jo24_banner
jo24_banner

بانوراما الحراك.. بين رسالة التطمين في مسيرة عبيدات وحقيقة "التقويض"

بانوراما الحراك.. بين رسالة التطمين في مسيرة عبيدات وحقيقة التقويض
جو 24 :

كتب تامر خرمه

رسالة تطمين.. كان ملخص ما حاولت الجبهة الوطنية للإصلاح إيصاله للسلطة عبر مسيرة "الانتفاضة الشعبية"، حيث حاولت النخب إقناع صنّاع القرار بقدرتها على ضبط إيقاع الشارع، وبأنّها جديرة بالشراكة السياسيّة التي يحول قانون الانتخاب دون تحقيقها.

اختزال المسألة بقانون الانتخاب، ومحاولة فرض هذا الشعار على أنه يعبّر عن جوهر المطالب الشعبيّة، لا تباعد بين الحراكات الشعبية والنخب السياسية فحسب، بل من شأن هذا الطرح أن يدفع باتجاه الإمعان في ذات السياسات الاقتصادية التي أنتجت هبّة تشرين، ويشجع السلطة على الاستمرار في تشديد قبضتها الأمنية على الحراك الشعبي الذي تخلّت عنه هذه النخب.

حالة الاستياء -بل ربما الإحباط لدى البعض- شكلت أول ردّة فعل لنشطاء الحراك على مسيرة جبهة الإصلاح، بل عبّرت صورة رئيس الجبهة أحمد عبيدات وهو محاط بعناصر الأمن عن طبيعة الاصطفافات بالنسبة للحراكيين الذين يعلمون حقيقة الصفقة التي عقدها الاسلاميون مع السلطة في الغرف المغلقة.

وقد صدق النسور وعده.. فلم يوفر الحماية الأمنيّة للمسيرة فحسب، بل أمّن الحماية الشخصيّة لرئيس الجبهة الوطنية للإصلاح، الذي أبدع في ردّ الجميل عندما حاول اختزال المشهد السياسي على أنه خلاف حول توزيع مقاعد البرلمان عبر قانون الانتخاب !!

مسيرة محدّدة البداية والنهاية واليافطة والشعار، لا يمكن لها أن تشكل أي ضغط على السلطة.. وهذا ما يدركه الاسلاميون جيدا، فهم من وضع نشطاء الحراك الشعبي في مقدّمة المواجهات عندما لجأوا إلى التصعيد سواء في 24 آذار أو ساحة النخيل أو غيرهما.. غير أن مسيرة "الانتفاضة الشعبية" -التي لم تعبّر عن اسمها بأي شكل من الأشكال- حصرت حراك الجمعة في العاصمة عمان ومضت وفق إيقاع "منظم" و"محمود العواقب" لم يكن ينقصه سوى رفع الراية البيضاء على منصّة عبيدات !

المواطنون الذين خرجوا إلى الشوارع في هبّة تشرين، دون تنظيم من النخب، شكلوا حالة الضغط الحقيقي الذي أثار قلق السلطة، فبدأت بحملة اعتقالات محمومة ضد نشطاء الحراك، ظنا منها بأن المقاربة الأمنيّة هي الحلّ.. وكنتيجة طبيعيّة للاحتفاظ بقرار رفع الأسعار في حيّزه النظري بعض الوقت، هدأت الهبّة، فالمواطن لم يشعر حتى الآن بنتائج قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطيّة، وما أن يجد هذا القرار سبيله إلى جيوب المواطنين المفعمة بالثقوب، حتى تندلع انتفاضة شعبية تختلف تماما عن "انتفاضة" الجبهة.. هذا ما تقوله حركة المجتمعات البشرية عبر التاريخ، وفي ظلّ هذه المعطيات، تحاول النخب تحسين شروط تفاوضها للدخول في شراكة سياسية مع السلطة عبر تجميل قانون الانتخاب، وتحاول في ذات الوقت تطمين صانع القرار ومحاولة إقناعه بامتلاكها القدرة على تنظيم الشارع وضبط إيقاع شعاره.

مقاربة متطرفة بتفاؤلها تلك التي استند إليها الاسلاميون وغيرهم من النخب السياسية في رسم المشهد الذي تسيّده أحمد عبيدات، فالسلطة أثبتت عبر لجان الحوار والتعديل أنها لا تنظر إلى تلك النخب من موقع النديّة، ولا يمكن أن تتعامل معها إلا على أنها تماثيل ديكوريّة لتجميل النموذج الأردني للديمقراطيّة.

ومن جهة أخرى، فإن الشارع الذي ينتظر صدمة الأسعار، لا يمكن إقناعه بأن قانون الانتخاب هو حجر الرحى لحلّ أزمته المعيشيّة، خاصة وأنّه فقد الثقة في تلك النخب منذ زمن بعيد، ولن تكون مسيرات الجبهة الوطنية الاستعراضيّة سوى عروضا مسرحيّة لن تنال إعجاب المشاهدين، سواء أكانوا يتابعونها من مقاعد الشارع أو من مقصورة السلطة.

أمّا بالنسبة للحراكات الشعبية -التي عبّرت عن إدراكها للواقع من خلال التوجه إلى الأحياء الشعبية في مسيرات الهبّة- فيمكن القول بأن شعرة معاوية التي كانت تربطها ببعض النخب قد انقطعت تماما، خاصّة وأن محاولة الجبهة الوطنيّة لضبط إيقاع الشارع وفق ما يتم الاتفاق عليه في الغرف المغلقة، سيترك رموز الحراك وحدهم في مواجهة المزيد من القمع والاعتقال.

ولكن هل يمكن لمقاربة السلطة الأمنيّة وحوارتها التي تجري من فوق الطاولة وتحتها، أن تضمن هدوء الشارع إلى الأبد ؟!

التاريخ يجيب على هذا التساؤل الذي تناساه من يحاول الوصول إلى تفاهم يدفع باتجاه تأجيل الانتخابات وعودة المجلس المنحل واستثناء "جرّة الغاز" وحدها من رفع الأسعار، تمهيدا للعودة إلى مشروع الصوتين (صوت للدائرة المحليّة وصوت للقائمة الوطنيّة) ومشاركة الاسلاميين بالانتخابات.

الرهان على ضبط إيقاع الشارع عبر تفاهمات سياسية حول قضية الانتخابات، او على مقاربة السلطة الأمنيّة، يعبّر عن منطق المقامرة الذي تستند إليه السلطة في إدارتها، في الوقت الذي تحاول فيه الحركة الاسلاميّة تحقيق أقصى المكاسب من تطورات الساحتين المحليّة والإقليميّة.. ولكن لا ننسى أن الشارع سيكون خاليا تماما من كافة القيادات التقليديّة بعد الوصول إلى تفاهمات سياسيّة بين السلطة والنخب، وستكون رموز جبهة الإصلاح معزولة تماما عن حركة هذا الشارع الذي تدفع السياسات الاقتصادية باتجاه انتفاضته.. وللتذكير فإن هذه السياسات هي التي تنبغي محاكمتها في "أمن الدولة" بتهمة "تقويض نظام الحكم".

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير