ليس دفاعا عن أمجد المجالي.. ولكنها شهادة حق
د. محمد تركي بني سلامة
جو 24 :
"يقال أنه سئل بني أمية عن سبب زوال الملك فأجابوا :
قربنا البعيد وبعدنا القريب" .
أثار البيان الذي أصدره السيد أمجد المجالي باسم حزب الجبهة الأردنية الموحدة، الكثير من ردود الأفعال والنقاش والجدل، وانقسمت حوله الآراء، وتباينت التفسيرات والتحليلات، وحظي البيان باهتمام غير مسبوق من كافة أوساط المجتمع الأردني، وتغطية إعلامية واسعة على الصعيدين المحلي والعربي.
البعض اعتبر البيان ردة فعل على استبعاد أمجد المجالي وأشقائه من التشكيل الحكومي وعضوية مجلس الأعيان، رغم أنه صادر عن شخصية سياسية وازنه تستند إلى تراث وطني كبير وتعد من أعمدة النظام السياسي في البلاد والبعض الآخر فسر البيان كتعبير عن حالة من النزق السياسي والاحتجاج على أسلوب إدارة الدولة الذي يتسم بحالة من الركود وانسداد الأفق السياسي ، فيما اعتبره الزعيم الوطني البارز ليث شبيلات بمثابة صحوة سياسية من أبناء النظام ولكنها تؤسس لنقلة نوعية في العمل السياسي الجاد في البلاد، معترفاً بانَّ البيان والقائمين عليه قد وضعوا حداً لعزلة ليث شبيلات ونرجسيتة وفرديته ، والحق يقال بأنَّ موقف ليث شبيلات من البيان هو بمثابة قيمة مضافة للبيان، وذلك لما يتمتع به ليث شبيلات وهو شيخ المناضلين في الأردن من رصيد شعبي فهو الأصدق تعبيرا عن الضمير الوطني، ويحظى باحترام معظم الأردنيين، إن لم يكن كلهم .
وكمواطن أردني متابع للشأن العام أولا، وكنت ممن عملوا عن قرب في الحقل السياسي مع السيد أمجد المجالي لمدة تقارب العشر سنوات، انتهت بالاختلاف معه والاستقالة من الحزب، إلا أنَّ علاقتي بالرجل لم تنتهي، ولم ينقطع حبل الود بيننا، ثانيا ، فإنني أود بكل موضوعية أن أقول رأيي في هذا الموضوع، مع قناعتي التامة بأنَّ السيد أمجد المجالي ليس بحاجة لدفاع أو مساندة، وهو معزز بثقة شعبية ورسمية واضحة لا غبار عليها، وهي تشكل أكبر دعم وأفضل حماية وأقوى دفاع، وهذه بديهيات لا تخفى إلا على جاهل أو جاحد أو حقود.
وبحكم موقعي كرئيس اللجنة السياسية في الحزب لعدة سنوات، وفي ضوء معرفتي بشخصية وطباع السيد أمجد المجالي استطيع أن أقول بكل ثقة أنَّ أمجد المجالي ليس من أولئك اللذين يبحثون عن الأضواء أو المواقع ، وليس من اللذين يلهثون لتحقيق مصالح وأهداف شخصية وتعزيز مواقع على حساب المصلحة العامة له أو لأشقائه حسين وأيمن، وما يروج له البعض عن دوافع شخصية للسيد أمجد وأشقائه فهو استخفاف بعقول الناس وبوعيهم ولا سيما أنَّ أمجد وإخوانه تقلدوا أعلى المناصب في الدولة الأردنية نتيجة الثقة الشعبية أو الرسمية، ومنصب وزاري أو عضوية في مجلس الأعيان لن تضيف لأي منهم أي جديد، و عليه فأنَّه لا يعقل أن يكون أمجد المجالي قد قال ما قال من أجل مسالة ثانوية، فبيانه منَّزه عن الأغراض الشخصية ،والحديث السطحي في هذا الشأن هو تطاول على الناس وهذا مرفوض، ونتمنى أن لا ينزلق أبناء شعبنا وراء مثل هذه الآراء السطحية.
ولكن أليس من حق أمجد المجالي كمواطن أردني أولا وأخيراً أن يتساءل وباستنكار شديد، كيف يتم تعيين كبار المسؤولين في بلادنا دون أدنى تدقيق في ماضيهم وحاضرهم، ونسال القاصي والداني عنهم؟ كيف يتم تعيين شخصيات بإرادة ملكية دون أدنى التفات ولدنيا دوائر وأجهزة أمنية عتيدة تعرف عن الناس أكثر من ما يعرفوا عن أنفسهم؟ أليس من المعيب أن يتندر الناس في بلادنا أنَّ نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل يشكرون دولة الرئيس على ثقته بالزميل، ، ،،ويعاهدون دولته على رفد المجلس بالمزيد من الكفاءات والخبرات في المستقبل إذا منح مجلس النواب الثقة لحكومته؟ أليس هذا فشل ذريع على كافة المستويات يستوجب المساء لة؟ وهل يحدث في غير الأردن أنَّ من لا يعرف الأردن بحكم المولد والنشأة والتعليم والعمل والإقامة وووووو ينزل بالبراشوت على رأس المشهد السياسي حتى أن دولة الرئيس يسال عن اسمه، ثم نسأل كيف تفشل السياسات وتنهار الأوضاع ويعم الفساد ويفقد الناس الثقة بالدولة المؤسسات،وكأن هناك حالة دائمة من التغيب القصدي لمبادئ الاستحقاق والجدارة في الواقع الأردني، بحيث صارت القاعدة أن يثب إلى الأمر من ليس أهلا له، وأنَّ توسيد من يستحق مسالة استثنائية، الكثير الكثير من الأردنيين زرعوا ولم يحصدوا، وآخرون لم يزرعوا شيئا من أجل الوطن لكنهم حصدوا الكثير، اليس هذا من يخلق الدواعش في بلادنا؟
اعتقد أنَّ من حق أمجد المجالي كمواطن أردني أن يغضب ويثور ويوجه أصابع الاتهام لحالة التخبط والارتباك في إدارة شؤون البلاد، ولا خير فيه إذا لم يقلها، ولا خير فينا إذا لم نسمعها.
أما اللذين يتساءلون أين كان أمجد المجالي عندما تعرضت البلاد لأكبر عملية نهب في تاريخها الحديث تحت مسميات الخصخصة وذرائع جذب الاستثمارات؟ وأين كان أمجد المجالي أيام برنامج التحول الاقتصادي وشركة أمنية وسكن كريم والمنحة النفطية الكويتية وغيرها من ملفات الفساد.
ببساطة أقول لهذا الفريق من الناس إنَّ مواقف أمجد كثيرة فعلى سبيل المثال عندما كان وزيرا للعمل كان بحكم موقعه رئيس مجلس إدارة صندوق الضمان الاجتماعي، وعندما حاول بعض المتنفذين من أعضاء الفريق الوزاري وضع يده على مدخرات الصندوق بذريعة الاستثمار رفض بشكل مطلق أن تمس أموال اليتامى والأرامل والمتقاعدين باعتبار أموال الضمان ودائع لهذه الفئات من الناس ولا شان للحكومة بها، وهو موقف بقي ملتزماً به، ولكم ان تتخيلوا النتائج لو وضع الليبراليون الجدد ايديهم على اموال الضمان الاجتماعي ، ومن يعود إلى أدبيات الحزب يدرك موقف أمجد المجالي من النهج الليبرالي الجديد، ولا تكاد تخول مناسبة أو بيان للحزب من تأكيد هذا الموقف، وعندما كان السيد أمجد المجالي نائبا في البرلمان السابق، كان شقيقه حسين وزيرا للداخلية ، فقد حجب الثقة عن الحكومة ووجه لها نقدًا لاذعًا إذ وصفها بالعرفية، وبأنَّ جهات متهمة بالفساد تقف خلفها، وهي المسؤولة عن نهب الوطن، أما مواقفه من التعديلات الدستورية ومكافحة الفساد ومعاهدة السلام، وغيرها فهي معروفة للقاصي والداني.
هذه هي بعض من مواقف أمجد المجالي، فهو ليس من المجاملين على حساب الحق أو المصلحة العامة، و دائما يرجح مصلحة الوطن ، ولا يجيد لعبة المساومات والتنازل عن القيم، والمبادئ ، أما بخصوص البيان الذي أصدره فإن من يتأمل البيان ويعرف ظروف الأردن لا يمكن أن يسميه سوى البيان النصيحة أو الصحوة أو جرس الإنذار، لأنَّه دعوة صادقة لإصلاح الخلل وحماية الوطن من الصراع الدموي الذي تعيشه المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج، وهو يحذر من سياسات خرقاء تؤثر على البلاد ومستقبلها واستقرارها ونهضتها ونمائها، فهو يشير إلى الفساد الذي تغلغل في كل مفاصل الدولة، فالكثير ممن يجلسون في مكاتب فخمة، ويسكنون قصورا منيفة، امتدت أيديهم إلى المال العام وينبغي أن يكونوا خلف القضبان بعد أن تطالهم يد العدالة.
ويحذر البيان من التطرف والاستئثار بالرأي والقرار، ويذكر بالعقد الاجتماعي بين الأردنيين والنظام ، والذي قام على أساس واضح وهو أنَّ الإمارة للهاشميين والسيادة للأردنيين، ويرفض البيان التعامل مع الوطن بمنطق الشركة وعقلية الربح المادي فقط دون أي اعتبار للمسؤوليات الأخرى، كما أنَّ البيان يعري موقف الدولة المناوئ للعمل الحزبي ، وأمجد المجالي عاش التجربة الحزبية لسنوات ورأى أن الممارسات العرفية المستمرة تجاه الأحزاب السياسية جعلت الأحزاب صورية ، ليس لها أي مفعول ولا تملك أية أدوات للتغيير، فهي ديكور لديمقراطية عرجاء، وبالمحصلة فان هذه الأحزاب هي استجابة لمطالب خارجية أكثر منها استجابة لضرورات داخلية ،ومن هنا أعلن أمجد المجالي عن الاستعداد لحل الحزب على رؤوس الأشهاد بعد أن وصل إلى قناعة أنَّ هناك عداء مبطن من الدولة تجاه الأحزاب السياسية.
في المجمل فان البيان في ظاهره نزعة تمرد أو صرخة غضب، ولكن في باطنه دعوة صادقة للإصلاح والدفاع عن الوطن وصيانة أمنه واستقراره، وصد الأخطار المحدقة به، وتعزيز ركائز النظام النيابي الملكي، وإقامة دولة الحق والعدل والقانون والمؤسسات.
فالبيت الأردني بحاجة إلى إعادة ترتيب، ولا بدَّ من إعادة النظر بالكثير من السياسات والممارسات التي ثبت عقمها ودفعنا ثمنها غاليا. ومن هنا فإنه لا بدَّ من المصارحة والجهر بالحقيقة المؤلمة من أجل استدراك ما فات، وإعادة البناء على قواعد راسخة تواجه العواصف الهوجاء والتحديات الجسام، وهذا بطبيعة الحال يستلزم تغيير النهج وتغيير الأدوات، وببساطة يستلزم قيادات وطنية من طراز خاص، وهي موجودة لدينا لكنها مقصية ومغيبة ومهمشة .
مع نجاح ثورات الربيع العربي والتي لم تستكمل بعد، فقد اتضح بما لا يدع مجالا للشك بأنَّ العالم العربي اليوم يشهد تغيرات جذرية سريعة وعميقة في كافة مجالات الحياة، ورغم ما يظهر في الكثير من النظم السياسية، العربية ومنها الأردن من ثبات ظاهري على قمة الهرم السياسي، فإنَّ قاعدة المجتمع في تلك النظم تتعرض لموجات عنيفة من التغيير، ومن المؤكد أنَّها سوف تؤثر بدرجات وأشكال متنوعة على ثبات هذه القمم، ومن هنا فإنه لا غرابة أن يكون أمجد المجالي صاحب المبادرة الذي يدق ناقوس الخطر، واعتقد جازما أنَّه يرتكز على الانتماء الملخص والولاء الصادق وليس على النفاق والتملق والانتهازية، إنَّه ابن الوطن البار الذي رضع من حليبه ولم يفطم بعد، ولا أحد كائنا من كان يستطيع أن يبيعه وطنية أو يزيد أو يزايد عليه.
إنَّ بيان أمجد هزاع المجالي سوف يسجل له لا عليه، وبأحرف من نور، وهو موقف وطني صلب وحاسم يؤكد أن دماء هزاع لم ولن تذهب هدراً، وهي ما تزال تجري في عروق أمجد وأشقائه، فألف تحية إلى هذا الرمز الوطني الكبير، وألف تحية إلى من قرأ البيان بفطنة وبصيرة نافذة، أمَّا الجهلة بالسياسة واللذين تنقصهم الفطنة والكياسة، فأساءوا التفسير والتأويل فإنّنا نحزن عليهم، وربما نعذرهم في ضيق الأفق وقصر النظر، أما أولئك اللذين دفنوا رؤوسهم بالرمال وصمتوا صمت القبور، فهم عاجزون وعلى هامش الحياة، والتاريخ لهم بالمرصاد، وللحديث بقية.