواعها في كل من إسرائيل وإيران .
كما تطرقنا إلى العلاقات الثلاث بين الأمم علاقة الغالب بالمغلوب وعلاقة الغالب بالغالب وعلاقة المهزوم بالمهزوم
وتحدثنا عن أهمية النفط والغاز ومحاولة إيران سد الطرق ومحاصرة دول الخليج العربي برا وبحرا من أجل منع دول الخليج في بناء خطوط أنابيب نفط وغاز عملاقة تربطها بأوروبا .
كما تناولنا محاولات إيران في تصدير ثورتها وتدخلها في الشؤون العربية ومحاولة المساس بسيادة الدول العربية .
وما أحوجنا اليوم إلى مصارحة أنفسنا ونحن نبحث عن الطريق الأمثل لتحقيق الأمن والأمان لشعوبنا العربية بعيدا عن ويلات الحروب وآثارها وللحفاظ على ثرواتنا وإنساننا وقيمنا وحضارتنا من أتون حرب لاهبة والإبتعاد عن سباق التسلح الذي لا يرحم في حرب استنزاف لا تبقي ولا تذر .
كنا نتمنى أن يتحقق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين لأن القضية الفلسطينية منذ قرن من الزمان تشكل حجر الرحى في الوجدان العربي والإنساني ولقد خضنا حروبا قاسية وثورات عارمة تخللتها مذابح وتشريد للملايين من أصحاب الأرض كنا نأمل أن تحترم إسرائيل المواثيق والعهود التي قطعتها على نفسها والمعاهدات التي قامت بالتوقيع عليها وأن تقبل بحل الدولتين كي يعم الأمن والسلام والإستقرار والتقدم والإزدهار في المنطقة العربية وينعم الجميع بخيراتها وثرواتها .
كنا نتمنى أن تقوم الثورة الإيرانية بإحترام جيرانها وأن تمد لهم يد الأخوة في الدين وأن تساهم في التقريب بين كل الدول المسلمة وأن تحافظ على سيادة الدول المجاورة بدل القفز إلى حرب مدمرة مع العراق .
كما كنا نأمل من الثورة الإيرانية أن تحترم حق دول الخليج العربي في الحياة الأمنة بدل اللجوء إلى تصدير خلايا الإرهاب وترويع المواطنين الآمنين وإلى نبذ كل أنواع العنف والتوقف عن تدريبهم وتزويدهم بالأسلحة والمتفجرات من أجل زرع الرعب في قلوب الأطفال الأبرياء وفي قتل رجال الأمن الذين تكمن وظيفتهم في حماية أرواح المواطنين .
لقد أحسنت المملكة العربية السعودية صنعا بأن طلبت من منظمة التعاون الإسلامي والتي انعقدت في مدينة اسطنبول بمشاركة ممثلين عن أكثر من 50 دولة إسلامية ان تكون الحكم والمرجعية في التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لدول المنطقة العربية حيث ورد في البيان الختامي بتاريخ 15 /4/2016 عدد من القرارات أهمها
•أكد المؤتمر أهمية أن تكون علاقات التعاون بين الدول الإسلامية والجمهورية الإسلامية الإيرانية قائمة على مبادىء حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وإحترام استقلالها وسيادتها ووحدة أراضيها وحل الخلافات بالطرق السلمية وفقا لميثاق منظمة التعاون الإسلامي وميثاق الأمم المتحدة ومبادىء القانون الدولي والإمتناع عن استخدام القوة أو التهديد بها .
•أدان المؤتمر الإعتداءات التي تعرضت لها بعثات المملكة العربية السعودية في مدينتي طهران ومشهد في إيران والتي تشكل خرقا واضحا لإتفاقية فيينا للعلاقات الديبلوماسية واتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية والقانون الدولي الذي يحمي حرمة البعثات الديبلوماسية .
•رفض المؤتمر التصريحات الإيرانية التحريضية فيما يتعلق بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة بحق عدد من مرتكبي الجرائم الإرهابية في المملكة العربية السعودية حيث أن ذلك يعد تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية للملكة العربية السعودية مما يتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة وميثاق منظمة التعاون الإسلامي وجميع المواثيق الدولية .
•أدان المؤتمر تدخلات إيران في الشؤون الداخلية لدول المنطقة ودول أخرى أعضاء منها البحرين واليمن وسوريا والصومال واستمرار دعمها للإرهاب .
 
وفي النهاية وفي ظل الظروف القاسية الراهنة وما تمر به الدول العربية لا سيما في سوريا واليمن والعراق ومصر وليبيا وما تعرضت له السودان من حرب أهلية طاحنة . فإن هناك أكثر من سيناريو لمعالجة الأوضاع الراهنة ولنزع فتيل التأزيم والصراع في بسط النفوذ الإيراني ومنع التدخل السافر لإيران في شؤون الدول العربية ووقف العمليات الحربية والعسكرية للميليشيات الإيرانية ولفيلق القدس .
