jo24_banner
jo24_banner

سيناريو الغرق

فهمي هويدي
جو 24 :

لا الذين تظاهروا في ميدان التحرير ضد الشريعة، ولا الذين يتظاهرون اليوم أمام جامعة القاهرة مع الاستبداد. لذلك تمنيت أن يضبط الانفعال الذي يخيم على خطاب الفريقين، لأن لدينا ما يكفينا من الالتباسات والتشوهات، التي تصب كلها في مجرى تعميق الشروخ وإعادة صياغة القوى السياسية وأرجو ألا يدفعنا ذلك إلى السير على درب الخبرة اللبنانية التي قسمت البلدين إلى فريقين للموالاة والمعارضة. أحدهما ينتمي إلى تجمع 14 آذار، والثاني إلى جماعة 8 آذار، في تطوير للقسمة السابقة التي فصلت بيروت الشرقية عن بيروت الغربية.
سنحتاج إلى وقت أطول، وربما أيضا إلى قدر أكبر من هدوء الأعصاب، لكي نتعرف على جذور الانقسام الراهن، وإلى أي مدى أسهمت فكرة قسمة القوى السياسية إلى مدنية في مقابل أخرى دينية. في تشويه الساحة السياسية والتشويش على مسيرة الثورة.
وكنت قد حذرت في وقت مبكر من خطورة اختزال المشهد في صراع القوتين، ودعوت إلى استبعاد فكرة صراع الهويات والتركيز على التمايزات السياسية بين القوى الوطنية والديمقراطية، لكن الرياح أتت بما لا نشتهي، حتى وقع الجميع في فخ الانفعال الغاضب والتقاطع العارم الذي أوصلنا إلى ما وصلنا إليه الآن.
ما تمنيت أن يرفع المؤيدون للرئيس مرسي اليوم شعار الدفاع عن الشريعة والشرعية، الذي أشم فيه رائحة الضغوط السلفية، التي تصر على الزج بمصطلح الشريعة بمناسبة وبغير مناسبة، حتى تكاد تقسم العالم إلى فريقين أحدهما مع الشريعة والآخر ضدها.
وأكاد أزعم أن الفريقين الأساسيين اللذين يخرجان للتظاهر اليوم أمام جامعة القاهرة يتوزعان على كلمة العنوان، فالإخوان خرجوا للدفاع عن الشرعية ممثلة في الرئيس محمد مرسي، والسلفيون خرجوا للدفاع عن الشريعة، في إيحاء غير صحي بأن المعارضين الذين في «التحرير» ضد الشريعة، وهذا تكييف مغلوط وخطر في نفس الوقت. هو مغلوط لأن الذي فجر الغضب هو الإعلان الدستوري الأخير الذي أصدره الرئيس مرسي، ولم يكن له علاقة بموضوع الشريعة، ثم إن الأغلبية الساحقة من الذين شاركوا في المظاهرات الرافضة ليس لديها أي تحفظ أو خلاف على النص على الشريعة الوارد في دستور عام 71 أو المشروع الذي تم إقراره. وهو خطر لأن هذه الصياغة تنقل الصراع إلى مستوى الخلاف حول الهوية الدينية، وذلك منزلق يفتح الباب لشرور كثيرة، ناهيك عن أنه يبدو تحريضيا ومستنفرا للدفاع عن «شرع الله». وهو القضية المفتعلة التي أقحمها السلفيون على مجرى الحوار دون مبرر.
للاختزال خطورته أيضا في تقييم موقف الطرفين. لأنه لا يسمح برؤية التمايز في الأهداف أو التمايز في طبيعة العناصر التي تظاهرت في المدن المصرية وميادينها. صحيح أن أهم رسالة تلقيناها من المظاهرات والاحتجاجات التي عبرت عنها مختلف الأطراف، أن المجتمع المصري لا يزال محتفظا بحيويته وجرأته، وأن المارد خرج من «القمقم» ولا يمكن أن يعود إليه مرة أخرى. بالتالي فإن الكلام عن الفرعون والرئيس الإله صاحب السلطة المطلقة، صار افتراضا فيه من التحذير من احتمالات المستقبل أكثر ما فيه من تحرير الحاصل على الأرض.
نحن لم نعرف على وجه الدقة من الذي خرج مطالبا بإسقاط الرئيس محمد مرسي ولا من الذي طالب بسحب الإعلان الدستوري وإلغائه، ومن الذي كان معترضا على بعض مواد الإعلان الدستوري دون الأخرى.
كذلك فإننا لم نعرف وسط الهرج السائد من الذي خرج خائفا على الديمقراطية. أو خرج خائفا من الديمقراطية، ومن الذي خرج خائفا من الإخوان والسلفيين أو كارها للثورة. كما أننا لم نعرف من من هؤلاء خرج غيورا على القضاء. ومن خرج راكبا للموجة وساعيا للشهرة. أو من خرج لأنه ضائق بأعباء الحياة ويريد أن ينفس عن غضبه ويرفع صوته عاليا في الفضاء عله يجد من يسمعه. وغير هؤلاء وهؤلاء فإننا لم نعرف نصيب العاطلين والبلطجية المتطوعين أو المجندين الذين حملوا قنابل المولوتوف والخرطوش.
هذه المعالم التي تساعدنا على أن نفهم المشهد ونتعامل معه برصانة ومسئولية، لم تتضح للأسف الشديد. وكانت النتيجة أن الطرفين لم يفهم كل منهما الآخر ولم يسمعه وفي ظل التباعد والتقاطع فإن سوء الظن ظل مخيما.
وتكفلت بعض وسائل الإعلام بتأجيج الحريق وتوسيع نطاقه، وتحولت الساحة إلى حلبة للصراع، كل طرف يحاول أن يلوي ذراع الآخر ويقهره، وحين يحدث ذلك فينبغي ألا نتوقع أن تتقدم سفينة الوطن. وإنما يلوح في الأفق سيناريو الغرق الذي وجدنا من يهلل له ويتمناه، وبدا أننا بحاجة إلى معجزة لكي نتجنبه.
(السبيل)

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير