2024-05-20 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

الويل لنا منا!

حلمي الأسمر
جو 24 :

حتى لو صح أن هناك بشرا قادرين على التمثيل بجثة بشري آخر، وبقر بطنه وأكل قلبه وكبده، كيف لصاحب قلم أو رأي أو عقل، أن يبادر لنشر مثل هذه الأفلام التي تظهر أسوا ما في البني آدم من مشاعر وحشية، لا وظيفة لها إلا إذكاء مشاعر الجنون والانتقام وإذكاء نار الفتنة الطائفية والمذهبية المستعرة أصلا في قلوب أعماها الحقد وقتل فيها كل مشاعر تمت بصلة إلى عالم الإنسان؟ كيف يستسيغ إنسي مهما كانت عقيدته ومذهبه وطائفته أن ينجر إلى هذا الدرك الأسفل من الإنحطاط، فيروج لفتنة تصنعها أجهزة استخبارات في أقبية التآمر لديمومة حروبنا الطائفية، التي لا تخدم إلا منتجي الأسلحة، وعصابات القتل الأممي، التي لا ترى فينا سنة كنا أو شيعة، كفارا أو مؤمنين، علمانيية أو محافظين، إلا سوقا لترويج منتجاتها من أدوات القتل، وسبيلا لإبقائنا في حالة اقتتال ذاتي، طلبا لفنائنا، وإهدارا لقوتنا؟
كم أشعر بالأسى، ويمزقني الألم، وأنا أنظر إلى «الفريقين» (أي فريقين متقاتلين من أمتنا هذه)، وهما يجتهدان في تمزيق أجساد بعضهما البعض، لتصفية حسابات تاريخية، لم يعد لها وجود، وإقامة بيوت عزاء لشهداء مضوا إلى ربهم، وإحياء لمناسبات لم تعد تصلح إلا للرثاء والاعتبار، لا للثأر والاقتتال!
أي جنون أصاب هؤلاء وأولئك، وهم ينادون بالمزيد من الانتحار الذاتي، فيما عدوهم يستمتع برؤيتهم وهم لاهون عنه، منشغلون بقتل بعضهم البعض؟
أي خطاب أرعن يغذي هذه النار المجنونة، التي تحرق ملابسنا، وعقولنا؟ أي شيطان رجيم، سولت له نفسه أن يوغر صدورنا على بعضنا البعض على هذا النحو المتوحش؟
أين العقلاء وذوو الحجى، وراجحو التفكير، وأساطين الحكمة، ومنظرو السلام الذاتي، والتنوير؟ اين اختفى دعاة التفكير، وإطفاء الحرائق، وكيف تركوا أماكنهم للمجانين من دعاة التكفير وسفك الدم، وتفريق الذراري وتخريب البيوت؟ كيف تحول خطاب الكراهية، إلى فيروس سريع العدوى، يضرب الكبير والصغير، الحاكم والمحكوم، العالم والجاهل، الكاتب والقارئ، الحكيم والصفيق، فغدا نشيدها القومي والوطني والمناطقي؟
الويل لنا منا، وقد عميت أبصارنا وبصائرنا، فاستمرأنا الخضوع لما يراد لنا، فقتّلنا بعضنا تقتيلا، وأدا لكل برعم خير وتغيير، وقد كفينا عدونا مؤونة الحرب، فأدرناها نيابة عنه، فاسترخى واستراح! إلى أين يمضي بنا هذا الجنون المبرمج، وأي واد سحيق نغذ السير إليه؟
يا ويحنا.. أليس منَّا رجل رشيد، يقرع ناقوس الخطر، ويضرب رؤوسنا بحجر، لعلها تفيق من سكرتها المجنونة، لترى إلى أين يمضي بنا العته والحمق والجهالة؟
أليس منَّا عاقل واحد، يدعو للتوقف عن مهرجان المهازل، التي ضربت بلادنا، فصرنا أمثولة في تدمير الذات، وأكل لحمنا، وتخريب ممتلكاتنا، وهتك أعراضنا، وتشريد أبنائنا، وترميل نسائنا؟ ما الذي أصابنا؟
وما سبب كل هذا الحقد الذي يحمله بعضنا على بعضنا: سنة وشيعة، علمانيين ومتدينين، إصلاحيين ومحافظين، سلفيين وإخوانا، ثوارا وفلولا، موالين ومعارضين، حكاما ومحكومين؟
أي جاهلية صفيقة تحركنا؟ وكيف تحولنا كلنا إلى وقود مستعر لنسخة معاصرة مجنونة لحرب داحس والغبراء؟
أي دين ومبدأ وعقيدة، وحزب، وتفكير، يسوغ ويبرر استعار هذه الحرب المجنونة التي يشنها بعضنا على بعضنا؟

الدستور


 

 
تابعو الأردن 24 على google news