أما السيناريو الأول فإن المملكة العربية السعودية تستطيع أن تلعب دورا استراتيجيا هاماً على مستوى الأمة العربية والإسلامية وذلك بتوجيه دعوة رسمية إلى عقد إجتماع قمة طارىء على مستوى القادة للدول العربية والإسلامية من أجل التوصل إلى توافق وإتفاق بين كافة الدول الإسلامية وإصدار ميثاق شرف من خلال التضامن والتعاون في إيجاد حلول لوقف نزيف الدم في العالم العربي والتوصل إلى قواسم مشتركة في نبذ الإرهاب الفكري والديني وكل أشكال التطرف وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة والنأي عن كل شبهات الإرهاب والإقتتال بين عشرات الفصائل والتنظيمات التي تتستر خلف الإسلام وتتخذ من الدين شعارا لها . والقيام بمحاولة جادة لرأب الصدع بين أهل السنة والشيعة وعدم السماح لأي نفوذ أجنبي في إيقاع الشرخ بين الأخوة المسلمين مهما تعددت مذاهبهم أو اختلفت آراؤهم .
إن المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون من خلال الدعوة إلى قمة إسلامية طارئة يمكنها تحقيق قفزة نوعية كبيرة في تحسين العلاقات مع دول الجوار وبالذات مع إيران ويمكن الإستعانة بكل من الباكستان وتركيا
لأن عقد لقاءات مباشرة مع القيادة الإيرانية تمثل الخطوة الأولى في رسم استراتيجية إحتواء لسياسة إيران في منطقة الخليج العربي والعمل على تقريب وجهات النظر والقضاء على مصادر الخلاف والتوصل إلى التعاون الإستراتيجي السياسي المبني على ركائز الأمن والسياسة والإقتصاد وتحقيق أعلى درجات التنسيق والتفاهم في مجال الأمن القومي والحفاظ على مصادر الثروة الرئيسة المتمثلة في النفط والغاز والإنسان قبل أي شيء آخر
إن عقد مثل هذه اللقاءات المباشرة هي خطوة هامة في طمأنة بعض الدول العظمى وعلى رأسها الصين والهند ودول أوروبا واليابان بأن المملكة العربية السعودية سوف تستمر في تزويد العالم بإنتاجها النفطي دونما توقف أو إنقطاع .
كما يمكن الإتفاق على زيادة أوجه التعاون بين الدول العربية المصدرة للنفط والغاز بزيادة كميات التصدير لأن الهند والصين هما من أكثر الدول حاجة للنفط والغاز .
إن تحسن العلاقات بين دول الخليج وبين إيران سوف يفوت الفرصة على
الولايات المتحدة من إيقاع شرخ أو نزاع بين إيران ودول الخليج وإن قيام السعودية بمحاولة جمع الصف بين الدول الإسلامية في هذه المرحلة بالذات سوف يؤدي إلى نوع من التواصل بين الدول الإسلامية القوية المتمثلة بالسعودية وإيران والباكستان وتركيا ومصر .
كما أن هناك إمكانيات هائلة للتنسيق والتعاون في أكثر من مجال وعلى سبيل المثال وضع استراتيجية بين دول الخليج وإيران للتعاون في مجال إنتاج وتصدير النفط والغاز والتفكير بالبدء في تنفيذ بناء خطوط أنابيب عملاقة للنفط والغاز عبر العراق وتركيا إلى أوروبا التي سيتعاظم احتياجها واستهلاكها للغاز بدءا من عام 2020 . كما أن هناك إمكانبات كبيرة لبناء خطوط أنابيب عملاقة للغاز والنفط من بحر عمان إلى الباكستان والهند ومن ثم إلى الصين .
إن تحقيق الأمن والأمان في المنطقة العربية الإسلامية ونزع فتيل العداء سوف يوفر ثروات خيالية وأموال هائلة لا تعد ولا تحصى للدول العربية وبالذات دول الخليج العربي والتي تم ويتم إنفاقها على صفقات السلاح المحمومة التي لا تتوقف عند حد والمستفيد الأول منها والمباشر الولايات المتحدة والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا .
هذه هي وبكل يساطة بعض الخيوط العريضة للسيناريو الأول للتغلب على المشاكل التي تدور في الأفق العربي والإسلامي وهي الخطوة الأولى للتغلب على تقلبات السياسة الأمريكية في المنطقة .
أما السناريو الثاني فهو الإستنزاف المرعب الذي لا يتوقف ولا يرحم كنار جهنم وقودها الناس والحجارة المتمثل في الإبقاء على نزيف الجبهات العربية وتدمير الجيوش العربية في كل من اليمن وسوريا والعراق واستنزاف كل الثروات العربية في دول مجلس التعاون وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية . وهذا السيناريو القاتم هو الذي سنتطرق إليه بالتفصيل في الجزء الأخير لهذا البحث .
 
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير